الفصل الأول
المبحث الثالث
قيام الجبهة الوطنية التقدمية وبرنامجها السياسي والاقتصادي
ميثاق العمل الوطني
جاء الميثاق الوطني بعد المحادثات والمناقشات الطويلة بين الحزبين، حزب البعث والحزب الشيوعي العراقي. وكان مشروع ميثاق العمل الوطني قد طرح في 15 تشرين الثاني 1971 للمناقشة من أجل إقامة الجبهة الوطنية، فرأى الحزب الشيوعي فيه مشروعا جيدا يمكن أن يكون الاساس بعد تعديل بعض نقاطه.واهم النقاط التي إعتبرها الحزب الشيوعي إيجابية هي:
اولا. ان مشروع الميثاق من حيث مضامنيه واتجاهاته الرئيسية معاد للامبريالية، وهو من خلال ذلك يحدد اهدافا اساسية ملموسة للكفاح الوطني.
ثانيا. يؤكد المشروع على اهمية الاستمرار في توثيق التعاون مع الدول الاشتراكية.
ثالثا. يؤكد المشروع على الحل السلمي الديمقراطي للمسألة الكردية، وبأن بيان 11 اذار 1970 هو الاطار السليم لضمان الحقوق والتطلعات القومية المشروعة لشعبنا الكردي بما فيها الحكم الذاتي.
رابعا. يرسم المشروع برنامجا تقدميا للتحولات الاقتصادية – الاجتماعية. ويعتبر طريق التطور الراسمالي طريقا مرفوضا من الناحية المبدأية.
خامسا. يستخلص مشروع الميثاق في مقدمته بعض الاستنتاجات الهامة من تجارب الاخطاء والاخفاقات التي منيت بها الحركة الثورية في العراق والعالم العربي .
كما اعتبرت قيادة الحزب المشروع البعثي اساسا صالحا للحوار مثلما هو معروف وبدا الحوار حوله في شباط 1972 حتى تم الاتفاق على المشروع في 16 تموز 1973 .
واصدر الحزب بيانا حول المشروع أكد فيه على ثلاث امور أساسية لأعطاء المشروع مصداقية مناسبة:
- تصفية كل مظهر من مظاهر الاضطهاد ضد الجماهير ومؤسساتها السياسية (خصوصا احزابها السياسية).
- اطلاق الحريات الديمقراطية لجماهير الشعب وقواها الوطنية التقدمية، بما فيها حرية الأحزاب السياسية والجمعيات الاجتماعية والمهنية والنقابات وحرية الصحافة والراي والمعتقد وغيرها من الحريات الاساسية. على أن تحرر عملية اطلاق هذه الحريات من كل قيد قانوني لاحقا وأن تعطى أهمية خاصة للنص على حرية الأحزاب السياسية.
- اقامة النظام الديمقراطي تتطلب اقامة المؤسسات الدستورية ووضع الدستور الديمقراطي الدائم وانهاء مدة الانتقال في وقت محدد.
ويشير البيان الى أن إن هذه الامور يمكن الاتفاق عليها من خلال الحوار المباشر والهادف الى التوصل الى افضل صيغة للتعاون.
واتخذ كل حزب مواقفه على ضوء مفهومه الخاص للنقاط الاساسية في الميثاق. وتمسك حزب السلطة بموضوع قيادة الجبهة لأنه هو الذي قاد الثورة كما يصفها وهو الذي يمتلك الحق في السيطرة على مجمل المنظمات المهنية والنقابية، فيما تشبث الحزب الشيوعي بمفهومة الخاص عن السلطة السياسية والحكومة الائتلافية والجبهة الديمقراطية السياسية، وهو ماكان قد طرحه في مشروع الميثاق الذي قدمه في ايلول 1968. كما أكد على ضرورة الاعتراف بتعدد الأحزاب كظاهرة تاريخية في حركتنا الوطنية وحياة البلد السياسية وبتحالفاتها في اطار جبهة وطنية تتسع لها جميعا، وبقيام مجلس وطني منتخب بالإقتراع العام المتساوي المباشر والسري، مجلس يتمتع بكامل السيادة وينتخب الحكومة المركزية التي تكون مسؤولة امامه، وان دور اي حزب سياسي كقائد للسلطة السياسية في الدولة، انما يقرره الشعب بنفسه من خلال التعبير عن ارادته في ظل الحرية السياسية. ومع ان التباين الجوهري بين الحزبين في هذا الصدد يضعهما على طرفي نقيض، فقد جرى الاتفاق على صيغ عمومية مشتركة بصدد طبيعة المرحلة السياسية .
ومن ابرز ماجاء في ابواب الميثاق نذكر:
- إن النظام السياسي الذي اقامته ثورة 17 تموز بقيادة حزب البعث الاشتراكي والذي يسعى لتحقيق الائتلاف الواسع بين القوى والعناصر الوطنية والقومية التقدمية، هو نظام ديمقراطي وحدوي.
- يضمن النظام السياسي كافة الحريات الديمقراطية لجماهير الشعب وقواها الوطنية والتقدمية، بما فيها حرية الأحزاب السياسية والجمعيات الاجتماعية والمهنية والنقابات وحرية الصحافة والراي والمعتقد وغيرها من الحريات وفقا للقوانين التي تشرعها الدولة.
- تمارس السلطتان التشريعية والتنفيذية طوال الفترة الانتقالية الراهنة من قبل المؤسسات العامة المنصوص عليها في الدستور المؤقت ويتم تشكيل المجلس الوطني وفق احكام القانون وفي ضوء الاسس الواردة في هذا الميثاق.
- تطبيق صيغة الحكم المحلي والمجالس الشعبية في كافة الوحدات الادارية في الجمهورية العراقية، ويكون لهذا المجالس حق الاشراف والنقد والمراقبة على اجهزة الدولة المختصة، وفقا للقانون الذي ستشكل بموجبه.
- تتحدد نهاية الفترة الراهنة بوضع الدستور الدائم واقراره بالاستفتاء الشعبي العام. وبذلك يعتبر هذا الميثاق مهمة اعداد مشروع الدستور الدائم من اولى مهمات المرحلة القادمة التي يتوقف عليها استكمال الشروط الموضوعية الضرورية لتوطيد النظام الديمقراطي الشعبي وبناء مؤسساته الوطنية.
- وفي مجال التعبئة الشعبية، اعلن الميثاق ان تنظيم الفلاحين والعمال والطلبة والمثقفين والنساء في جمعيات ونقابات واتحادات حق مشروع وضرورة وطنية اساسية وركن جوهري من اركان المجتمع الثوري الجديد.
- وفي مجال القوات المسلحة، إعتبر ان المهمة الاولى للجيش والقوات المسلحة هي الدفاع عن القطر وسيادته ووحدته الكاملة. وإن الجيش جزء اساسي من الشعب وفصيلة طليعية من فصائله المناضلة من اجل حريته وتقدمه في كافة الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولابد من ضمان تأدية الجيش لمهماته المقدسه في الحرب والاعمار وضمان التصاقه بالحركة الشعبية ومصالح الجماهير.
- وتناولت الابواب الاخرى الادارة والقضاء والمسالة الكردية والاقتصاد الوطني الذي اكد الميثاق اعتبار طريق التطور الراسمالي طريقا مرفوضا من الناحية المبدئية، علاوة على ذلك، انه عاجز عن تحقيق مهمات تحرير الاقتصاد الوطني وبنائه على اسس متينة وتأمين الرفاهية للمواطنين.
- وفي السياسة العربية، دعا الميثاق الى الاسهام الفعال والطليعي في حركة النضال العربي وفي تحقيق اهدافه التي تتلخص في بناء المجتمع الديمقراطي الاشتراكي العربي الموحد، وذلك بالتصدي الحازم لاية محاولة اجنبية تستهدف اغتصاب اي جزء من الوطن العربي.
ويشير عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي عبد الرزاق الصافي الى المساعي في توحيد الجهود مع القوى الاخرى اي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني فيقول:
في تشرين الثاني 1971 طرح البعث الحاكم مشروع الميثاق الوطني، كبرنامج لاقامة جبهة وطنية وراى الحزب الشيوعي انه مشروع يصلح للنقاش وابدى بشأنه ملاحظات تستهدف تحسينه لاقراره كبرنامج عمل للقوى التي تنتظم في الجبهة. وقد جرى التوصل الى جعله وثيقة جيدة فيما حوته من اهداف للعمل المشترك، وسعى الحزب الشيوعي الى اقناع الحزب الديمقراطي الكردستاني من اجل الانضمام الى العمل من اجل اقامة الجبهة، مؤكدا له ان وجوده الى جانب الحزب الشيوعي في الجبهة مع البعث سيجعل الحزبين اقوى في مجابهة تسلط البعث وسلوكه في التحكم بتقرير شوون البلاد، غير ان الحزب الديمقراطي رفض مناشدات حزبنا، بل لم يرضى بالتقارب الذي يتطور بيننا وبين البعث الحاكم، ونصح بعدم قبول عرض البعث لمشاركتنا بوزيرين في الحكومة الذي كان هو ممثلا بخمسة وزارء فيها وكل ذلك تم بتأثير جهات خارجية لم تكن تضمر لشعبنا بعربه وكرده غير الشر .
ويشير تقيم سياسية الحزب 1968 الى 1979، الى أحتواء (ميثاق العمل الوطني الذي جرى التوقيع عليه مع حزب البعث الى جانب النواحي الايجابية التي اتينا على ذكرها سابقا جملة من النواحي السلبية البارزة ومنها مايتعلق بالخطأ في تشخيص طبيعة انقلاب 17-30 تموز 1968 واعتباره ثورة، تعد مقدمات الانتقال للاشتراكية بقيادة حزب البعث، الذي يقود السلطة وهيئاتها الدستورية وفرض الموقع المتميز للبعث قي قيادة الجبهة، وجعل العمل السياسي في القوات المسلحة حكرا للبعث تحت ستار كونه مهمة من مهمات قيادة الثورة وحدها).
معاهدة الصداقة العراقية السوفيتية
ولكن حزب السلطة له تكتيكاته وخططه في كيفية التعامل داخليا وخارجيا، فقد عقد الاتفاقية مع الاتحاد السوفيتي في 9 نيسان 1972ووطد العلاقة مع بعض الدول الاشتراكية، ودعا الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردستاني للمشاركة في الحكومة، وَالحَ في طلب تعزيز التعاون مع الحزب الشيوعي بعد عقد معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفيتي والتي تضمنت التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والتقنية والثقافية ووقعها من الجانب العراقي رئيس الجمهورية احمد حسن البكر ومن الجانب السوفيتي رئيس الوزراء الكسي كوسيجين ولمدة تستمر 15 عاما. إن سياسة التقارب كانت نابعة من المصالح المتبادلة بين الجانبين وخصوصا ان العراق يبحث عن مرتكز قوي لمواجهة شركات النفط الاجنبية.
وزيران في الحكومة
وافقت قيادة الحزب الشيوعي العراقي على المشاركة في الحكومة بوزيرين. واعلن استيزار الوزيرين في 2 ايار 1972، بعد نصيحة قدمها رئيس الوزراء السوفيتي اليكسي كوسجين[1]، حيث صدر قي 14 ايار 1972 مرسوم جمهوري بتعيين مكرم الطلباني وزيرا للرأي وعامر عبد الله وزيرا للدولة.واعلن الحزب الشيوعي من خلال نشره داخلية ان اشتراك الشيوعيين في الوزارة قد ترافق بجملة اجراءات ايجابية، في مقدمتها، طرح مشروع ميثاق العمل الوطني الهادف الى اقامة الجبهة الموحدة.
***************************
المصادر
الوثائق التقيمية – تقيم سياسة الحزب1968-1979 ص69 اعداد علي محسن مهدي
رحيم عجينه الاختيار المتجدد
سيف عدنان القيسي ،الحزب الشيوعي العراقي في عهد البكر1968-1979
ص358 عن بيان الحزب الحزب الشيوعي العراقي27/11/1971
ميثاق العمل الوطني منشورات الثورة اذار 1972
سمير عبد الكريم اضواء على الحركة الشيوعية في العراق
عبدالرزاق الصافي شهادة على زمن عاصف
-نشرة داخلية للحزب الشيوعي العراقي صادره في 14/5/1972
[1]364 نفس المصدر السابق