كندا

مرة اخرى تظهر الى السطح ازمة شحة المياه في نهري دجلة والفرات، ومرة اخرى تتسابق الجهات الحكومية لشرح الحالة واسبابها والاجراءات التي يمكن ان تخفف منها ولا نقول حلها. وكان اخرها الاجتماع الاستثنائي لمجلس النواب لدراسة الازمة الحالية بحضور عدد قليل من النواب وباستضافة السيد وزير الموارد المائية والسيد وزير الزراعة والسيد وكيل وزارة الخارجية. ومن نافل القول ان الاجتماع لم يخرج بحلول ناجعة للازمة المتكررة التي تحدث كلما قامت تركيا بملء خزانات احد سدودها المنتشرة على نهري دجلة والفرات.

الدراسة الحالية ستتطرق بشكل سريع الى نبذة تاريخية لمشكلة تقاسم المياه بين الدول الثلاثة تركيا وسوريا والعراق، ثم تتناول الحلول التي جرى اقتراحها خلال العقود الماضية واسباب فشلها جميعا، واخيرا ستطرح حلا يمكن ان يكون دائميا ويرضي جميع الاطراف.

نظرة اولية عامة

1- يبلغ طول نهر الفرات مابين 2700 الى 3000 كلم تقريبا. تساهم تركيا بنسبة 88 في المائة  من مياهه وسوريا بنسبة 11في المائة والعراق بنسبة 1في المائة سنويا.

2- يبلغ طول نهر دجلة حوالي 1840 كلم. تساهم تركيا بنسبة 51في المائة  من مياهه، والعراق بنسبة 39في المائة وايران بنسبة 10في المائة سنويا.

3- يتغذى النهران من المتساقطات (امطار وثلوج) على الجبال الجنوبية لتركيا، وبالتالي فان كمية المياه المتدفقة فيهما تتغير تبعا للفصول والسنين. وقد تمكن العلماء المختصون من تحديد ثلاثة مواسم لكميات المياه المتدفقة: موسم التدفق العالي (آذار – حزيران)، موسم التدفق الواطئ (تموز – تشرين الاول) وموسم التدفق المعتدل (تشرين الثاني – شباط). وتشير التقديرات الى ان اجمالي المياه المتدفقة الى نهر الفرات تبلغ حوالي 31820 مترا مكعبا سنويا، اما بالنسبة لنهر دجلة فتبلغ حوالي 42230 مترا مكعبا سنويا.

4- بدلا من نشوء حالة من التعاون بين البلدان الثلاثة للاستفادة من مياه النهرين، ظهرت حالة من التنافس الشديد بينهم لاستغلال المياه، وقامت العديد من المشاريع التي لم تصمم على اساس الحاجة الفعلية بل على اساس الخوف من الاخر. العراق مثلا يمتلك طاقة تخزينية تقدر بـ 150 مليار متر مكعب، والخزين الحالي لا يتجاوز 17 مليار متر مكعب، وبالتالي لا تزال لديه امكانية استيعاب تقدر بـ 133 مليار متر مكعب، ونشير ايضا الى قيامه بمشروع الثرثار الذي كان سببا رئيسيا في زيادة ملوحة التربة في الاراضي الواقعة الى جنوبه وبداية زحف الصحراء باتجاه الشرق وهو ما سنتطرق اليه لاحقا. اما في سوريا فتبلغ عدد السدود ولغاية عام 2008 164 سدا اربعة منها على نهر الفرات واكبرها هو سد الطبقة الذي ادت عملية ملئه عام 1974-1975 الى ازمة مشابهة للازمة الحالية. ويتذكر من عاصر تلك الفترة حالة العداء والتوتر بين طرفي حزب البعث الحاكم في البلدين آنذاك. تركيا من جانبها لم تكن بحاجة الى المياه لارواء اراضيها الزراعية بل، ونود هنا التأكيد على ذلك، بهدف توليد الطاقة الكهربائية فقط. فأنشأت اول سد لها وهوسد كيبان على الفرات وانتهت منه عام 1973 وهي نفس السنة التي انتهى فيها العمل بسد الطبقة مما ضاعف الازمة على العراق حيث بدأت الدولتان في ملء سديهما بالترافق مع سنة شديدة الجفاف في العراق. وفي الثمانينات بمشروع الغاب على نهر دجلة لذات السبب، أي، لتوليد الطاقة الكهربائية.

وهكذا نجد، عند مقارنة الاستخدامات المتنوعة لمياه النهرين من قبل البلدان المتشاطئة ، ان هذه البلدان لم تصرف جهدا لتنسيق الامر فيما بينها، بل على العكس راحت كل واحدة منها تخطط بمفردها. فقد عملت كل دولة على زيادة طاقتها التخزينية دون النظر بعين الاعتبار الى امكانية النهرين على توفير هذه الكميات في الواقع.

نظرة تأريخية سريعة

1- اول صراع على تقاسم المياه جرى قبل اكثر من 5000 عام بين مدينتي أوما و لكش في بلاد النهرين. وبينهما ايضا حدثت اول اتفاقية تسوية لتقاسم المياه.

2- منذ القرن السادس عشر ولغاية عام 1918 كان النهران خاضعين للدولة العثمانية ثم تقسما حسب الخارطة السياسة بعد الحرب العالمية الاولى.

3- عام 1920 اتفقت سلطتا الانتداب البريطانية والفرنسية على جملة من القضايا من بينها قضية استخدام مياه الفرات ودجلة حيث تضمنت المادة 3 من المعاهدة قرارا بتشكيل لجنة تكون مهمتها مراجعة خطط الري في سوريا بما لا يؤثر على كمية المياه الواصلة الى منطقة الانتداب البريطاني.

4- في عام 1923 وقعت تركيا معاهدة لوزان مع قوات الحلفاء وجرت فيها اشارات محدودة الى موضوعة تقاسم المياه المشتركة خصوصا في الفقرة 109 من المعاهدة.

5- بين الاعوام 1921 و 1930 عقدت العديد من الاتفاقيات الثنائية بين تركيا وفرنسا حيث ضمت البعض منها موضوعة استخدام مياه الفرات ودجلة، ونخص بالذكر منها اتفاقية انقرة الموقعة عام 1921، المادة 12 التي اشارت الى التزام الطرفين بالاستخدام المشترك لمياه نهر كوفيك بيم مدينة حلب السورية والمناطق الواقعة الى شمالها.

6- عام 1946 توصل العراق وتركيا الى عقد اتفاقية شاملة لتعزيز التعاون بين البلدين الجارين. واشار البروتوكول رقم 1 الى تنظيم وتطوير مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما، ولكن لم يجر تطبيق هذا البروتوكول ابدا.

7- امتازت الفترة منذ ستينات القرن الماضي باشتداد وتيرة الازمات بسبب الاجراءات الفردية للدول المتشاطئة وغياب التعاون والتنسيق فيما بينها. بالرغم من عقد الكثير من المشاورات والاجتماعات الثنائية والثلاثية إلا انها لم تضع حلولا ناجحة. ففي اواسط الستينات، جرت مباحثات مطولة تتعلق بإنشاء وملء سدود كيبان والطبقة وحديثة وكلها على نهر الفرات، وكانت من نتائجها موافقة تركيا على ضمان توريد ما لا يقل عن 350 مترا مكعبا بالثانية من المياه اسفل سد كيبان بشرط ان تتوفر هذه المياه طبيعيا لنهر الفرات.

8- عام 1965 عقدت الجولة الاولى من المفاوضات الثلاثية وكانت مباحثات ذات طابع فني فقط. المثير في هذه المباحثات ان الدول الثلاثة رفعت سقف مطالبها من كميات المياه الى اقصى حد، اذ طالبت تركيا بـ 18 مليار مترمكعب، وسوريا 13 مليار متر مكعب والعراق 14 مليار مكعب، وحاصل جمع ذلك يفوق القدرة السنوية لمياه النهر!. ثم جرت بعد ذلك مباحثات ثنائية بين العراق وسوريا وافقت سوريا خلالها على استلام العراق نسبة 59في المائة من مياه الفرات الداخلة الى سوريا.

9- في اواسط السبعينات وعلى اثر الازمة التي اشرنا اليها سابقا بين سوريا والعراق وافقت سوريا على زيادة كمية المياه العابرة الى العراق من 59 في المائة الى 60 في المائة.

10- عام 1980 تشكلت لجنة مشتركة بين العراق وتركيا ثم انضمت اليها سوريا عام 1983 تركزت فيها المباحثات حول مشروع الغاب الذي تنوي تركيا اقامته وخصوصا مشروع سد اتاتورك. وبعد 16 اجتماعا كان اخرها عام 1993، فشلوا بالتوصل الى حل يناسب الجميع.

11-  خلال التسعينات كان العراق يطالب تركيا بزيادة كمية مياه الفرات الواردة الى سوريا لتصل الى 700 متر مكعب في الثانية لتزيد بالتالي حصته البالغة 60 في المائة منها لكن تركيا رفضت ذلك.

12- عام 1996 نشأت ازمة اخرى عندما بدأت تركيا ببناء سد بيريجك وسط احتجاجات سورية وعراقية لم تلق اذنا صاغية من تركيا.

13-  عام 1997 صاغت الامم المتحدة ما يعرف بمعاهدة الانهر الدولية غير الملاحية والتي يمكن وصفها بانها معاهدة شاملة اعتمدت على قوانين سابقة  (هليسنكي 1966) و (برلين 2004) حددت فيها المبادئ الاساسية للتعاون الدولي في مجالات ادارة واستخدام وتحاصص وحماية الانهر والبحيرات المشتركة بين اكثر من دولة. وقد وقع العراق وسوريا عليها ورفضت تركيا التوقيع. وطالما ان المعاهدة لم تحظَ بالعدد المطلوب من التواقيع (35) ظلت المعاهدة مجرد حبر على ورق لحد الان.

نخلص اذن الى عدم وجود معاهدة دولية تلزم البلدان الموقعة عليها باتباع القوانين المتفق عليها لحل الخلافات حول مسألة المشاركة في المياه المشتركة فيما بينها، وتظل قوانين هليسنكي وبرلين وغيرها من مذكرات التفاهم مجرد مبادئ غير ملزم تطبيقها.

اهم العقبات التي تقف امام خلق حالة من التعاون المشترك بين تركيا وسوريا والعراق

اولا: مشكلة اعتبار نهري دجلة والفرات حوضا واحدا ام حوضين منفصلين. العراق وسوريا يعتبرانهما نهرين منفصلين، اما تركيا فتعتبرانهما حوض واحد على اساس ان النهرين يلتقيان في شط العرب، كما ان قناة الثرثار تربط بينهما في الوسط. اسباب الموقف العراقي والسوري تتعلق بالخوف من تقليل حصتيهما من المياه. القانون الدولي الى جانب التفسير التركي في هذه الحالة.

ثانيا: مشكلة المصطلحات، فالعراق وسوريا يطلقان على النهرين تسمية نهرين دوليين، وبالتالي يجب اعتبارهما كينونتين متكاملتين من قبل الدول الثلاث. في حين تعتبرهما تركيا نهرين عابرين للحدود يقعان ضمن سيادة تركيا الى ان يعبرا الحدود، فالنهر الدولي حسب رأيها هو فقط النهر الذي يشكل حدودا بين دولتين. هذا الاختلاف في التسمية يولد بدوره عائقا امام القانون الدولي من حيث الفقرات التي يمكن تطبيقها وإلزام الدول بها.

ثالثا: الاختلاف في وضع معايير المشاركة في المياه. العراق وسوريا يفضلان اعتماد المعادلات الرياضية التي من شأنها تحديد كمية المياه لكل دولة اعتمادا على المسافة التي يمر بها كل نهر في كل بلد، وعلى نسبة المساهمة في رفد الانهار في كل بلد الخ، اما تركيا فتفضل اعتماد معيار الحاجة الفعلية للمياه في كل بلد والطرق الرشيدة في الاستخدام (عدم التبذير). القانون الدولي لا يمكن ان يتدخل في مسألة كهذه.

الحلول المقترحة

العراق وسوريا قدما خططا متشابهة نوعا ما للوصول الى اتفاقية حول المياه. وتعتمد هذه الخطط على معادلات رياضية. الخطة السورية تقتضي، كخطوة اولى، تحديد كل دولة لكمية المياه التي تحتاجها من مياه دجلة والفرات، وان يجري التعامل مع النهرين باعتبارهما نهرين منفصلين، ثم يجري حساب كمية المياه الواردة لكل نهر في كل بلد، فإذا لم تتجاوز كمية المياه التي تحتاجها هذه البلدان كمية المياه المتدفقة في كلا النهرين عندها توفر المياه لكل بلد حسب طلبه. اما اذا زادت الحاجة المعلنة على كمية التدفق الطبيعي للنهرين يجري عندها انقاص الكميات بشكل نسبي من حصة كل بلد. اما الخطة العراقية فلا تختلف كثيرا، لكنها تضيف في حال الاحتمال الثاني (الطلب اكبر من العرض) ان يجري التركيز على المشاريع القائمة وتأجيل المشاريع المقترحة او المنوي اقامتها في تلك السنة.

ثمة العديد من العيوب في هذا الحل المستند الى المعادلات الرياضية. اولا انه يتعامل مع مياه النهرين باعتبارها مياه ابدية خالدة بغض النظر عن التغيرات المناخية واثار الاحتباس الحراري وغيرها من الامور التي تسبب شحة المياه من منابعها. وثانيا انه لا يعير اهمية الى نوعية المياه المتدفقة لجهة تلوثها وهي مسألة يفترض ان تكون مهمة لبلدي المصب. (يمكن ان تقوم تركيا بايقاف معالجة تلوث الانهار وترسل المياه بكل ما تحتويه من ملوثات الى العراق وسوريا). واخيرا يمكن لاي بلد ان يرفع سقف احتياجاته من المياه طالما ان التحديد يعود لكل بلد على حدة.

تركيا من جانبها عرضت ما يعرف بخطة المراحل الثلاث للاستخدام الامثل والعادل والعقلاني لمياه الانهر العابرة للحدود عام 1984 ولا تزال تصر عليها. تتمحور الخطة على فكرة اساسية مفادها انه ليس من الصحيح والعدل ان يجري استخدام هذا المورد الثمين لري الاراضي البور والاراضي ذات الانتاجية المنخفضة، وعليه يجب الاخذ بعين الاعتبار العديد من العوامل الجغرافية والمناخية والكلف الاقتصادية عند تحديد كمية الحصص المائية. وبالتالي فان حصة المياه يجب ان تستند اولا على تقييم موارد المياه المتوفرة  (المرحلة الاولى: دراسات لحساب الموارد المائية). ومن جملة ما يتضمنه ذلك، معاينة وتبادل المعطيات المتوفرة، إجراءات مشتركة، تخمين كميات المياه المستخدمة والمفقودة وحساب التدفقات الطبيعية. في المرحلة الثانية تجري دراسة وتقييم وتصنيف الاراضي (حالة التربة ونوعيتها، المحاصيل، احتياجات الري الخ) (المرحلة الثانية: دراسات حول الاراضي). واخيرا المرحلة الثالثة: تقدير موارد المياه والاراضي، وهي تضم جملة من مشاريع اعادة التأهيل والتحديث، تطوير اساليب الري، تحديد كميات المياه المطلوبة والمستخدمة اضافة الى تقييم الجدوى الاقتصادية للمشاريع المنوي اقامتها. وهنا يجب علينا التذكير بان تركيا تعتبر نهري دجلة والفرات نظاما مائيا واحدا، وان الاستخدام الامثل والعادل والعقلاني للمياه لا يمكن تحقيقه الا من خلال دراسة علمية مشتركة تتمكن من تحديد الحصص المائية لكل بلد.

العراق وسوريا رفضا خطة المراحل الثلاث لانها تنطلق من اعتبار نهري دجلة والفرات نظاما مائيا واحدا بدلا من نهرين دوليين، كما انها تمثل خرقا لسيادة البلدين باعتبار ان الدراسات العلمية يمكن ان تكشف النواقص والخلل في السياسات الزراعية للبلدين.

ولابد من الاعتراف هنا ان هذه الخطة جيدة من الناحية النظرية اما امكانية تحقيقها عمليا فانها ضعيفة لان اول شروط تحقيقها وجود بيئة سياسية مستقرة وثقة متبادلة بين الدول الثلاث وهو ما لا يتوفر حاليا.

انبوب السلام التركي

في الثمانينيات، عرضت تركيا فكرة نقل المياه الى البلدان العربية واسرائيل عبر انبوبين لنقل المياه من نهري جيهان وكيهان. يقوم الانبوب الاول بنقل المياه الى الاردن اما الاخر فيمتد الى مسافات ابعد ليصل المملكة العربية السعودية، البحرين، الكويت، عمان، قطر، والامارات العربية المتحدة وكلاهما يمران عبر الاراضي السورية. لكن الفكرة لم تتحقق للاسباب التالية:

1- المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج لم ترغبا بالبقاء تحت رحمة تركيا وسوريا في موضوعة حيوية كالمياه. كما ان المشروع سيكون عالي الكلفة.

2- سوريا رفضت ان تستفيد اسرائيل من المياه عبر اراضيها، ورفض العراق ايضا خوفا من انقاص حصته من المياه. كما نوه العراق الى ان امكانية نقل المياه التركية الى بلدان اخرى هو دليل على قيام تركيا بتخزين كميات من المياه تزيد على حاجتها الامر الذي يتطلب زيادة الحصص المائية له ولسوريا.

الحل الاستراتيجي

يتضح مما سبق ذكره انه على مدى 100 عام الماضية لم تتمكن الدول الثلاثة من الوصول الى حل استراتيجي لقضية تقاسم المياه بينها بفعل عوامل عديدة، سياسية وامنية، اقتصادية، قانونية، اضافة الى غياب المعايير الصحيحة وكذلك ضعف القوانين الدولية الخاصة بهذا النوع من القضايا. وبالتالي فان اقتراح أي حل استراتيجي يجب بالضرورة ان يلبي ويذلل هذه الجملة من العوامل المتداخلة. وقبل طرح المقترح لابد من تحديد بضعة نقاط للاستفادة منها كأساس لبناء المقترح/ الحل.

1- ان الهدف الاساسي لتخزين المياه وبناء السدود في تركيا هو اولا انتاج الطاقة الكهربائية التي يمكن نقلها وبيعها خارج تركيا، وثانيا تحويل المورد الطبيعي (المياه بحالتها الطبيعية في مجاري الانهار والتي لا يسمح القانون الدولي ببيعها الى الدول المتشاطئة او الى الدول غير المتشاطئة) الى مورد طبيعي استخدمت فيه مبالغ ضخمة لتخزينه والحفاظ عليه من التلوث، اي تحوله الى سلعة يمكن نقلها الى خارج الحدود بعد ان يتم استفياء قيمة العمل المصروف عليه (تخزين، بناء سدود، انابيب نقل، مضخات ضخ، الخ).

2- سعت تركيا ومنذ السبعينات الى نقل المياه الى خارج حدودها. فقد حاولت نقل المياه الى اسرائيل باستخدام الناقلات البحرية، ثم باستخدام خزانات مطاطية يجري سحبها عبر البحر الى اسرائيل، ثم طرحت فكرة انبوب السلام الذي اشرنا اليه سابقا، واخيرا باستخدام الانبوب الناقل تحت سطح البحر وهو المشروع القائم حاليا لنقل المياه من تركيا الى قبرص. كل هذه المشاريع فشلت باستثناء المشروع الاخير.

3- ان الجارة ايران لا تساهم في رفد نهر دجلة إلا بنسبة 10في المائة، وهي لا تعتبر من الدول المتشاطئة في نهري دجلة والفرات، اضافة الى ان قيامها بتحويل مجاري المياه القادمة الى العراق الى داخل اراضيها قد وضعها خارج نطاق حساباتنا في الحل الاستراتيجي المقترح.

4- الجارة الاردن (ليست من الدول المتشاطئة) لديها عجز مائي يقدر بـ 450 مليون مترمكعب حاليا ويمكن ان يصل عام 2030 الى 600 مليون مترمكعب. وهي اليوم تنقل المياه من البحر الاحمر لتحليته وضخه من جديد لمسافة 350 كلم وبكلفة 3 دولار للمتر المكعب وهو سعر مرتفع حسب المقاييس. كما نفذت مؤخرا مشروعا بكلفة مليار دولار لنقل المياه الجوفية من منطقة دبسي الى عمان عبر انبوب قطره 1,3 متر وبطول 250 كلم يمكن ان يوفر 100 مليون متر مكعب فقط.

5- في بداية الثمانينات بحث الاردن مع العراق فكرة مد انبوب لنقل المياه من الفرات الى الاردن بطول 650 كلم وبقطر 1,75 متر، لكنها لم تتوصل الى نتيجة، ثم اعادت طرح الفكرة عام 1998 وفشلت مرة اخرى.

6- الجارة الكويت (ليست من الدول المتشاطئة) كانت تأمل ومنذ عام 1953 ومن ثم في السبعينات واخيرا في الثمانينات في نقل المياه لها من نهر دجلة حيث وقعت عام 1989 اتفاقية مع العراق لنقل 2,5 مليون مترمكعب يوميا كمرحلة اولى و 1,2 مليون مترمكعب يوميا كمرحلة ثانية. وكانت كلفة المشروع قد قدرت بـ 1,5 مليار دولار لمدة 10 سنوات، إلا ان المشروع جُمد بسبب الحروب المتتالية ومحاولة النظام السابق ابتزاز الجانب الكويتي من خلال مطالبته الكويت بوقف العمل في محطات التحلية.

على هذه الاسس اقترح إحياء مشروعي نقل المياه من تركيا الى الاردن والى الكويت مع بعض التعديلات على الافكار المطروحة سابقا.

مشروع نقل المياه من تركيا الى الاردن

1- مد قناة  او انبوب من سد الموصل الى القائم بطول حوالي 260كلم.

2- انشاء سد لتخزين المياه القادمة عبر القناة/ الانبوب والقادمة ايضا من سوريا عبر نهر الفرات في القائم.

3- مد قناة/ انبوب من القائم الى واحة الزرقا في الاردن ومن ثم تتولى الاردن نقل المياه الى مناطقها.

4- ايقاف العمل فورا بقناة الثرثار الرابطة بين دجلة والفرات. فقد جرى طرح فكرة استخدام مملحة الثرثار او بحر الملح من قبل شركة بريطانية بهدف ايجاد حل مؤقت لفيضانات دجلة حيث لم تكن هناك اية سدود في تركيا، لكن هذا الحل المؤقت تحول مع الزمن الى حل دائمي فجرى بناء النواظم لتحويل المياه من بحيرة/ مملحة الثرثار الى الفرات ومنه الى بحيرتي الحبانية والرزازة، وعليه فقد ساهمنا بزيادة املاح التربة في السهل الرسوبي جنوب الثرثار. يكفي ان نعلم ان مياه دجلة تدخل الى الثرثار بنسبة املاح 0,5 غرام بالليتر وتخرج منه بنسبة تزيد على 2,5 غرام بالليتر، اي مياه مالحة لا تصلح للزراعة او الشرب. ويمكن الحديث مطولا عن هذه القضية في وقت اخر.

5- الدولة الوحيدة التي يجب اخذ موافقتها ستكون تركيا باعتبارها المورد للمياه (تركيا تقوم بتوريد المياه الى الاردن عبر الاراضي العراقية وتستوفي مبالغها من الاردن، كما انها ستدفع رسوم عبور المياه داخل الاراضي العراقية الى العراق).

مشروع نقل المياه من تركيا الى الكويت

1- تقوم تركيا بتوريد المياه الى الكويت عبر الاراضي العراقي باستخدام المجرى الطبيعي لنهر دجلة.

2- يتم مد قناة/ انبوب من اقرب نقطة الى الكويت من محافظة البصرة وهي بحدود 100 كلم.

فوائد المشروعين

تركيا:

1- تحقق ما سعت اليه طوال العقود الماضية من الاستفادة من مورد المياه من خلال نقله/ بيعه الى الدول الاخرى.

2- تتخلص من المشاكل القانونية والاختلاف في المصطلحات لجهة اعتبار الفرات ودجلة حوضا واحدا ام حوضين منفصلين.

3- لن تكون بحاجة الى تخزين المياه لفترات طويلة  خصوصا في سد اليسو ويوفر لها مبالغ هائلة اذ ستنتفي الحاجة الى بناء سد اخر تنوي اقامته بالقرب من الحدود العراقية (40 كلم)، فهي مجبرة على اطلاق المياه لايصالها الى الاردن والكويت.

العراق:

1- بدلا من استحصال رسوم عبور المياه من تركيا الى الاردن والكويت تقوم بطلب المزيد من المياه وفقا لاحتياجات العراق وحسب ما تخططه وزارتا الزراعة والموارد المائية.

2- مقابل الموافقة المبدئية على المشروعين تطالب تركيا بايقاف ملء سد  اليسو فورا واطلاق الكميات الطبيعية الى العراق، او العمل بملء السد على مدة عشرة سنوات، وهي الفترة اللازمة لتنفيذ المشروعين.

3- بالامكان تلبية شهية تركيا بالموافقة على تنفيذ المشروعين من قبل شركات تركية او بالمشاركة مع الشركات العراقية، وفي كلا الحالتين ضمان توفير فرص عمل طويلة الامد للشباب العراقي.

4- مع توفر المياه، والى حين الانتهاء من المشروعين، يقوم العراق بشق قناة وقتية في اقرب نقطة بين النهرين وهي بالقرب من بغداد (45 كلم تقريبا) لتغذية مياه الفرات بالمياه العذبة بدلا من مياه الثرثار المالحة، وبالتالي ستتوفر فرصة لاعادة الحياة الى الاراضي الزراعية وانهاء مشكلة التصحر الزاحف في اتجاه الشرق من خلال البدء بمشروع الحزام الاخضر.

5- ستتوفر فرصة جيدة لاستغلال الطاقة التخزينية للسدود العراقية وتوليد الطاقة الكهربائية المهمة لتطوير الصناعة.

6- سترتفع مرتبة العراق في نظر القانون الدولي من بلد المصب الى بلد في اعلى النهر في حين ستكون الكويت والاردن في مرتبة البلد المصب.

7- ستنتهي والى الابد ازمات شحة المياه ومشاكل التصحر وانتشار الاوبئة والنباتات الضارة (زهرة النيل، الشمبلان وغيرها).

8- توفير فرص عمل هائلة للشباب العاطلين سواء في المشروعين او في المشاريع الاخرى المخطط لها سابقا ولا تتوفر فرصة لتحقيقها بسبب شحة المياه.

الاردن:

1- انهاء حالة العجز المائي الموجود حاليا.

2- تخفيف الكلف المترتبة على تحلية مياه البحر الاحمر.

3- تخفيف كلفة المشروع اذ بالامكان مشاركة جميع الدول بالكلفة.

4- تخفيف حدة الازمة مع سوريا واسرائيل بسبب مشاركتهما في مياه نهر الاردن واليرموك.

الكويت:

1- توفير الحاجة المتزايدة الى المياه العذبة.

2- تخفيف كلفة تحلية مياه البحر، خصوصا وان الدراسات الحديثة تشير الى زيادة نسبة الملوحة في مياه الخليج بنسبة 25في المائة مما يجعل عملية تحلية المياه شبه مستحيلة.

3- من الممكن ان تطرح قيامها بتحمل كافة تكاليف مد القناة/ الانبوب من العراق اليها خصوصا ان ذلك سيتيح لها فرصة الاتفاق مستقبلا مع تركيا لمد الانبوب الى بقية دول الخليج التي تعاني من ذات الازمة، وهو ما سيسيل لعاب تركيا له، ويزيد من مواردنا سواء المائية او المالية لتعزيز خزينة الدولة العراقية.

الملاحظة الاخيرة التي يتوجب ذكرها هنا هي ان موقف المجتمع الدولي من هذين المشروعين سيكون موقفا ايجابيا لانهما سينهيان ازمة خطيرة تهدد المنطقة منذ عقود لدرجة ان معظم الدراسات والابحاث تتوقع ان تكون الحرب القادمة في المنطقة هي حرب مياه لا بترول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مساهمة في مؤتمر لجنة الدفاع عن حقوق العراق المائية / رابطة الاكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة حول التصحر ومشكلة في العراق: الآثار والحلول. لندن، المملكة المتحدة. 1 تموز 2018.

** باحث إيكولوجي وخبير سياسة وادارة الموارد المائية

عرض مقالات: