بعد ان اعتمد الحزب الشيوعي العراقي الكفاح المسلح اسلوبا لإنهاء الدكتاتورية وبنى مجموعة قواعد عسكرية لأنصاره، اضافة الى التهيئة النفسية واللوجستية لمجمل العمل الأنصاري من السلاح والتدريب والدورات التأهيلية، وبعد إن اصبح الحزب قوة عسكرية مع القوى والأحزاب الكردية، وراح يلعب دوراً سياسياً متميزا في تجميع القوى الوطنية وقيام جبهتي (جوقد وجود) التي تكونت من مجموعة من الأحزاب العراقية الوطنية والقومية بشقيها العربي والكردي، وجّه النظام الدكتاتوري كل الأجهزة الأمنية والمخابراتية الى تخريب العمل الأنصاري وانهاء دور الشيوعيين، اضافة الى العمل على تخريب علاقاته مع القوى القومية الكردية المتواجدة في كردستان، وأرسل عملائه الى هذه الأحزاب ومنها الحزب الشيوعي من اجل ذلك وبأشكال مختلفة، وهو ما حقق بعض الثمار في بعض الاحيان.

لقد أدت الحملة الشرسة للنظام الفاشي على الحزب الى اختفاء عدد كبير من الرفاق والكوادر الحزبية وهجرة الكثيرين الى مختلف بلدان  العالم وتقطع الخيوط التنظيمية، مما ساعد البعث وأجهزة مخابراته  على تجنيد الكثير من ضعاف النفوس، ممن لم يصمدوا في اقبية الأمن، وعمل النظام على تغطيتهم من خلال اتاحة الفرصة لهم للاتصال بالحزب مرة اخرى باعتبارهم ناجين من الحملة وأنهم وبرغم الضغوط لم يسقطوا واظهروا انفسهم بأنهم صامدين بأقبية تعذيب أجهزة الأمن الصدامي ، وقد نفذ من نفذ منهم الى داخل الحزب وأعيضت الثقة لهم من جديد. وحين توجه الحزب الى الكفاح المسلح صار من اللازم تجميع القوى من جديد ومن الطبيعي تم التوجه الى من هم الاقرب، اي من هم في الخارج في بيروت واليمن بشكل خاص ودول أخرى، وهكذا بدأ الضخ من الخارج، وبما ان التوجه هو الى اعادة لملمة الحزب والرفاق فأن التوجه للداخل كان ضمن الأولويات.

ويشير الرفيق النصير سامي سلطان (أبو عماد) في مقابلة لي معه الى:

" عمدت اجهزة الامن والمخابرات التابعة لنظام البعث العمل على عدة مسارات، الاول هو تكوين بما يشبه التنظيم الحزبي لحزب شيوعي مزعوم لتدريب اعضائه للانخراط في صفوف التنظيمات الحزبية، ولكي يمارسوا ادوارهم وفق المعلومات التي تصلهم من قياداتهم الامنية وتدفعهم كما تقوم بدفعهم للانخراط في صفوف الحركة الانصارية في مختلف القواطع. وأخذت بنظر الاعتبار الخلفية التاريخية لهؤلاء أي من اللذين لديهم اقارب شيوعيين او من عوائل شيوعية معروفة من اجل الحصول على التزكية المطلوبة، اما المسار الثاني فكان عن طريق استدراج بعض الكوادر الحزبية وحتى الرفاق العادين الى العمل في الداخل عن طريق عوائلهم وحين تصل الفريسة يقومون، اما بإسقاطها ودفعها للتعاون معها او التصفية الجسدية، هذا طبعا الى جانب، استدراج الرفيقات والرفاق للعمل في الداخل على ان الأمور طبيعية وليس هناك خوف".

ويضيف " اثبتت الوقائع ان حجم العملاء كان يزداد كلما اشتد عود الحركة الانصارية وقوة شوكتها وذاع صيتها وهكذا بدأ الملتحقون الجدد ينهالون على الانتماء لحركة الأنصار وكان هذا مبعث فخر للحركة لكنه مصدر قلق أيضا، لأنه كان من الصعب  الحصول على تزكيات، إضافة الى أن اساليب الحركة الانصارية كانت قاصرة الى حد ما ارتباطاً بالإمكانيات الشحيحة المتاحة  في مجال الحصول على المعلومات إذ تم اللجوء الى الاعتماد على الحس الأمني المكتسب من العمل الحزبي السري السابق وكذلك على الرفاق الموهوبين والحريصين على سلامة الحزب".

ويؤكد النصير أبو عماد الى أن النظام البعثي عمل على استهداف الكوادر النشطة حيث كلف البعض من هؤلاء العملاء باغتيال شخصيات لها وزنها كان من بينها الرفيق والقائد الانصاري توما توماس (ابو جوزيف( حيث كلفت المخابرات العراقية  في احد المرات اثنين من عملائها لتنفيذ هذه المهمة القذرة، إلا انها احبطت عن طريق معلومات وصلت الى قيادة القاطع، عندها كلفت مفرزة على وجه السرعة مؤلفة من الرفاق ابو حسين ابو عماد وابو برافدا وابو عبود وابو تحسين وابو رضية، لجلب هؤلاء من منطقة دشت نهلة التابع لمحافظة نينوى، حيث كانت مفرزة الرفيق ابو جوزيف هناك، وتمت عملية اصطحاب هؤلاء العملاء الى مقر القاطع خلال مسيرة يومين مشياً عبر جبل كَارة ووديان العمادية  وصولاً الى مقر كوماته بعد  اجتياز العديد من القرى والربايا العسكرية، وقد ابدع الرفاق في هذه العملية بحيث اوصلوهم  دون ان يشعروا بانهم متهمون بمهمة اغتيال أحد أهم كوادر الحزب.

