المبحث الثاني
في ضوء الهجمة على الحزب الشيوعي، توسعت الخلافات السياسية بين أطراف التحالف الجبهوي. ولهذا عقدت اللجنة المركزية اجتماعا لها في اذار 1978 لتحديد موقفها الرافض للحملة الفاشية ضد الحزب واصدقائه، واشار الاجتماع الى (ان منظمات حزبنا ورفاقنا واصدقاؤنا وصحافتنا الحزبية تعاني من التمييز والملاحقات باشكال متنوعة، وقد زادت عام 1977 وتركت اثارها السلبية على عمل الجبهة)، ودعا الى ضرورة الإسراع بـ:
- الاعداد لإنتخابات عامة للمجلس الوطني في ظل الحرية السياسية التامة، مقترنة بموافقة قوى التحالف.
- اعداد لائحة الدستور وعرضها على المجلس الوطني المنتخب لمناقشته وابرامه.
- ازالة الأوضاع الاستثنائية واقامة الهيئات والمؤسسات الدستورية والتشريعية والتنفيذية.
- تطبيق صيغة الحكم المحلي والمجالس الشعبية المنتخبة في جميع الوحدات الادارية.
- حل لقضية الكردية واتباع الطرق الديمقراطية في حلها.
وقد اتخذ الحزب مجموعة من القرارات والتوصيات منها التنظيمية والاعلامية والتعبوية والتوجيهية والصيانة الحزبية ومن ابرز التعليمات هي :
- اتلاف كافة الوثائق التي يمكن ان تستفيد منها السلطة، محاضر الاجتماعات والندوات الحزبية، ومحاضر الدورات التنظيمية والرسائل المتبادلة بين منظمات الحزب والمركز القيادي.
- الغاء الدورات الحزبية الخاصة بإعداد الكادر.
- عدم مراجعة المقرات الحزبية في جميع المحافظات، الا لحاجة ضرورية واتباع اساليب خاصة في الاتصال بسبب المراقبة الدقيقة.
- الغاء مراكز توزيع الجريدة (طريق الشعب) في معظم المحافظات، واتلاف القوائم التي تتضمن اسماء المشتركين واستبدال اسلوب التوزيع
- اتباع وسائل من شانها الحفاظ قدر الامكان، على سرية النشاط الحزبي، مثل تغيير الاسماء الحركية وتبديل اماكن الأجهزة الطباعية.
- يتولى المكتب السياسي وضع خطة لتدابير الصيانة.
قبل الهجمة الشرسة وجهه الحزب الشيوعي رفاقه الى ضرورة التحلي باليقظة وتفويت الفرصة على ازلام السلطة ومخابراتها نتيجة المطاردات من قبل الأجهزة الأمنية والبعثيين. وإتخذت قيادة الحزب في أخر إجتماع عقده المكتب السياسي في بغداد ـ كما يذكر عضو المكتب السياسي كريم احمد ـ في شهر تشرين الثاني عام 1978 خطة إجراءات سريعة تجاه الوضع الجديد. وتضمنت هذه الخطة:
- تشكيل قيادة ظل تتكون من الرفاق عمر على الشيخ عضو المكتب السياسي وعضوية الرفيق سليمان يوسف عضو اللجنة المركزية وعائدة ياسين مطر (مرشحة اللجنة المركزية استشهدت تحت التعذيب في اقبية الاجهزة الامنية بعد ان القي القبض عليها 1980 نتيجة وشاية من عميل ).
- إجراءات عاجلة لغرض الصيانة والعمل على حفظ الاسرار الحزبية والتنظيمية.
- توجيه الرفاق في الاقليم باقامة فصائل الأنصار في المناطق التي تتواجد فيها قواعد (البيشمه مركة) للاحزاب الكوردستانية التي هي الاخرى اخذت تتسلح وتقيم قواعدا لها على الحدود الايرانية العراقية.
- تحويل الرفاق غير المكشوفين الى تنظيمات حزبية سرية يقودها عمر علي الشيخ.
- الايعاز الى جميع الرفاق المكشوفين بمغادرة العراق بهدوء وبسرية تامة.
- استمرار الجريدة بالصدور بصورة اعتيادية مع تقليص كادر التحرير الى اقصى حد.
- تصفية المقر العام ومقر بغداد من الوثائق الحزبية.
- خروج اعضاء اللجنة المركزية، وابقاء عدد محدود منهم، من غير المكشوفين لمواصلة قيادة العمل والتنظيمات السرية.
- أتباع السرية الشديدة في الخارج والداخل.
من جانب اخر يشير تقيم تجربة حزبنا (1968 الى 1979) الى انه بعد اعدام 31 شيوعيا وديمقراطيا من قبل السلطة الدكتاتورية (لم يسحب الحزب ممثليه في الوزارة، بعد حملة الاعدامات الانفة الذكر، وتردد في تنظيم حملة تضامنية فعالة، وواصلت صحافة حزبنا الصدور، دون الاشارة الى الارهاب الموجه ضد الشيوعيين بشكل صارخ وفعال). ومرد ذلك ان البعض من قيادة الحزب بذل جهودا كبيرة من اجل الحفاظ على الجبهة، من خلال المقالات في طريق الشعب والتي استنكرها البعض الاخر من قيادة الحزب ومنهم بهاء الدين نوري باعتبار الامر تخاذلا وتراجعا بالنسبة لموقف وقف التدهور وهو الرافض للجبهة منذ الاساس.
ويشير القيادي السابق الدكتور كاظم حبيب الى ذلك فيقول (لقد مر الحزب الشيوعي العراقي بمراحل نضالية عديدة مليئة بالمصاعب والتعقيدات وتعرض للضربات القاسية، سواء أكان ذلك في العهد الملكي أم في عهود الجمهوريات الأربع التي عرفها تاريخ العراق الحديث، ولكنه خرج منها وهو يؤكد إصراره على مواصلة النضال. وفي هذا الفترات يصعب على الإنسان أن يتصور بل يستحيل تصور أن لا يرتكب الحزب أخطاء معينة، سواء أكانت فكرية أم سياسية، وسواء أكانت في تحديد تكتيكاته أم في فهم العلاقة بين التكتيك و الإستراتيج، أم في النشاط اليومي لرفاقه. وليس غريباً أن يرتكب الحزب أخطاء معينة في هذا المجال أو ذاك أو في هذا التحالف أو ذاك، وقد ارتكب الحزب فعلاً تلك الأخطاء. ومن كان في قيادة الحزب في فترة ما، وأنا منهم أتحمل مسؤولية تلك الأخطاء كاملة غير منقوصة. إذ من غير المعقول أن يتبرأ الإنسان منها وهو الذي كان يساهم في رسمها، خاصة باقر إبراهيم الذي كان يحتل لسنوات طويلة عضوية المكتب السياسي والشخصية المسؤولة عن التنظيم في الحزب ومسؤول سكرتارية اللجنة المركزية).
وهكذا صار من ابرز مهام الحزب، صيانة التنظيم وتطوير مهماتنا الرئيسية في الميدان التنظيمي والحزبي. وأكد الحزب على إن كل اجراءات وتوجيهات الحزب السابقة في انتقاله الى العمل السري ضرورية وينبغي اغناؤها بتجرية الجماهير ورفاق الحزب واصدقائه الذين بفضل اصرارهم الثوري البطولي على مواصلة النضال، استطاعوا ان ينوعوا ويبتكروا اساليباً جديدة للعمل السري عجزت امامها اساليب العدو الارهابية الماكرة. كما أكد على ان تقوية الانضباط الحزبي الحديدي مهمة دائمة في التثقيف والممارسة العملية، وضرورة اليقظة العالية ازاء كل التسلكات التي تخل بالانضباط الحزبي وتتسامح ازاء الليبرالية والثرثرة والتصرفات اللاتنظيمية، وشحذ اليقظة ازاء نشاطات العدو التخريبية ومحاولات النيل من قلعة حزبنا واحداث التخريب داخلها.
عمل الحزب الى ايجاد البيوتات السرية لرفاق التنظيم من عوائل الحزب، وخاصة للكادر الحزبي، وادخل الرفاق في دورات حزبية خاصة للحفاظ على وثائق الحزب وبريده وغير ذلك، و كانت الأجهزة الأمنية قد درست الطرق التي يستعملها الحزب للحفاظ على الكادر .
وفي معرض توجيهاته الى اعضائه، دعا الحزب الى الإلتزام العالي بالضبط الحزبي وقواعد سرية العمل والمركزية الديمقراطية، بإعتبارها تدابيراً ضرورية وفعالة في اليقظة تجاه النشاط التخريبي، مؤكداً على أهمية ملاحظة ان مصادر العدو لا تقتصر على دس او شراء العملاء، بل والسعي للاستفادة من العناصر المتسيبة والثرثارة والمهزوزة، واستثمار تصريحاتها وتلميحاتها التي تكشف الاسرار الحزبية، وبذلك تقدم شاءت ام ابت خدمة هامة للعدو .
يقول عضو اللجنة المركزية جاسم الحلوائي الذي بقي اخر قيادي (كما ذكرنا انفا) في الداخل لمتابعة تنظيمات الحزب (كانت ابواب المقر في ايامه الاخيرة مغلقة. وكان الرفيق الوحيد الذي يخرج لشراء بعض الحاجيات هو الرفيق ابو سمرة (توفي في كردستان في كلي هسبه/العمادية 1986). الذي ابدى استعداده للبقاء في المقر وكان له ذلك). ويضيف الرفيق الحلوائي (بقي على اتصال بي في الجريدة لبضعة ايام لحين استلام السلطات الاسلحة النارية الخفيفة المعارة لنا لحراسة المقر، وبحضور الرفيق عبد الرزاق الصافي، اغلق ابو سمرة المقر وسافر مع رفيق له الى كردستان).
وقد غادر الالاف من اعضاء واصدقاء الحزب الى الخارج وتشتت التنظيمات الحزبية التي زاد عدد افرادها عن الخمسين الف. وورد في محاضرة القيت في دورة ضباط الأمن البعثي، اقيمت في مديرية الأمن العامة بتاريخ 24/3/1989 ان أعضاء الحزب الشيوعي العراقي اصبحوا ، إما متهم هارب خارج القطر أو مختفي ومستمر بالتنظيم سرياً داخل القطر أو مسقط من قبل الأجهزة الأمنية والمنظمات الحزبية، أو ملتجأ الى المنطقة الشمالية، أو ترك الحزب الشيوعي لاي سبب كان. وفي خضم الحملة المسعورة للنظام واجهزته الأمنية، حصل الحزب اشكال الدعم والمساندة الأممية والتأييد من القوى الخيرة المعادية للرجعية واساليب الفاشية. وتشير وثيقة التقييم الى (صمود الحزب بوجه عام بوجه هذه الضغوطات وانعكس ذلك في موقف المعارضة الوطنية اتجاه حزبنا اثر الاعمال الفاشية التي اقترفتها الطغمة الحاكمة ضده وضد انصاره، وكذلك في اشكال الدعم والمساندة والتاييد الذي ابدته اغلب الحركات والأحزاب في حركة التحرر الوطني في البلدان العربية وموجة التأييد من لدن الحركة الشيوعية والعمالية العالمية.
يذكر عدنان عباس عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي (1970-1985) والذي كان مسؤولا عن تنظيمات الحزب الشيوعي في اليمن الديمقراطية (1979-1982) حول التضامن مع الحزب في تلك الفترة ما يلي:
"حدثني الرئيس اليمني على ناصر محمد عن لقائه مع احمد حسن البكر وصدام حسين وكيف إشتكوا له من مواقف الحزب الشيوعي العراقي، الذي يتهم البعث بأنه حزب البرجوازية الصغيرة ويشكك بقدرته على بناء الاشتراكية، ويعمل على الفصل بين قيادة البكر وصدام لغرض الفرقة، بينما يرى صدام بأنه مكمل للبكر (القائد البكر والنائب صدام). وإشتراطهم للمحافظة على التحالف بتجنب هذه الطروحات والإقرار بقيادة البعث وكونه حزب وحدوي واشتراكي. كان موقف علي ناصر في حينها هو دعم الحزب الشيوعي والتضامن معه مطالبا بوقف الحملة الموجهة ضده. وقد طلب الرئيس على ناصر مني نقل موقف صدام هذا الى قيادة الحزب".( نتيجة لهذا الموقف التضامني مع الحزب الشيوعي العراقي تخلى صدام والحزب الحاكم في العراق عن توقيع الاتفاقية التي كان من المقرر الاتفاق عليها مسبقا والتي تبلغ قيمتها الخمسة ملايين دولار، حيث اخبر صدام الرئيس على ناصر بأنه لم يتذكر وجود مثل هذا الاتفاق، وكل ذلك بسبب الموقف المشرف للقيادة اليمنية من الحزب الشيوعي. وقد اخبرني الرئيس ناصر بانه قال لوزير الدفاع علي عنتر الذي كان يرافقه في هذه الزيارة فلتذهب هذه الاتفاقية في سبيل التضامن مع الحزب الشيوعي العراقي)
المصـــــــــــــــــــــــــــادر
-التقرير الصادر عن الاجتماع الاعتيادي الكامل للجمة المركزية للحزب الشيوعي العراقي (صيانة التحالف الوطني وتعميق المسيرة الثورية مهمة كل قوى شعبنا التقدمية في 10/3/1978
-كريم احمد (المسيرة- صفحات من نضال كريم احمد)2006 اربيل
عزيز سباهي عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ج3
-سيف عدنان القيسي-الحزب الشيوعي العراقي في عهد البكر 1968-1979
-سيف عدنان لقاء مع الدكتور كاظم حبيب
-ملفات الحزب الشيوعي العراقي في اروقة الامن العامة 1987
-عدنان عباس هذا ماحدث 2008
-جاسم الحلوائي-الحقيقة كما عشتها 2006
-صلاح الخرسان –صفحات من تاريخ الحركة الشيوعية في العراق 1993