إبراهيم إسماعيل

أدلى ما يقارب 85 في المائة من الناخبين في السويد بأصواتهم في إنتخابات البرلمان ومجالس الأقاليم والبلديات التي جرت يوم الأحد الماضي في أجواء من الاستقطاب السياسي الحاد بين كتلة اليسار المكونة من أحزاب الديمقراطي الاجتماعي والبيئة واليسار وبين كتلة اليمين التي تضم أحزاب المحافظين والوسط والأحرار والديمقراطي المسيحي. وقد شدّد النمو السريع لحزب (ديمقراطيو السويد) اليميني العنصري ذي الجذور النازية، هذا الإستقطاب، لاسيما حين أشارت استطلاعات الرأي الى احتمال فشل حزبي الديمقراطي المسيحي والبيئة في تجاوز العتبة الانتخابية (4في المائة) مما كان سيفقد الكتلتين المتنافستين جزءًا مهماً من نفوذهما التقليدي، واحتمال أن يصبح حزب (ديمقراطيو السويد) الحزب الأكبر في البلاد.

وأسفرت الانتخابات النيابية التي أعلنت نتائجها الأولية بعد ساعتين من إغلاق صناديق التصويت، عن حصول كتلة اليسار على 40,6في المائة (28,4في المائة للديمقراطي الاجتماعي، 7,9في المائة لحزب اليسار و4,3في المائة لحزب البيئة) وكتلة اليمين على 40,3في المائة (19,8في المائة للمحافظين، 8,6في المائة لحزب الوسط، 6,4في المائة للديمقراطيين المسيحيين و5,6في المائة للأحرار)، فيما حصل اليمين المتطرف على 17,6في المائة.

ورغم عدم تحقيق كتلة اليمين التقليدي الأغلبية ورفضها (بشكل أولي على الأقل) التحالف مع العنصريين لنيل ذلك، فقد طالب زعيمها أولف كريستنسون باستقالة رئيس الحكومة ستيفان لوفين، بسبب تراجع كتلته اليسارية بنسبة 4,1في المائة عن انتخابات عام 2014 مقابل تقدم كتلة اليمين التقليدي بنسبة 1في المائة، الأمر الذي رفضه لوفين ودعا الى تشكيل حكومة تتجاوز الكتل التقليدية لحل مشاكل البلاد الرئيسة ولاسيما التعليم والصحة والهجرة ولإيقاف نمو العنصرية والفاشية في البلاد.

ورغم إن 22في المائة من الشعب يؤيدون تشكيل حكومة أقلية يسارية و28في المائة يؤيدون تشكيل حكومة أقلية يمينية فإن 18في المائة فقط هم من أيد تشكيل حكومة تتجاوز التكتل التقليدي. ويبدو إن فرص هذا التجاوز ضعيفة جداً بسبب عمق الخلافات بين كتلة اليسار التي تدعو الى زيادة الضرائب على الدخول العالية والبنوك والشركات العملاقة وتقليص الفوارق الاجتماعية عبر سياسة رفاهية أكثر توازناً لصالح الطبقات الدنيا والوسطى وجمهور المتقاعدين وتقليص البطالة التي انخفضت إبان حكم اليسار الى أقل من 6في المائة وسن القوانين التي تعزز حماية البيئة وانتهاج سياسة أكثر تسامحاً في مجال الهجرة، وبين كتلة اليمين التي تدعو الى خفض الضرائب وتقليص دور الدولة في توفير الخدمات وخصصة مرافقها الانتاجية والخدمية وتشديد إجراءات دمج المهاجرين بالمجتمع.

ولعل أكثر ما سبب قلق المراقبين، هذا النمو السريع في عدد ناخبي حزب (ديمقراطيو السويد) والذي بلغ 36في المائة قياساً بانتخابات عام 2014، وتعزز الأفكار العنصرية والمعادية للأجانب في البلاد، والتي استثمرها هذا اليمين المتطرف في حملته الانتخابية إضافة لاستثماره تلكؤ مشاريع وبرامج دمج المهاجرين في المجتمع وزيادة نسب البطالة والعزلة والجرائم في صفوفهم، وهو مادفع ببعض أحزاب اليمين، كالديمقراطي المسيحي، الى تبني بعض مواقف اليمين المتطرف ضد سياسة الهجرة، كمنع استقبال مهاجرين جدد وإغراء المقيمين بالعودة الى بلادهم وحرمانهم من الخدمات العامة وغير ذلك، متناسين ماصدعوا به رؤؤس الناس عن مبادئهم المرتكزة على الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.

ويبدو صعباً التكهن بما ستؤول اليه الأوضاع السياسية في السويد والتي يسكنها 200 ألف مواطن من أصول عراقية، الا إن من المؤكد بأن الحكومة القادمة لن تكون مستقرة وقد يدعى السويديون الى انتخابات جديدة في المستقبل القريب.