ويعرب الرفيق النصير سامي سلطان عن أسفه لتمكن بعض العناصر التسلل بهذا الشكل او ذاك الى صفوف الأنصار اعتمادا على الولاءات المنطقية والثقة المفرطة حد السذاجة "مما سبب في فقدان الكثير من الشهداء جراء معلومات كانت قد سربت عن طريق هذا الملتحق او ذاك ، ووقوع العديد من المفارز في كمائن سقط فيها العديد من الشهداء من انصارنا، كما جرت تصفية العديد من رفاقنا الانصار المكلفين بمهمات في الداخل من بينهم الرفيق الشهيد عامل، في وقت تم فيه اعادة رفاق التحقوا من الداخل بسبب شكوك مزعومة بشأن وجود مؤشرات أمنية عليهم مما ادى الى اعتقالهم من قبل مخابرات النظام حين عودتهم للداخل وتم اعدامهم".

ويشخص النصير أبو عماد معادلة خطيرة، يعتقد بأنه لم يجر التعامل معها بشكل مناسب وهي الموازنة بين الكم والنوع، أي بين الحاجة الى اعداد متزايدة من الملتحقين، وذلك لكي تكون الحركة جماهيرية ومؤثرة، وبين وجود ضوابط صحيحة لتقييم مدى جدية ونقاوة الملتحقين. ويرى بأن " الاكتفاء بالتحقيقات الأولية التي تقوم بها (اللجنة التحقيقية( التي غالبا ما تتكون من رفاق يجري تشخيصهم من قبل الهيئة القيادية، دون أن يكونوا بالضرورة من ذوي الاختصاص، لم يكن سليما، خاصة وان الهيئة القيادية كانت تتخذ بعض قراراتها بالضد لما توصلت اليه لجنة التحقيق، علماً إن الأمانة التاريخية تتطلب الإشارة الى ان الرفاق اللذين عملوا في هذا المجال ابدعوا في مهامهم ولعبوا دورا مهماً في الكشف عن العناصر المندسة من بين الملتحقين الجدد وبخبرتهم المكتسبة توصلوا الى اساليب جديدة في الحصول على المعلومات، هذه المعلومات التي كانت تكشف مدى اهتمام اجهزة المخابرات العراقية بمتابعة نشاط الشيوعيين والحركة الانصارية بشكل خاص، ولأن الحركة الانصارية صارت الشريان الذي يعيد الحياة الى تنظيمات الداخل، اصبح الاهتمام اكثر لمتابعة هذا الخيط. وقد نجح النظام عن طريق عملائه من استدراج الكثير من الرفيقات والرفاق الى الداخل وتمت تصفيتهم".

كما لعبت الاجواء السائدة خلال مرحلة الكفاح المسلح دوراً في نجاح تخريب العدو، ارتباطاً بالظروف الموضوعية والذاتية التي القت بظلالها على كيفية ادارة الحركة على مختلف المستويات وكثرة العناصر المؤثرة فيها والمتأثرة بها، كالتنافس على النفوذ بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، وعملية التحالف الزئبقية بينهما ومع الحزب الشيوعي العراقي الذي امتد وجوده في مناطق نفوذ الفريقين المتصارعين، الى جانب الصراعات  الداخلية التي نشأت في داخل الحركة نفسها ، نتيجة الصراع بين المكتب السياسي والمكتب العسكري والقيادات الانصارية، وتداعيات الحرب العراقية الايرانية واقتتال الأخوة وهجوم اوك على مقرات الحزب الشيوعي  في بشتاشان والذي ادى الى استشهاد اكثر من 65 رفيقة ورفيق من الأنصار، ومجزرة بشتاشان الثانية والتي كلفت الحزب والحركة الانصارية خسائر كبيرة حيث استشهد عدد جديد من افضل الكوادر الحزبية والأنصارية التي لا تعوض.

ويشير النصير أبو عماد الى أن عملية الالتحاق بصفوف الانصار جرت بإشكال متعددة يمكن اختصارها الى:

  1. التحاق الرفاق المقطوعين عن الحزب من ابناء منطقة كردستان ومحافظات العراق الأخرى بعد أن تقطعت بهم السبل ولم يجدوا طريقهم للحزب بعد ان تعرض التنظيم الحزبي الى ضربة موجعة وشيوع خبر تأسيس القواعد الانصارية في مختلف اجزاء كردستان.
  2. أبناء المنطقة من المقربين أو من المتأثرين بسمعة الشيوعيين وبطولاتهم وتأريخهم المشرف وممن لا يرغبون في الانضمام للأحزاب الكردية الاخرى خصوصا تلك التي خذلتهم وتركت الساحة إثر هزيمتها في عام 1975اثر تراجع نظام البعث عما نصت علية اتفاقية آذار.
  3. عناصر مرتبطة بأجهزة مخابرات البعث لغرض تنفيذ مهام اجرامية، ولتفكيك حركة الانصار من الداخل، وهذا الذي ذكرناه فيما تقدم.
  4. انتقال عناصر من بيشمركَة القوى الكردستانية الأخرى الى صفوف الأنصار الشيوعيين لأسباب مختلفة، وهذه الحالة نادرة جداً، وتخضع الى تدقيق عميق.

وعلى صعيد مكمل دعم النظام الجحوش (الفرسان)، بغية تمكينها من التصدي لقوات الأنصار، من خلال الهجمات او الكمائن او الاغتيالات أو ارسال عناصر امنية لاختراق تنظيمات الحزب التنظيمية والعسكرية. وقد دلت الكثير من الوثائق الخاصة بالأجهزة الأمنية والتي تم العثور عليها بعد 1991 أو بعد سقوط النظام الدكتاتوري 2003 على ذلك.

لقد استطاع النظام الدكتاتوري من شراء ذمم بعض العشائر الكردية بالمال وبالإعفاء من خدمة العلم، خاصة أثناء الحرب مع إيران، وتم على أساس ذلك تشكيل أفواج الدفاع الوطني وغيرها من قوات الجحوش، وزرعها في مناطق تواجد الانصار والبيشه مركة، ومنها مناطق عمل أنصار الحزب الشيوعي العراقي. ويشير محضر اجتماع عقد في مديرية امن الحكم الذاتي بتاريخ 20/2/1984 وحضره مدير امن منطقة الحكم الذاتي ومدراء امن محافظات السليمانية واربيل ودهوك وضباطها الى ضرورة ايلاء مسألة متابعة الحزب الشيوعي العراقي قدرا أكبر مما هو عليه الان بالرغم من أن نسبة تشبيكات الأمن على هذا الحزب جيدة، لكن نشاطه يبقى الأهم والأخطر على السلطة حاليا.

وكانت للأجهزة الأمنية خططاً لإعداد عناصر خاصة للعمل في مناطق نشاط الحزب والمعارضة وتثقيفهم وتمكينهم من المعلومات التاريخية والتنظيمية التي تساعد على الحوار ومناقشة الشيوعيين والحصول على المعلومات المفيدة للأجهزة الأمنية منهم. وشملت الخطط دراسة الاقتصاد والفلسفة وحتى جوانب من النظرية الماركسية.

لقد تداخل عمل الأجهزة الأمنية والمخابراتية في علاقاتها مع الأحزاب المتواجدة في كردستان حيث البعض أصبح عميلا مزدوجا (التشبيك المزدوج). وكان نشاط السلطة متعدد الجوانب وبذلت مساعي كبيرة وصرفت الاموال الكبيرة وجندت الالاف من المواطنين وبطرق واساليب مختلفة.

واورد هنا بعض الامثلة على النشاط التخريبي للأجهزة الأمنية ضد الحزب الشيوعي العراقي.

تمكنت السلطة من شراء ذمة أحد الكوادر الحزبية والذي كان يعمل في منظمة الحزب الشيوعي في مدينة الثورة في بغداد ويدعى ابو محمد (ابو نادية) وإسقاطه سياسياً. ثم تم إرساله الى قواعد الحزب في كردستان، حيث أقام علاقات واسعة مع الرفاق وراح يسأل عن مختلف نشاطات الأحزاب الحليفة والقوى المتواجدة في ناوزنك. وفي أحد الايام غاب ابو محمد هذا، فتم البحث عنه حتى علمت قيادة الحزب بأن قوات الاتحاد الوطني الكردستاني القت القبض عليه بعد ان رأته يريد الهرب والالتحاق بمعسكرات النظام في سفح جبل مامنده من منطقة قلعة دزه. تم وضعه في السجن وبعد التحقيق معه اعترف بانه عسكري (نائب ضابط متقاعد) وكان عضو في محلية مدينة الثورة واعترف بانه أسقط سياسيا وهو يعمل منذ فترة طويلة كجاسوس للبعث في صفوف الحزب. وقد اعترف على الكثيرين من رفاقه بما فيها الرفيقة عايدة ياسين عضو اللجنة المركزية للحزب التي غيبها النظام الدكتاتوري فيما بعد*.

ارسلت السلطة اثنين من عناصرها الى قاطع السليمانية بغرض الاندساس والتخريب على اساس انهما ملتحقان بصفوف الأنصار. وقد تمكن الرفيق علي كلاشنكوف بيقظته وفطنته من اكتشافهما في وقت مبكر حيث اخضعهما للمراقبة. وكان أحدهم مرسلا من المخابرات في السليمانية، وفي اول تحقيق معه اعترف بكونه مرسل من قبل المخابرات لكنه عبر عن تذمره من السلطة، وأفصح عن رغبته للبقاء في صفوف الأنصار لخدمة الحزب. وبالرغم من المعلومات التي قدمها اثناء التحقيق فأن الرفاق لم يطمئنوا اليه وواصلوا اخضاعه للمراقبة. وذات يوم أخبر هذا المندس رفيقنا بأنه على موعد مع أحد ضباط السلطة في جنوب قصبة خورمال، فرافقته مجموعة من الأنصار من اجل اعتقال هذا الضابط كما يدعي. وقبل الموعد المزمع أرسل الرفيق علي مفرزة خاصة أخرى تتخفي في المنطقة، لأنه كان يشك بوجود خدعة للإيقاع برفاقنا (المرافقين له) واعتقالهم من قبل السلطة. وقبل اللقاء المزعوم في منطقة أحمد أوه شعر الجاسوس بافتضاح لعبته فحاول الهرب، لكن الرفاق اعتقلوه وجلبوه الى مقر الفوج السابع ووضع في السجن. وفي صبيحة احدى الايام وعندما كان المندس مع مجموعة من السجناء في مهمة جمع الحطب، اغتنم الفرصة وقذف بنفسه من قطع جبلي عال، ولم تنجح الاسعافات الطبية في إنقاذه ففارق الحياة. وحسب تقديرات الرفاق فأن هذا الجاسوس لم يعترف بكل ما كان لديه من معلومات واسرار وأنه كان عميلا محترفاً فضل الموت في سبيل مهمته، علما انه لم يتعرض الى التعذيب، بل كان موضع مراقبة فقط.

اما العميل الثاني فكان من السليمانية، وافاد في التحقيق مباشرة بأنه مرسل من قبل دائرة الأمن، لكنه لا يريد ان يخون الحزب، وقد اثارت هاتان القضيتان انتباه رفاقنا في القاطع واستنتجوا منهما بان الاجهزة الامنية للسلطة تسعى الى استخدام اسلوب جديد لاختراق صفوف أنصارنا، لأن كلا العميلين اقرا بانهما مرسلان من قبل السلطة.

استفسر الأنصار الذين حققوا مع هذا الجاسوس منه عما إذا كانت دائرة الأمن قد زودته بأسماء عناصر من الأنصار في صفوف حزبنا او لدى الاخوة في الحزب الديمقراطي الكردستاني، لهم ارتباطات بالسلطة ودعته للاتصال بهم عند الضرورة. فقام العميل بالإفصاح عن مجموعة من اسماء الرفاق الأنصار في صفوفنا وفي صفوف الاخوة في حدك. وبدا الرفاق على الفور بإخضاع المذكورة اسماؤهم الى التحقيق وهذا ما خلق بلبلة وارباكا كبيرين في صفوف الفوج السابع ومقر القاطع. وبالرغم من ان هذا العميل كان يتظاهر بالبلادة الا انه كان مدربا في دورات خارج العراق ومحنكا في العمل الاستخباراتي، فاستطاع من خلال اجابته على أحد الاسئلة في سير التحقيق معه ان يؤدي جانبا من مهمته في تخريب وضع الفوج والقاطع.

ويشير القيادي السابق باني خيلاني الى الحادثة فيقول:

"وعند عودتي الى القاطع واطلاعي على هذه القضية، تولد لي الشك وطالبت بإعادة التحقيق مع المتهمين ومع العميل ايضا لان بعض الاسماء التي اوردها هذا الشخص لا يمكن تصديق خيانتها أو علاقتها بالنظام. وبعد اعادة التحقيق وبشكل هادئ ودون استخدام اي عنف معه اعترف العميل بالحقيقة، بان الرفاق الذين اوردهم كان قد تعرف على قسم منها في الايام الاولى في اقامته بالفوج (السابع)، قبل ان يجري معه التحقيق، اما القسم الاخر من الاسماء فأنه سمعها عن طريق معارفه في حلبجه، وبدأت سلسلة من الاجتماعات مع الرفاق الأنصار وفي قيادة القاطع تمكنا من تهدئة الأوضاع ومعالجتها".

وكانت أساليب السلطة في الاندساس والتخريب متنوعة، منها دق إسفين بين الأنصار من القوميات المختلفة. يشير أحد الأنصار في كتابه الى نفس الموضوع (.. اكتشفت شبكة تجسس داخل مقراتنا في قاطع السليمانية لصالح النظام العراقي في بغداد، كان العدد الأكبر منهم من الرفاق الأكراد، تم اعتقالهم إلا البعض منهم تمكن من الهرب، وبدأ التحقيق معهم وظهرت اعترافات جديدة امتدت إلى أهالي القرية، وكان الملا دانه ممولنا التمويني وصاحب الدكان في قرية (أحمد اوة) هو خط الاتصال الساخن بهذه الأحداث، وتم زج النصير منير (أبو أنور) في السجن جورا ً وقسرا ولاعتبارات لا تخلوا من نوازع قومية شوفينية، انتهت بالاعتذار منه). لقد اراد هؤلاء العملاء ان يخلطوا الاوراق في القاطع مما ولد بلبلة بين الأنصار واثرت على البعض الذي ترك العمل الأنصاري، ومنهم النصير المتهم منير (ابو انور).

وصل ضابط سابق يدعى (كامل محسن) الى ناوزنك من اليمن الديمقراطية عن طريق سوريا. وبعد أن عرف كيف يتم الوصول الى كردستان والطرق التي يمر بها الأنصار، أراد ان يذهب ليسلم نفسه الى الربايا ومعسكرات السلطة واجهزة الأمن والمخابرات، فألقي القبض عليه. وتم التحقيق معه فأعترف كونه كان في الجيش العراقي برتبة نقيب وهو عضو سابق في الحزب الشيوعي وكان قد اعتقل في شباط 1963 لمدة عام كامل. وبعد ان بقي فترة غير قليلة وبعد توسلاته الكثيرة اتخذ قرار من قيادة الحزب بمساعدته بالعودة الى خارج العراق. وبالفعل تم ارسال اربعة من الأنصار معه لإيصاله الى بهدينان. وفي الطريق وبعد الاحترام والتقدير من قبل مرافقيه الأنصار، سرق بندقية كلاشنكوف وأطلق النار على مرافقيه فأستشهد اثنان منهم وجرح الاخرون وتمكن هو من الفرار الى أقرب ربيئة للنظام.

التحق شاب عمره 17 عاما بإحدى مفارز اربيل فأرسل الى القاطع مع رفاق وأنصار أخرين. وتم تدريبه على السلاح بشكل جيد، لكنه قام بتسليم نفسه الى الأمن. وبعد فترة عاد فالتحق بحركة الأنصار فتم القبض عليه وأعترف ان عمه الذي يعمل في جهاز الأمن هو الذي ارسله الى الأنصار لجمع المعلومات عنهم.

وفي لقاء لي مع الرفيق النصير حسين علي الظالمي (عادل) في قاطع السليمانية حول أحداث تلك الفترة أشار:

" الحديث عن هذه الامور شائك ومعقد ومؤلم بذات الوقت، لكنة ضروري جدا، حيث يتوجب علينا تصليب عودنا الى جانب زرع وتمتين الحس الامني لدى الرفاق والهيئات، علينا ان نشم رائحة الخطر قبل وقوعه، وهذه فطنة يجب على الشيوعي التحلي بها، فعدونا يمتلك الامكانيات الكبيرة ووسائل متنوعة وغالبا ما يلجأ الى وسائل غير شريفة في حربة مع القوى الوطنية والتقدمية. وعموماً أعتقد إن من حق الرفاق ان يفتخروا بما تكون لديهم من تجارب في كشف الاختراقات واسلوب معالجاتنا لها، وهذا جاء بجهود ذاتية تحسب لهم، حيث كما تعلم ان تنظيماتنا الانصارية كانت تفتقر لمحققين مهنيين، وما كان لدينا لم يكن كافياً لتغطية كل مواقعنا. وربما أوقعنا هذا في أخطاء عدم قبول ملتحقين جدد ممن لم تتوفر عنهم معلومات تضمن سلامة وضعهم، او ربما قبلنا ملتحقين غير مناسبين.

في تأريخنا الحديث، تحديدا نهاية عقد سبعينات القرن الماضي، اخذت مساعي البعث مديات كبيرة للانقضاض على الحزب وانهاء تنظيماته، مستنفرين لذلك كل الاجهزة الامنية والمخابراتية وغيرها. لقد نجحوا في تجنيد بعض ممن كانوا في التنظيم، اثناء الاعتقال وانتزاع الاعترافات بسرعة وبشكل لم يثر ظنون الرفاق بهم، وهو ما استدعى لتطوير الحس الأمني للرفاق والمنظمات. وكان حجم التأثير التخريبي لهؤلاء متناسباً مع مهماتهم ومواقعهم. لاحظنا كيف كان للمدعوين أبو هيمن وأبو ب، تأثير كبير على كشف التنظيم الذي أشرفوا عليه، مما أفقدنا رفاقاً مشهود لهم بالبطولات والصمود والاخلاص. والشيء بالشيء يذكر، فأن عدد من الرفاق الذين أرسلوا للداخل كانوا غير مرتاحين لمرافقة أبو هيمن لهم.

ويضيف (عادل) في منتصف ثمانينات القرن الماضي، أرسل النظام أفرادا ممن نجح في تسقيطهم، ككاتب مذكرات سجين الشعبة الخامسة، والذي التحق بنا وحاول ان يدعي الكثير من البطولات، قبل أن يكشفه الرفاق بفطنتهم، إضافة الى بعض المعلومات البسيطة التي وردت من تنظيم المنطقة التي يقطنها الى الرفيق ابو ناصر عضو اللجنة المركزية الذي كان يشرف على التنظيم هناك. كما كشف موقفه وضعفه في التحقيق ومساعيه لتأليب الرفاق على البعض وزرع اليأس والشقاق بين القاعدة والقيادة والاقاويل والاكاذيب التي اراد منها الاساءة للحزب.

نوع أخر من الاندساسان، لكن ذلك ليس بشكل مباشر في تنظيماتنا الانصارية او الحزبية وانما من خلال الالتحاق بأحد القوى الكردستانية المتواجدة معنا في ساحة العمل الانصاري. فقد يرسل النظام مجنديه لقواتنا الانصارية وفي حال عدم قبولهم يوجههم بالالتحاق بأحد الاحزاب الكردستانية المتواجدة في محيط العمل. وهنا استذكر ان ملتحقا جاء الى قواتنا من الفوج 15 المتواجد في شهرزور، ولم يوافق الرفاق على انضمامه لقواتنا، فما كان منة الا ان التحق بقوات الحزب الديمقراطي الكردستاني حدك المتواجدة معنا في المنطقة وبعد قبوله بأيام، وحين كنا في المراباة في ربيئة مشتركة مع مفرزة من حدك وكان هو أحد عناصر المفرزة، وما ان أنهى نوبة حراسته الا ورمى رفيقنا زكي الذي استشهد في الحال ولاذ الجبان بالهرب، ووصل الى قوى السلطة والربايا المقيمة هناك. وعلى ما اتذكر حدثت هكذا حالات الدساسات وحتى غدر من خلال الالتحاق بقوى كردستانية اخرى في قاطع بهدينان واربيل. كما ذكرت من الضروري التحلي بالحس والشعور بالخطر قبل وقوعه، لكن يفترض ان لا يكون هذا الحرص مدعاة للتشديد المؤذي ودفع الملتحقين الى النفور. ايضا كان لهذا السلوك في قاطع سليمانية وكركوك حضور بشكل او باخر وهنا يمكن ذكر حالة النصير (أ. أ) الذي بعد فترة من تواجده في أحد قواعدنا، ربما وردت معلومة خاطئة او لسبب ما غير منطقي اثار شكوك الرفاق مما دعاهم الى الطلب منه بترك قواتنا والتوجه الى إيران".

كما قام عملاء النظام بإرسال السموم المختلفة الى الأنصار. وأود هنا ان أنقل ما كتبه الفقيد توما توماس في مذكراته:

" لم يكن سلاح السموم جديدًا عند عصابة البعث، فقد استخدموه ضد المعارضين منذ الأيام الأولى لاستلامهم الحكم، إذ قاموا بتصفية خصومهم بدس المواد السامة في العصائر أو الشاي، وبطرق كان من الصعب الكشف عنها. واستعمل هذا الأسلوب الجبان مع السجناء الشيوعيين ابان الهجمة على الحزب في 1978 قبيل إطلاق سراحهم لغرض قتلهم وهم خارج السجون لإبعاد تهمة القتل عن النظام. كانت أول حالة تسمم تمت ضد أنصارنا، والتي كانت مفاجئة لنا تمامًا، إذ لم نتوقع أن تصل هذه الجرائم إلى أقصى القرى الكردستانية. فقد ظهرت أعراض حالة التسمم في بادئ الأمر على الرفيق خضر حسين، حيث أصيب بدوار في الرأس وشلل بسيط في قدميه ونحول في جسمه، مما أدى إلى شلله تمامًا عن الحركة ليتوفى بعد حين. ولم نتمكن من تحديد نوع السموم أو متى دست له. ومما زاد من صعوبة تشخيص ومعرفة معلومات دقيقة عن تلك الحالة، هي أنها كانت من نوع السموم التي لا تظهر اعراض الاصابة بها إلا بعد مدة من تناولها، مما يطمس أية إمكانية لتحديد أين ومتى تم تناولها.

في منطقة بهدينان وفي أواخر 1980، كان الأنصار يقومون بجولات ميدانية في المنطقة. وكان من الطبيعي أن يعتمد الأنصار في تغذيتهم خلال جولاتهم على ما يقدمه أهالي القرى، وعلى بعض المساعدات من المعلمين في المدارس وخاصة علب الحليب السائل والجبن المعلب والفاكهة التي كانت توزع في المدارس الابتدائية. كانت إحدى سرايا أنصارنا موجودة في منطقة اتروش، حيث توثقت العلاقة بين (إسماعيل) أحد معلمي مدرسة قرية (بي نارينكي) وبين الرفيق دكتور عادل (الشهيد غسان عاكف حمودي)، إذ كان المعلم يحتفظ بكمية من المواد الغذائية المعلبة المخصصة للمدرسة ويسلمها للسرية شهريا كمساعدة في تغذية الأنصار. في إحدى الليالي تم استلام المواد من (إسماعيل). وكالمعتاد تحركت السرية منذ ساعات الفجر الأولى لمغادرة القرية باتجاه الوديان بعيدًا عن أعين العملاء وتحسبًا من هجوم مفاجئ من القوات العسكرية أو من قصف مدفعي أو جوي يعرض القرية لمخاطر التدمير. وقبل أن تبتعد السرية عن القرية لاحظ الأنصار شخصا يعدو خلفهم وينادي طالبا توقفهم، وما كان هذا الشخص إلا المعلم إسماعيل الذي اختلى بالرفيق دكتور عادل ليبلغه بأنه سلمهم 12 علبة حليب نستله مسمومة ويحذر من استخدامها، حيث ذكر: كنت في عين سفني في طريقي إلى المدرسة، فاستدعاني ضابط أمن الشيخان وكلفني بتسليمكم 12 علبة حليب محقونة بمادة الزرنيخ القاتلة. وهددني الضابط بالإعدام لأن السلطة على علم بعلاقتي بكم وبكوني أزودكم بالمواد الغذائية".

ارتبط أنصارنا بعلاقات صداقة مع بعض الذين تركوا صفوف پيشمركه الحزب الديمقراطي الكردستاني واستقروا في القرى بعد انتكاسة الحركة. وكان من بين هؤلاء الصديق فتاح من قرية "شهي" الواقعة على سفح جبل بيرس. يلتقي به الأنصار أثناء جولاتهم ومرورهم في قريته، فأخبرهم في أحد اللقاءات باستعداده لتوفير أية احتياجات لهم من خلال إحضارها من أربيل التي يتردد عليها باستمرار. فكلفوا الصديق بتوفير كمية من الأدوية، وعلى وجبات لضمان الابتعاد عن أية شكوك. ونظم أحد اطبائنا الأنصار عدة وصفات طبية، وبدأ الصديق بجلبها تباعًا في كل زيارة لمدينة أربيل. في إحدى المرات، كبست معه كمية من الأدوية واعتقل في دائرة الأمن، لتبدأ معه صنوف التعذيب والتهديد بالموت. ووضع فتاح أمام خيار التعاون وتنفيذ المهمة التي طلبت منه، خاصة وأنه قد اعترف بما كان يقوم به مع تحوير في الحقيقة، ساعده في الإفلات من قبضتهم، فقد ادعى انه يبيع الأدوية على الأنصار لقاء ربح غير قليل. ويظهر أن أزلام الأمن تيقنوا أنهم أمام شخص يركض وراء الربح، فوعدوه بإطلاق سراحه ومنحه مبالغ كبيرة لقاء التعاون معهم، بالاستمرار في بيع الأدوية للأنصار، شريطة إخبار الأمن مسبقا بأنواع الأدوية التي يحتاجونها لتأمينها وتجهيزها له. ومن أجل اغتنام فرصة قد لا تتكرر ثانية، وافق فتاح على جميع شروطهم، وفعلا تمت تهيئة وجبة مميزة من الأدوية. وقبل تسليمها إلى طبيب الأنصار، كان فتاح قد سرد له مجمل ما حصل معه في دائرة الأمن وما كلف به.

كان النصير (ك) من عناصر الحركة الديمقراطية الآشورية يعمل في مقر قيادة الحركة في منطقة زيوه. وكان يحظى باحترام وتقدير رفاقه. وبسبب من ضغوطات كانت تعاني منها عائلته في الموصل، عاد الى عائلته. بعد مضي فترة قصيرة من رجوعه أستدعي إلى مديرية الأمن. وطلب معاون الأمن و"مسؤول شعبة الشيوعيين" منه التعاون ليثبت مدى إخلاصه للوطن، وهدده في حالة رفضه الطلب أنه سيضع نفسه بالضد من السلطة. واستمر الحال باستدعائه عدة مرات، وتكررت التهديدات له، فقرر التخلص من تلك الدوامة الخانقة التي وضع نفسه فيها. فأبدى استعداده للتعاون وتنفيذ المهمات التي يودون تكليفه بها. وقبل مغادرته إلى المناطق المحررة تم تسليمه علبة دهن طعام "راعي" زنة كيلوغرام، لاستخدامها في إعداد الطعام في المقر حينما تسنح الفرصة لذلك. صادف في تلك الفترة أن دخلت القرية السرية الثالثة التابعة للفوج الثالث لقوات أنصارنا. وكان لآمر السرية الثالثة النصير أبو ميسون معرفة سابقة بـ (ك). فالتقى به، ومباشرة أفصح (ك) للنصير أبو ميسون عن مهمته وسلمه علبة الدهن، راجيًا قبوله نصيرًا او حتى ضيفًا في السرية الثالثة أو في أي مكان يقرره الحزب. قام الرفيق أبو ميسون بإرساله إلى مقر قاطع بهدينان، فأحيل إلى التحقيق في مقر الفوج الثالث.

وفي قرية كاني بلاف التقى أحد المواطنين ويدعى (نبيل) مع النصير أبو ليلى (الذي كان مسؤولاً عن سرية الأنصار في منطقة صبنه)، وتعهد له بإحضار كمية من الأدوية في زيارة قادمة للقرية. حينما حصل على كمية الأدوية من أحد اصدقائه في مستوصف القوش، قام بإخفائها في مكان ما تحت مقعد سيارته متوجهًا نحو دهوك. في نقطة سيطرة القوش – الموصل، أوقف شرطي الأمن السيارة وأنزل صديقنا منها ليُرفع المقعد ويجد الادوية. أُخذ الصديق نبيل إلى مديرية أمن الموصل لتبدأ معه حفلات التعذيب ولمدة أسبوع كامل، ليعترف في النهاية بمصدر تلك الادوية والجهة التي كان يزمع تسليمها لها. أُخلي سبيله وترك لفترة قصيرة للاستراحة قبل تكليفه بالمهمة. اقترح نبيل أن يسمحوا لزوجته وطفلتيه بمرافقته وكأنهم في سفرة عائلية كي تبعد شكوك الأنصار، مع أهمية ترك سيارته الخاصة، والسفر بسيارة حكومية لتفادي عمليات التفتيش المعتادة في نقاط السيطرة. وفي الموعد المقرر سلموه سيارة لاند روفر مع كمية من الأدوية مطابقة تمامًا لنوعية الأدوية التي ضبطت معه. وفعلا غادر باتجاه كاني بلاف، وهناك التقى بالأنصار ليسلمهم الادوية مع تحذيره لهم بأنها مسمومة، وأحيل إلى لجنة تحقيقية للأنصار، فاقتنعت بأقواله وسمحت له ولعائلته بالبقاء في مقر القاطع لحين تسفيرهم إلى الخارج.

تمكن ضابط أمن دهوك وعبر طرق ملتوية من إيصال هدية [قنينة ويسكي] بيد أحد العملاء إلى مختار قرية قريبة من مقر القاطع في بهدنان / زيوه لغرض تسليمها إلى الرفيق أبو نضال كهدية بمناسبة زواج أحد اقاربه. ودعا أبو نضال رفيقه أبو تحسين امر سرية المقر والنصير دشتي في إحدى الأماسي لاحتساء الويسكي سراً (حيث كان تناول الكحول من قبل الأنصار ممنوعاً منعاً باتاً). بعد يومين بدأت أعراض غريبة تظهر عليهم كالدوار وشلل في الارجل ثم بدأ شعر الراس بالتساقط، ويومًا بعد آخر كانت حالتهم تنحدر نحو الأسوأ وتبين انه سم الثاليوم. كان وضع الرفاق سيئًا جدًا، فتقرر إرسالهم حالاً إلى إيران. واستغرق علاجهم مدة 6 أشهر في طهران، ليعودوا بعدها إلى المقر.

قام عميل النظام وكان أحد ركائز الحزب ويدعى (صالح)، والذي كانت له علاقة قوية مع النصير أبو فؤاد بتسميمه. وفي أوائل كانون الأول 1986 وصل الرفيق أبو فؤاد إلى مقر القاطع في زيوه لمراجعة الطبيب إثر الآم في معدته وشلل خفيف في ساقيه أثناء الوقوف أو المسير. وبعد الفحوصات لم يتمكن الطبيب من تشخيص حالته المرضية، إلا أنه (الطبيب) أبدى شكوكًا بتعرض الرفيق لحالة من التسمم اعتمادا على الأعراض التي كان يعاني منها. جرت متابعة الأمر مع الرفيق جوقي سعدون حول المحطات التي توقف فيها أثناء توجهه إلى مقر القاطع، فأكد أنه لم يتناول طعامًا إنما احتسى كأسين من الشاي في بامرني في بيت الركيزة.

جرت عملية اغتيال للكادر الطلابي الرفيق أبو رغد بعدة عيارات نارية، وتم دفنه في تلك المنطقة وبدون علم أحد. الا إن ابناء المنطقة وبعد التحري من التنظيم المحلي، كشفوا خيوط الجريمة النكراء. وظهر بأن الذين اغتالوه التحقوا بأحد الأحزاب هو الحزب الديمقراطي الكردستاني في محافظة دهوك. وكان الرفيق ابو رغد يعمل في تنظيم الداخل في العراق وبالتنسيق مع التنظيم المحلي في دهوك.

في نهاية 1980 التحق شخصان وهم من العوائل الشيوعية بالأنصار. وتم نقلهم الى مقر قاطع بهدينان والتحقيق معهم فتبين انهم يعملون لجهاز المخابرات، وتقضي خطتهم باغتيال الشخصيات الأنصارية ومنها توما توماس القائد الأنصاري المعروف، وسحب أبر سلاح الكلاشنكوف عند نوم الأنصار. وتم تبديل أحدهم مع النظام بمبلغ مالي جيد وسجن الاخر، فيما فر سجين ثالث مع سلاحه في غفلة من الحرس اثناء الذهاب لتقطيع الحطب.

في أحد الأيام وعند الساعة الثانية عشر ظهرا ـ اي وقت غداء الأنصارـ وفيما كان الرفاق في دورة دراسية في الامور الفلسفية والاقتصادية وغير ذلك، حدث انفجار كبير في المشجب. فجمع المحقق أبو شهاب (حكمت الحكيم) الرفاق وقدم لكل منهم قطعة خبز يابسة. تمكن جميع الرفاق من أن يمضغوا الخبز ماعدا أحدهم الذي عجز عن ذلك. والذي قال وقت الانفجار (أعتقد ان مشجب الفوج الثالث قد انفجر). أعتقل هذا (النصير) وتم التحقيق معه فاعترف انه مرسل من المخابرات وان لديه اخ يعمل للمخابرات ايضا، التحق في الحزب الديمقراطي الكردستاني.

لقد التحق بالحركة الأنصارية عناصر مخابراتية عديدة، وفي جميع قواطع الحزب في قاطع بهدينان وافواجه الثالث والاول وكذلك في مقر قاطع اربيل والفوج الرابع والسادس وقاطع السليمانية والافواج التاسع والسابع. ووصل العديد من هذه العناصر بترحيلات مزورة، سرعان ما يتم كشفها من قبل المحققين، ووصلت نساء مثل (أ) و(ش) وهي اخت أحد المناضلين الى قاطع بهدينان، وجرى التحقيق معهم ولم يتم التوصل الى نتيجة.

ويمكن الاشارة الى ان النظام والأجهزة الأمنية قد كلفت عناصر لها بالسفر الى الخارج وتدعى انهم من الشيوعيين لكي يلتحقوا بحركة الأنصار في كردستان. وقد تم اكتشاف البعض منهم. والبعض الاخر أنهى مهماته حين تعرف على الشيوعيين في الخارج وقدم تقاريره الى الأجهزة الأمنية وبمساعدة سفارة النظام الدكتاتوري في الخارج. ولا ننسى انهم حاولوا اغتيال عضو اللجنة المركزية فخري كريم في بيروت حيث اصيب بجروح بليغة في وجهه، أرسل على إثرها الى الاتحاد السوفيتي وتم علاجه. كما سبق ذلك نجاح هذه العناصر في اغتيال اسعد العيبي في عام 1980في بيروت في لبنان. وفي اليمن اغتيال النظام الفاشي عضو الحزب الشيوعي العراقي الدكتور توفيق رشدي عام 1979.

*-في حديث لي مع الرفيق كامل كرم (ابو علاء) مسؤول منظمة طهران وافغانستان وهو عضو منطقة بغداد يقول (حول قضية هذا الشخص الذي سمى نفسه ابو محمد وكان في تنظيم محلية الثورة باسم ابو نادية ،كتبت ثلاث رسائل الى قيادة الحزب من السليمانية ومن حلبجة ثلاث رسائل اخرى حول عمالة ابو نادية وحذرت منه حيث اخبرني احد الرفاق المعتقلين بانه يعمل مع الاجهزة الامنية، هذا من جانب، ومن جانب اخر يقول الرفيق كامل كرم ، بلغت الرفيقة عائدة ياسين على عمالة ابو نادية عن طريق بنت اختي مراسلتنا الرفيقة فاطمة لكنها مع الاسف لم تصدق ذلك. ويضيف ولكنها اخبرتني عندما تذهب الى الرفاق في كردستان ممكن ان تخبر الرفاق بذلك- وهناك الكثير من الاسرار مع الرفيق ابو علاء عند صدوره كتابه).

  المصادر

-صلاح الخرسان-صفحات من تاريخ الحركة الشيوعية في العراق دار الفرات1993

- احمد باني خيلاني مذكراتي دار الرواد المزدهرة 2009

-محمد السعدي – سجين الشعبة الخامسة

-اوراق توما توماس-مطبعة ازادي 2017

-فيصل الفؤادي- دور وتأثير الاجهزة الامنية والمخابراتية على حركة الانصار الشيوعيين دار الرواد المزدهرة 2020

 

عرض مقالات: