... ورحل إبراهيم الحريري، رحل ذلك الفتي متشعب الجذور، العراقي في العراق، واللبناني في لبنان والأممي الذي لا يعترف بالخرائط الجيوسياسية، رحل أبن الكاظمية وبيروت، المتمرد، كأخواله اللبنانيون، على طبقته.
الفتى الذي خزق سروال الجينز ليكون لائقا بالوسط العمالي الذي يريد أن ينتمي إليه، قبل عقود من تحول ما فعله الى موضة للأوساط المترفة. الفتى الذي هجر مقاعد الدراسة دون أن يهجر المعرفة والذي سجل، لاحقا، أسمه وضاءً بين المبدعين العراقيين واللبنانيين قاصا وصحفيأ.
رحل الفتى الذي أستعين به في عملية تحرير مناضلين من سجن بغداد المركزي، فبات في السجن بديلا عن السجناء الفارين بانتظار موعد زيارة أهالي السجناء ليخرج معهم، بعد أن دخل معهم في الزيارة السابقة تمهيدا لعملية تحرير المناضلين.
رحل الفتى الذي قسى على نفسه كثيرا، لضعف في موقفه أمام همجية عصابات الحرس القومي، وواضب على الأشارة الى ما أعتبره سقطة لم يسامح نفسه عليها، بهدف التطهر منها، مستقيما لا يعرف الألتواء، ولا الادعاء.
كنا في قسم الشؤون العربية والدولية في (( طريق الشعب )) نستمتع بحضور زكور، وهو الأسم الذي كان الحريري يستعيره لكتابة المقالات، وزكور كما اوضح لنا أبو فادي، شخصية لبنانية شعبية حقيقية. كان الفتى البغدادي ـ البيروتي عراقيا أصيلا ولبنانيا أصيلا. عند أتصاله بالمنزل من غرفتنا في الجريدة، كان يتحدث باللجهة اللعراقية، ولا يلبث أن ((يبدل الموجة)) ــ كما كنا نمزح معه ــ الى اللهجة اللبنانية، فنعرف أن سماعة الهاتف في الجانب الآخر قد انتقلت إلى الوالدة الكريمة.
أبو فادي كنت نعم الرفيق والصديق، نعم الأخ والزميل.
حتى نتشارك لحظة السكون الأبدي لك مني سلام لا ينقطع.