العمل السري

تواصل الصراع بين السلطة الحاكمة بقيادة حزب البعث، بأمكانياته كدولة وبسيطرته الكاملة على جميع مرافقها، المؤسسات والجمعيات والمنظمات وغير ذلك، وبين المعارضة العراقية المتثملة بالقوى العراقية من الأحزاب القومية الكردية والعربية اضافة الى الحزب الشيوعي العراقي.

أنشأت السلطة اقساما وشعب خاصة بالمتابعة لهذه القوى، وجهزت لها العناصر التي تستطيع الدفاع عن البعث والحاقدة بدورها على تلك القوى، اضافة الى الميزات التي يجب أن تتمتع بها تلك العناصر، من القدرة على القتل والاجرام والسرقة وكل المواصفات التي تتنافى مع الخلق الانساني. كما حاولت الأجهزة الأمنية ومخابراتها اضفاء الشرعية على جرائمها عبر اجهزتها الاعلامية ونشر الدعاية المغرضة ضد تلك الأحزاب ومنها الحزب الشيوعي العراقي.

وإكتسبت ظروف العمل السري اهمية كبيرة، وكان لا بد لاعضاء الحزب أخذ حتى اصغر الامور بنظر الإعتبار، وتنفيذ مجموعة التوجيهات والقرارات والتوصيات الحزبية المعنية بذلك. واصدر الحزب هذه التوجيهات على شكل كراريس للاعضاء والمنظمات الحزبية التي تعمل في الداخل ومنها:

  • تجربة العمل السري ومكافحة التخريب 1982
  • ضد القمع والتخريب المعادي 1984
  • توجيهات وتعليمات الحزب من اجل الابتعاد عن الاعتقال صدر 1983
  • كيفية التخلص من المطاردة في المدن تموز 1982
  • سبل العمل في الظروف السرية كراس بخط اليد 1983.

وكانت للحزب طرق خاصة وخطط  وشروط محددة لذهاب الاعضاء من اقليم كردستان الى المدن الوسطى والجنوبية، ومنها أن يتمتع الرفيق بالإمكانيات على الاختفاء وايجاد البيوت السرية والقدرة على التنظيم الحزبي و ادارة العمل التنظيمي وتفعيل عمل الصلات الاخرى.

فاللقاءات الحزبية والامور التنظيمية هي اساس عمل الحزب في ظروف العمل السري، وكان لابد من اقامة القنوات والاشكال التنظيمية الناجحة التي تقود لتنفيذ كافة النشاطات الحزبية، بعيدا عن كل اشكال المراقبة والملاحقة التي تتعرض لها مجموعة المنظمات ومجموع الكوادر.

لهذا عند ارسال اي عضو حزبي تتوفر فيه مجموعة من الشروط المهمة، وحاجة الحزب فى المنطقة المراد ارساله اليها، تتم عملية إعداد أولّي له يحصل خلالها على مجموعة من الارشادات حول طرق عقد  الاجتماعات واللقاءات ومكان السكن وارسال البريد وتوزيع النشريات، اضافة الى طرق الإفلات من الأجهزة الأمنية.

وتمثلت أبرز المخاطر فيمن تمكنت السلطة من إسقاطه سياسياً أثناء الهجمة الشرسة على الحزب عبر الاعتقال والتعذيب، وعدم كشف هذا العنصر ما حدث له ولتنظيمه الحزبي. لقد سبب هؤلاء ضرراً كبيراً للعمل التنظيمي والحزبي، وبالتالي فقد الحزب الشيوعي بعض اعضائه العاملين في التنظيمات السرية جراء كشفهم من قبل هذا العناصر.

الامر الاخر هو إكتشاف عضو الحزب من خلال مراقبته او من خلال تصرفاته، واغلب حالات القبض التي نفذتها الأجهزة الأمنية اثناء اللقاءات الحزبية بينت عدم تنفيذ المعتقلين للتوجيهات الصارمة حول لقاءات من هذا النوع.

 ولهذا كانت الأجهزة الأمنية تتابع بشكل دقيق اللقاءات والمراسلين والبريد الحزبي وكيفية فتحه وثم اعادته الى الجهة المرسل لها بعد استنساخه. وفي معرض تدريبها لعناصرها، قدمت الأجهزة الأمنية مجموعة من التوضيحات حول لقاءات العناصر الشيوعية:

"يمكن تصنيف المواعد الحزبية الى انواع مختلفة حسب المهمات التي يتم من اجلها اللقاء الحزبي:

  • لقاء دوري بين مسؤول وأحد العناصر المسؤول عنها.
  • لقاء كادر مكلف بالاشراف على التنظيم مع مسؤول احدى اللجان.
  • لقاء كادر مكلف بالاشراف على التنظيم مع مراسل حزبي.
  • لقاء لاستلام شخص وايصاله".

وتشير ملفات مديرية الأمن العامة الى أن "طريقة اللقاءات من زمان ومكان والاشارة على ضوء ترحيل ويكتب بهذا الترحيل الاسم الحزبي والصفة الحزبية ومكان اللقاء والاشارة وكلمة السر والجواب عليها، وتكون هناك ملاحظات اولية عن العنصر الذي سيحضر الموعد (عنصر مثقف، من عائلة  شيوعية وملتزم بحضور المواعيد، له قابلية في كسب الاصدقاء) وغير ذلك".

وعلى ضوء تطور ظروف العمل السري، عمد الحزب الشيوعي الى ابتكار اساليب جديدة لإجراء اللقاءات والاجتماعات واختيار البيوتات وكذلك الاشارة والمناطق التي يتم فيها اللقاء الحزبي. ومنع الحزب كتابة المعلومات بل دعا لحفظها على الغيب كي لا تكون دليل إدانة، كما شجع على تدريب اساليب تقوية الذاكرة لحفظ العناوين وارقام الشوارع وغيرها.

وهنا دعا الحزب الى ان يختار المناضل بنفسه الاسماء للشوارع والساحات خاصة، للتقليل من خطر الخطأ، وضبط الوقت ودقته وعدم الوقوف اكثر من الطبيعي في وقت المطر او اشعة الشمس الحارقة،  ومراقبة حركة الواقفين والسيارات وغير ذلك أثناء الإنتظار.

وحول اللقاءات وجه الحزب لاعضائه، أن يكون معهم قضايا ومستمسكات ذات علاقة بالمكان الذي يجري فيه تنفيذ اللقاء، فعندما يكون في عيادة طبيب يجب حمل وصفة دواء او صورة اشعة لتبرير التواجد في العيادة عند التعرض للاستفسار. أو أن لا يكون موعد طالب المدرسة في الساعة العاشرة صباحا لان الوقت وقت دوام مدراس. كما ليس من الصحيح ان تقوم امراة الساعة العاشرة ليلا بتنفيذ موعد حزبي في الشوارع العامة، بسبب عدم تناسب ذلك مع العرف الإجتماعي. وكانت افضل الاوقات هو بعد انتهاء الدوام الرسمي، وعدم ارتداء ملابس لاتتناسب مع المنطقة او تجلب الانتباه، وعدم حمل حقائب التي تثير الشك.

وأشارت التوجيهات الى أنه في حالة الشك من أن الشخص المراد الاتصال به قد إعتقل، وبخاصة في أوقات إكتشاف الأمن الخطوط التنظيمية والقاء القبض على بعض العناصر، يجب تشديد مراقبة المعني قبل الإتصال به، وملاحظة بعض الإشارات التي تدل على إنه معتقل وجاء للموعد متعاوناً مع السلطة وإن رجالها يراقبونه الأن، كأن يكون شعره غير مرتب أو حذاؤه بدون رباط او مفتوح بسبب تورم القدم ولا يستطيع السير أو لم يحلق ذقنه أوملابسه غير مرتبه أوعليه أثار السهر والتعب أو أثار قيود ما على يديه أو قدميه(*).

ويشير كتاب ملفات في اروقة الأمن العامة الى:

" حضر احد العناصر الشيوعية موعدا وهو يرتدي الزي المصري (جلابيه)، وحضر عنصر أخر وهو يرتدي ملابس عسكرية بصفة جندي على اساس انه من المستبعد ان يتم التعرض الى الجندي من قبل الاخرين خلال هذه الفترة".

لقد درس الحزب الشيوعي العراقي الإمكانيات التي تحددها الظروف وايجاد الصيغ المناسبة والاساليب التي يعمل فيها التنظيم الحزبي. وعمل طيلة سنوات الكفاح المسلح من عام 1979 الى 1989 بصلات فردية دقيقة وخطوط تنظيمية منفردة، من اجل استمرار العمل التنظيمي وايصال التوجيهات الى اعضاء الحزب وضمان سرية العمل الحزبي وتقليل أثار اي ضربة من قبل الأجهزة الأمنية، فأن اي ضربة توجه لاحدى الحلقات ستنكشف بسرعة حين تقوم الأجهزة الأمنية بحضور المواعيد واللقاءات الحزبية والقاء القبض على عناصر التنظيم، مما يمكن معه اتخاذ الاجراءات السريعة لتجاوز كشف الحلقات الاخرى من السلسلة وذلك من خلال عدم حضور المواعيد الحزبية، بما يضمن صيانة التنظيم وتطويق الضربة ضمن حلقة معينة فقط.

وكان أهم أهداف الحزب، المحافظة على الكادر الحزبي الذي له دور في قيادة العمل السري، وصيانته من الأجهزة الأمنية وتجنب معرفة مكان سكنه لكي يكون بعيدا عن الاعتقال. ومن المفيد الإشارة الى ما ذكرته الأجهزة الأمنية عن تجنب قائد شيوعي لمطارداتها وفشلها في إعتقاله، وهو عضو اللجنة المركزية جاسم الحلوائي، الذي كان مسؤولا عن التنظيم ايام الهجمة من قبل السلطة في عامي 1978 و 1979،  حيث تشير الى:

" فرغم كشف تنظيمات كثيرة بفترات مختلفة، لكنه يلاحظ ان عدد  الكوادر الذين تم القبض عليهم لا يتناسب مع عدد الخطوط التنظيمية التي تم كشفها، فهم يشعرون بالإعتقال ويهربون قبل مداهمة دورهم، أو لا يحضرون المواعيد الحزبية. مثلا، جاسم محمد الحلوائي، عضو اللجنة المركزية كان في عام 1979 مكلفا بالاشراف على التنظيم في بغداد، وفي ذلك الحين تم كشف خطوط تنظيمية مرتبطة به ولكن لم يلق القبض عليه، فقد كبست دار حزبية في منطقة العامرية كان يعتمدها دارا للقاءات الحزبية وتبين ان ساكنيها قد تركوها بنفس اليوم. وتم كبس الدار التي يسكنها في منطقة الصليخ وتبين انه قد انتقل منها بنفس اليوم، والقي القبض على عنصر لديه موعد معه في مستشفى اليرموك لكنه لم يحضر الموعد".

وللأسف تمكنت السلطة من اعتقال بعض الرفاق من التنظيمات الحزبية في الداخل خلال ذهابهم الى الوسط والجنوب ومنهم عدد غير قليل من النساء لاسيما في التنظيمات المخترقة. وقد اعدمت الرفيقة ام لينا بسبب وشاية على التنظيم . كما تعرضت مجاميع اخرى من صعاب هائلة سواءً في اماكن الأختفاء أو عند الأهل أو الأقرباء. يكتب أحد هؤلاء النشطاء حينها عن حالته فيقول:

" قضيت ُ الأيامَ الأولى بصعوبةٍ بالغة ٍ تحديدا ً في الليل ِ. كنت ُ افترشُ الأرض في ساحة ِ النهضة ِ في بغداد مع الجنود ِ القادمين والذاهبين إلى جبهاتِ القتال ِ. أو أقضي ليلتي التعيسة في القطار بين بغداد  –والموصل". "كل هذا من أجل أن تنقضي ليلة من تلك الليالي التي كنت أسهر فيها حتى بزوغ الشمس بين هؤلاء الجنود في تلك الأماكن كي لا أقع في قبضة أجهزة الدولة المنتحلة لصفة الأمن". لكنه للأسف يُستدرج إلى ما أسماه في مذكراته (بمقترح الموت):

" في يوم 7- 6 - 1987 وقعتُ في قبضة الإستخبارات العراقية، في ظهيرة صيف حار، في الطريق بين كركوك – وطوز خورماتو". وأقتيد بعدها من قبل جحوش ِالربية، ليسلم لشعبة إستخبارات كركوك ومنها للشعبة الخامسة التي يتحدث عنها من خلال مذكراته ومشاهداته، لفترة 87 يوما، كانت ذاكرته قد سجلت تفاصيلها الدامية والمريرة في ثنايا وجدانه وضميرة اللذين حاولوا في تلك الفترة إنتزاعهما منه.

إن قراءة في شهادات الشيوعيات والشيوعيين الذين عاشوا تلك الفترة داخل الوطن، تنير المعطيات حولها. ونقتطف هنا ما كتبته المناضلة خولة مريوش(**)، على ضوء سؤال وجهته لها، حيث تقول:

" بعد الحملة الشرسة على حزبنا أصبح العمل التنظيمي صعباً جداً، ولكن الإندفاع الثوري للشباب وإيماننا بحزبنا وأهدافه ومبادئه ومن أجل تحقيق شعاره العتيد وطن حر وشعب سعيد، واصلنا تجميع بعض الرفيقات والرفاق في خطوط تنظيمية، بالرغم من إنقطاعنا عن قيادة الحزب، وعدم معرفة معظم الناس بوجود نشاط تنظيمي للحزب، وإلى غاية إعتقالنا في تموز وآب 1986. كنا نختفي من بيوتنا ونغير مكاننا كلما إعتقل رفيق أو ضبطت مجموعة، إلى أن نتأكد بعدم وجود إعترافات علينا. كانت سماء الوطن ملبدة بغيوم سوداء جداً، حيث كنا نخسر يومياً رفاق ولا أحد يعرف كيف ومتى ينتهي هذا الكابوس، ولكن كنا حريصين دائماً أن نستمر وأن نذكي الحس الأمني لدينا.  

كان الخوف مسيطراً على الناس حيث الحرب العراقية الإيرانية مشتعلة، والقتلى بالإلاف من العسكرين وضحايا القصف الصاروخي الأرضي والجوي، وحيث لم يبق، البعث وحلفاؤه الأمبرياليين شبابا في المدن، فإما عسكر وجيش شعبي و أما ناس منهكة بالحصار وبالطوابير الطويلة، وحيث أحكام الأعدام في محاكم عسكرية وحزبية مرعبة وحيث الترغيب والترهيب لتوظيف الناس مخبرين عن المعارضين ورافضي الحرب.

كان إتصالنا في سنة 1980 مع أحد الرفاق وكان جنديا مكلفا، ولم نتوجس منه بسبب معرفتنا الشخصية وعلاقة القربى به، حيث كان يجلب لنا طريق الشعب السرية ونقوم بإستنساخها باليد ونوزعها على الرفاق. ثم أعتقل هذا الرفيق وأطلق سراحه ولم نعد نتصل به تنظيمياً. وقد طلب مني يوماً طريق الشعب، فأوضحت له إننا مقطوعين منذ إعتقاله. لكّننا عرفنا أثناء محكمة الثورة الصورية والتي جرت بعد إعتقالنا، أي بتاريخ 1987/8/1، بأن صاحبنا كان محكوما بالسجن المؤبد، قبل أن يساوموه فيعمل مخبراً لديهم. وهكذا عرفنا بأننا كنا مراقبين ومكشوفين أمام قوى الأمن بشكل أو بآخر.

كان للأمن خططا للإعتقالات وإمكانيات للتمويه عن سبب الإعتقال (عادة ما يعتقل صاغة الذهب بتهمة تتعلق بجودة العمل وليس لأسباب سياسية، وأفتضح ذلك لإنهم إتهموا معتقلاً بهذه التهمة وهو لم يك قد عمل صائغاً في حياته). 

بدأت أبحث عن تغير مكاني، أنا وطفليّ الصغيرين، فإذا أبقيتهم عند أجدادهم فيمكن أن يأخذونهم رهينة أذا ما إعتقلوني بعد إعتقال زوجي، أين أذهب والناس في خوف من موجة الإعتقالات، وأهلي في محافظة أخرى. وقبل أن أصل لحل، داهم بيتنا رجال الأمن وفتشوا البيت بدقة، وإعتقلوني بملابس البيت سامحين لي بإرتداء العباءة فقط، وحينما طلبت أم زوجي أن تأخذ ملابسي دفعوها وأسقطوها أرضاً.

بدأ التحقيق معي في أحد السيارات الأمنية، عصبّوا عيوني وربطوا يديّ بالقيود، وراحوا يتحدثون بإسهاب عن تنظيمنا، لإشعاري بإنهم يعرفون كل شيء، وللتأثير السلبي على أوضاعي النفسية. وفي السيارة إستخدموا معي الضرب والكلام البذيء والشتائم، وكانوا يلبسون الزي المدني ولديهم أسماء أمنية مستعارة.

ينقسم المحققون الى نوعين، قسم يستخدم الإسلوب العنفي والتهديد، والقسم الآخر يستخدم إسلوبا مغايراً ومرناً لإقناع المعتقل بالإستسلام. والتعذيب نوعان، جسدي كالفلقة والتعليق والكي بالكهرباء وغيرها، ونفسي من خلال الإيهام بإعتقال كل الأهل، وإن الإعدام سيتم بشكل علني أمام جمهرة من الناس ومن ضمنهم الأولاد والأهل.

إحتجزوني في سجن إنفرادي إلى أن إنتهي التحقيق، رموا الفئران والجرذان في الزنزانة وأسمعوني أصوات المعذبين أثناء التحقيقات. بعدها وضعونا في غرفة كبيرة، لتوقيف النساء وتعمّدوا فتح التبريد في شهر تشرين الثاني، وتركونا ننام على بطانية فتاح باشا، ممزقة وعليها دماء المعذبين. وفي فترات كانوا يضعونا في الزنزانة الإنفرادية، حيث يوجد فيها أدوات خاصة للتعليق، وتوضع تحتها منضدة حديدية يسحبوها حتى يبقى المعتقل معلقاً فيما ينهالون عليه بالسياط الحديدية والبلاستيكية. في بعض الأحيان يستعملون حيلة لإرهاب الموقوفات نفسياً، يسمعوهن أصوات توسلٍ المعذبين أثناء ضربهم.

كانوا يرغمونا على تعاطي حبوب مهدئة ويقطعوها قبل التحقيق، وعرفت لاحقاً بعد إطلاق سراحنا، إنها تسبب الموت البطيء. وحالماً يثبتون إن المعتقل مرتبط تنظيمياً بالحزب، يرسلونه إلى قاضي التحقيق الأمني لكي يثّبت عليه مواد الحكم، ثم يرسل إلى محكمة الثورة، سيئة الصيت، في سيارة خاصة وقفص إنفرادي.

في محكمة الثورة ورئيسها المجرم عواد البندر، الذي لاقى ما يستحقه من عقاب بعد سقوط النظام الفاشي، كان هناك "محام" طلب الرأفة بنا لأننا أخطأنا وصرنا عملاء لأيران (!) التي هي في حالة حرب مع بلدنا، وحكم البندر على مجموعتنا المتكونة من رفيقتين وستة رفاق بالإعدام بتهمة الإنتماء إلى الحزب الشيوعي العراقي وتوزيع المنشورات ضد النظام وتهييج الرأي العام عليهم.

وعرفنا من السجينات إن أحكام الإعدام تشمل موادا أخرى كاذبة، كتجاوز الحدود، التستر، الانتماء إلى أحزاب المعارضة، السب والقذف على صدام وقيادات البعث، محاولات إغتيال رأس النظام، إطلاق نكات على البعث أو رموز النظام".

وكان للحزب طرق متعددة في اخفاء البريد والرسائل الحزبية والتنظيمية، وكان ناقلوا البريد مدربين بشكل جيد ولديهم الخبرة العملية في ايصال البريد، ولديهم صفات وامكانيات معينة اهمها الضبط الحزبي والحرفية. كما كان يتم عزلهم عن التنظيم ويجري تنظيمهم فرادى، ويمنعون من الاشتراك باي نشاطات جماهيرية، ويتم تدريبهم على اساليب الصيانة بقدر ما يتعلق بعملهم كايجاد الاماكن المخفية لنقل الرسائل والبريد الحزبي.

يشير كتاب الملازم نافع نوري نصيف من التحقيق السياسي مركز التطوير الأمني في ملفات في اروقة الأمن العامة الى: "لقد وجدنا كيفية اخفاء ونقل البريد الحزبي، مثلاً في داخل علب معجون الحلاقة والاسنان وعلب المناديل وعلب الادوية والسكاير والبسكويت وعلبة الكبريت وداخل شفرة الحلاقة".

وفي احدى المرات شاهدت شخصيا احد الرفاق قد اخفى البريد في لعبة اطفال مما يصعب كشفها، وهذا جزء من تطور الصراع على الورق بين امكانيات دولة واجهزتها الأمنية والإمكانيات المحدودة للحزب الشيوعي العراقي.

 

المصـــــــــــــــــــــــــادر

- في تجربة العمل السري ومكافحة التخريب صادر 1982

- ملفات الحزب الشيوعي في اروقة الامن العامة صادر 1987

-كراس ضد القمع والتخريب المعادي1984

-توجيهات الحزب الشيوعي العراقي 1983

-محمد السعدي سجين الشعبة الخامسة

* من توجيهات الحزب الشيوعي العراقي لاعضائه عام 1983 عن كتاب ملفات(يلاحظ في كثير من حالات القاء القبض على بعض العناصر التي تعمل في التنظيم السري ،دون الكشف عن التنظيم بشكله الكامل ،وفي بعض الحالات لايكشف اي جزء اخر لسبين اثنين –عدم اعتراف الموقوف على الموعد الحزبي او اعترافه بعد انقضاء وقت الموعد ،والثاني اعترافه بالموعد الا ان مسؤوله لا يحضر الموعد لشعوره بوجود حالات اعتقالات في تلك الفترة )

**المناضلة خولة مريوش عاملة الغزل والنسيج الصوفي في بغداد/الكاظمية ، اعتقلت في 1/8/1986وزوجها عاكف سرحان في 30/7/1986مع مجموعة من المناضلين وصدر حكم الاعدام في 8/1/1987 وهم- (لؤي حزام عيال وانتفاضة مريوش ونضال الخميسي وهيثم حميد ومهند بدر واطلق سراحهم في 25 تموز 1987).

عرض مقالات: