مجلة الحرية هي المجلة النظرية والثقافية ومجلة الأخبار العامة تصدر من قبل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ومنظمة العمل الشيوعي اللبنانية بقيادة محسن إبراهيم تصدر في كل يوم أحد وتوزع على كل المعسكرات التابعة للجبهة في الشمال وفي الجنوب وفي العاصمة وتم الطلب مني القيام بتوزيعها على معسكرات الجنوب و بإرسال حصة طرابلس والبقاع عن طريق سيارات الأجرة، وتم تخصيص سيارة صالون حديثة لذلك وتفريغ أحد السواق يوم الأحد للعمل معي بهذه المهمة التي تستمر من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر فقد كنا نترك الرزم عند متعهد في الكراجات ونغادر ثم نقضي الوقت في أحد البلاجات ولكن في أغلب الأحيان نكون في بلاج السعديات، فالبلاج هذا بيئته تشبه الفاو، حيث يمتد نهر عذب مجاور للساحل البحري وتحيط بهذا النهر غابات النخيل، والتي كانت في موسم الانتهاء من التلقيح، وفيها شجيرات الياس، وكان ذلك في نهاية شهر مايو ( آيار) من عام 1979م ، حرصت على أن أصطحب معي رفيق او رفيقين عراقيين ليقضوا وقتا جميلا في هذا المنتجع، الذي كان فيه المصطافون يتظللون بظلال النخيل ويستمتعون بالسباحة بماء البحر ثم بماء النهر. أتاحت لي مهمة توزيع المجلة التعرف على البلاجات وعلى كيفية تمضية الوقت وتعزيز العلاقة برفاقي الذين يكونون بمعيتي في الساحل الساحر.
وتوصل العزيز ابو ميديا (فراس) إلى اتفاق مع إحدى المدارس التابعة للجبهة الديمقراطية للقيام بتدريس دروس تقوية للطلاب بمادتي الفيزياء والرياضيات، فعدت لتدريس الرياضيات مجددا، وكان التدريس باللغة الإنكليزية فقد كانت اللغة التي يتم بها التدريس تبعا لنوع الثقافة (كما يصطلح على تسميتها)، فكانت الثقافة الإنكليزية هي من حصتنا فراس وأنا. في يوم وجريا على عادتنا كنا فراس وأنا في ساحل الروشة بالقرب من محيط الجامعة الأمريكية حصل اشتباك رهيب بين مجموعتين عسكريتين استخدمت فيه الدوشكات، فهرب الكثيرون بسياراتهم واختبائنا فراس وأنا خلف فتحات للتهوية ممتدة من مبنى الجامعة الأمريكية إلى البحر تستخدم لتهوية نفق يمتد بين مباني الجامعة والبحر وكانت هذه الفتحات مبنية على ارتفاع كاف لتغطية إنسان يختبئ خلفها وعدا الأمر بسلام علينا، وعاد للمنطقة هدوؤها وعاد الناس لمرحهم واستمتاعهم بيومهم، وكأن شيئا لم يكن وكنا معهم مشاريكينهم مرحهم.
تنقلنا بين عدة بيوت للسكن، وكان من بينها بيت في مخيم صبرا، بالقرب من كلية عسكرية تابعة للجبهة الشعبية، ولم نكن نعرف خطورة هذا المكان، ولم نكتشف سر حصولنا عليه بسهولة وبمبلغ رخيص الا حينما حلق الطيران الإسرائيلي في سماء المنطقة فكنا داخل البيت الذي كان يهتز هزا عنيفا فلما خرجنا منه إلى الشارع شاهدنا منظرا جعلنا نكره هذا المكان والسكن فيه فقد نصب رشاش دوشكا مضاد للطائرات فوق سطح المنزل الذي كان من طابق واحد وكان هذا الدوشكا يناور الطيران الإسرائيلي الذي كان يتجنبه.
اللقاء بوالدتي ومن ثم السفر إلى اليمن الديمقراطي
كنت منهمكا في عملي في شعبة النقل فجاء الي من يخبرني بأن والدتي وأخي المرحوم حميد في دمشق يسألان عني فعزمت على اللقاء بهما في الشام، فأبدى الرفيق ابو علاء (جعفر) استعداده للذهاب معي إلى دمشق فحصلنا على الإجازة لهذا الغرض، فالتقيت بالمرحومة الوالدة وشقيقي حميد وكان لقاءا آسرا بعد طول غياب وقلق عند رؤيتها لي نست أمي أمر آلامها وأحزانها وحدثتني عن عائلتنا الكبيرة بمزيد من المحبة، وكانت قلقة على أولادها الصغار أمجد، نضال ومنى، فهي تعرف تحديهم للبعثيين ونشاطهم في اتحاد الطلبة لقد كان قلقها في محله فقد تم إعدام الصغيرين أمجد ونضال بعد ذلك، وحدثتني هي وأخي حميد عن كل المواليد الجدد في العائلة، وحدثتهم انا عن أحوالي وعن ظروفي، وكذلك حملناهم أخبار الرفاق ابو وفاء والآخرين وقضينا معهم يوما جميلا، وودعناهم فقد كانا متهيئين للسفر إلى العراق لأن فترة السماح لهم في البقاء في سوريا تنتهي في اليوم الثاني وكانا متفقين مع مجموعتهم على السفر، وهذه كانت آخر مرة أرى فيها أمي بعد أن سافرا أمي وأخي عدنا إلى لبنان، والتحقت بالعمل مجددا، وبدأ الشتاء يدخل علينا، وأخبرت من الحزب بضرورة الذهاب إلى جمهورية اليمن الديمقراطية للعمل هناك باختصاصي كمدرس لمادة الرياضيات، وتم تحديد يوم السفر، وجرى لي توديع من قبل رفاقي وهكذا سارت الأمور ووصلنا عدن ونزلنا في مطارها البسيط الذي يجعلك تشعر بالألفة مع الناس هنا والتأقلم معهم كل شئ يدل على البساطة والعزم، بعد أن مكثت في عدن يومين تم توصيلي إلى محافظة أبين ومنها إلى مديرية لودر، ويسمونها شمال أبين والوصول اليها يكون طريق يمتد بمحاذاة ساحل بحر العرب ( خليج عدن )، وهو نفس الطريق المؤدي إلى حضرموت. أول حاضر ة عامرة بعد أبين تأتي مدينة شقرة ، وهي مدينة ساحلية تعتبر مركزا لصيد الأسماك وتجفيف انواع منها وتمليحها كما يعمل صيادو السمك في الفاو عند تجفيف سمك الكباب ( الكاف تلفظ كما يلفظ المصريون الجيم ).وبعد استراحة قصيرة فيها ننطلق عبر طريق يمتد بين صخور بركانية سوداء معدنية فيها قوة مغناطيسية كبيرة مرة تبذل فيها السيارة جهدا كبيرا للتحرك ومرة تتحرك السيارة بلا ادنى مجهود، الناس هنا على طول الطريق الواصل إلى لودر ومديريات أخرى يتكلمون اللهجة الحميرية، فيستخدمون الألف والميم بدلا من الألف اللام للتعريف وهم يمثلون الطريق الواصل من شقرة إلى مديرياتهم كعملاق نائم ، فكل قرية نمر بها على اسم جزء من جسم العملاق فهناك العرقوب، وأم صرة ( الصرة) وامعين ( العين )……… الخ حتى نصل إلى لودر. في لودر وصلنا إلى مجمع سكني يضم المدرسة الثانوية وعمارة لسكن المدرسين، وقسم داخلي للطلاب تحت التأسيس
تعرفت على الرفاق الذين سبقوني وكان رفاقانا يشغلون شقتين، الأولى يشغلها الرفاق الفقيد عادل طه سالم وزوجته مويرا، والرفيق رشيد خيون وزوجته لقاء، والرفيق سالم طه سالم والرفيق جمال دحام وفي الشقة الثانية كان الرفيق الفقيد منصور كاظم (ابو آراس) والرفيقة بلقيس (ام آراس) وإبنتهما آراس التي كانت طفلة صغيرة والرفيق رسول علي (ابو ثابت) وزوجته الرفيقة أم ثابت وطفلاهما ثابت وأريج والطفل حديث الولادة معتز، والرفيقة أم عصام والرفيق ابو زاهر (رفيق حسين)، وانا التحقت بهم في هذه الشقة.