رشيد غويلب
تحول صعود اليمين الشعبوي المتطرف في اوربا، ووصوله الى سدة الحكم وبالتحالف مع النازية الجديدة في عدد من البلدان الاوربية حول ملف اللاجئين الى مادة اساسية لخلافات عميقة داخل الاتحاد الأوربي، وداخل بلدانه منفردة. وتشكل الأزمة المتصاعدة داخل الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم في المانيا، والتي تهدد بانفراط العمل المشترك بين طرفيه الحزب الديمقراطي المسيحي بقيادة المستشارة الألمانية ميركل، و الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ، بزعامة وزير داخليتها هورست سيهوفر، الطرف الأكثر يمينية في الاتحاد المسيحي.
وزير الداخلية يبتز المستشارة

ويتركز الصراع المباشر بين المستشارة ووزير داخليتها على الخطة التي طرحها الاخير والتي تتضمن 63 فقرة، وتهدف الى تضييق مساحة قبول اللاجئين في المانيا، وابعاد اكثرهم على الحدود، حتى بدون تحقيق اولي، وخصوصا القادمين من مايسمى بالبدان الامنة، او الذين سبق وان قدموا طلب لجوء في بلد اوربي آخر.
وبعد اجتماعات قيادات الطرفين جرى الاتفاق على مهلة اسبوعين، تنتهي مع انتهاء القمة الاوربية المرتقبة في 28 -29 حزيران ، للوصول الى حل أوروبي لقضية اللاجئين أو إبرام اتفاقات ثنائية. ويرى المراقبون ان ذلك يمثل حلاً وسطاً، يحفظ لأطراف الخلاف ماء الوجه، ويمثل نجاحا لوزير الداخلية سيهوفر في تكتيكه الهادف الى ابتزاز ميركل، التي لم تجد بديلا سوى كسب المزيد من الوقت.
ولم تعلن حتى الآن المستشارة خضوعها، فقد اكدت في مؤتمر صحفي على عدم وجود موعد تلقائي يقضي بابعاد اللاجئين بدءاً من الأول من تموز المقبل. ولكن الواقع يؤشر انها سمحت لاحد وزرائها في ان يحدد مساحة حركتها، مما أضعف موقعها كزعيمة للحزب والدولة.

صراع داخل الاتحاد الاوربي

جانب آخر في خطة وزر الداخلية الالماني تنص على حصر الدعم المقدم لطالبي اللجوء بالمواد العينية فقط، ما يعني عمليا ان الوزير يريد بناء مراكز لجوء في الموانئ، على شكل مخيمات اعتقال يسكنها اللاجئون حتى موعد ترحيلهم القسري الى بلدانهم الأصلية او الى بلد آخر.
وتأتي اهمية الخلاف لان وزر الداخلية يريد غلق الحدود الالمانية، وعودة الرقابة على الحدود الداخلية للاتحاد الأوربي، وهو امر مطبق الى حد بعيد على الحدود المشتركة بين ولاية بافاريا والنمسا. وتسعى الخطة الى خلق انشقاق بين بلدان الاتحاد اللاوربي، الذي تعتبره الطبقة المهيمنة في المانيا مشروعها. ويعش الاتحاد الأوربي ازمة عميقة منذ فوز قوى اليمين الشعبوي واليمين المتطرف في الانتخابات الايطالية، ولم يعد مؤكدا التزام الحكومة الايطالية الجديدة باتفاقة "دبلن 2" الخاصة باللاجئين. ومن شأن اندلاع نزاع جديد حول ملف اللاجئين في الاتحاد الأوروبي أن يشكل انتكاسة كبيرة لميركل التي احتوت الصراع بواسطة صفقتها مع الرئيس التركي.

ملف اللاجئين ليس بيت القصيد

و يمارس الحزب الاجتماعي المسيحي، واوساط من الديمقراطي المسيحي لعبة خطرة تتعدى خلافا على ملف اللاجئين، اذا كانوا يسعون حقا الى شق التحالف الحاكم. لان المعطيات تشير الى تناقص اعداد اللاجئين القادمين الى المانيا الى حد كبير، والسؤال لماذا اذن اثارة الصراع حول هذا الملف في هذا الوقت بالتحديد؟
ان السبب الحقيقي يكمن في محاولة وزير الداخلية، وحزبه الاجتماعي المسيحي احتواء صعود "حزب البديل من اجل المانيا" اليميني المتطرف خلال الانتخابات التي ستشهدها ولاية بافاريا في تشرين الأول القادم، وبالتالي منع تعرض حزبه لخسارة اعداد كبيرة من الناخبين لصالح الاخير.

خدمات مجانية لليمين المتطرف

ان استطلاعات الراي الاخيرة تشير الى العكس ، فهي تقول ان الديمقراطي المسيحي يحصل على الصعيد الاتحادي على 30 في المائة فقط، والحزب الاجتماعي المسيحي يحصل في بافاريا على 41 في المائة، بخسارة 3,5 في المائة، وبهذا يخسر اكثريته البرلمانية، في حين يحصل "البديل من المانيا" اليميني المتطرف على 13,5 في المائة شاغلا الموقع الثاني. وبتعبير اخر ان التسابق مع اليمين المتطرف على من يتبنى السياسة الأكثر عدوانية تجاه اللاجئين ستصب في نهاية المطاف في مصلحة المتطرفين والنازيين الجدد.

أزمة الحكومة ومهام اليسار

ومن الواضح لقوى اليسار الالماني ولكتلة حزب اليسار في البرلمان الاتحادي، ان خطة وزير الداخلية يعمل ضد كل ما يسعى اليه اليسار الاشتراكي، متمثلا في التضامن الأممي ومقاومة جميع اشكال العنصرية، فضلا ان هذه الخطة ستؤدي الى تعزيز آخر لمواقع اليمين المتطرف. وبالتالي فان رفض الخطة جملة وتفصيلا، وعدم الوقوف بين المتصارعين، يمثل الموقف المطلوب. لم ترفض المستشارة في السابق اي تعديل سلبي لقانون اللجوء وهي تسعى الى الوصول الى خطة اوربية لتوزيع اللاجئين، وغلق حدود القارة بوجه القادمين الجدد، في حين يسعى وزير داخليتها الى غلق الحدود الالمانية على اساس قومي.