بعد تلك الليلة التي نجا فيها من الموت، لم يخرج رحيّم من البيت في صباح  اليوم التالي . . لتقليب الفكر بما عليه ان يعمل و كيف عليه ان يُجنّب العائلة و الاطفال مخاطر اوقعهم هو بها بنشاطاته، خاصة و انه الآن يعمل ادارياً في معهد الفنون الجميلة، بعد ان صدر امر بنقله من العملية التعليمية الى الإدارية من دون سبب مقنع غير (بناءً على ماتقتضية المصلحة العامة)، و استلم مسؤولية مخازن المعهد و حساباته . . 

لم يخرج من البيت، و لكن بعد فشل محاولته بالتعلل بكونه مريض، حيث ارسلني قبل ذهابي الى المدرسة الى بيت موظفة الفنون (مزدانه) لعمل اجازة اعتيادية له كخطوة اولى كي يراجع طبيب، الاّ انها قالت ان ذلك ممنوع منذ شهرين، و لم تفلح محاولاتها التلفونية لذلك، بسبب صدور تعليمات مشددة بمنع الإجازات الأعتيادية . .

وصار صاحب طلب الإجازة الإعتيادية يعرّض نفسه الى انواع المساءلات التي تصل الى التحقيق السياسي والشك بـ (معاداة الجمهورية الفتية الخالدة) والإحالة الى الشرطة و الأمن بتلك التهمة . . فاضطر الى الدوام متأخراً بعد ان رتّبت له المحاسبة الصديقة (مادلين) حجة ادارية، في وقت كان فيه مسؤول الإدارة المسؤول عن ضبط الدوام للموظفين و طلبة المعهد (شاكر المفتي)، و هو من الموظفين المسلكيين السعيديين الواقفين بالمرصاد لليساريين من طلبة و عاملين رغم تعبير جميعهم المتواصل بتأييد الزعيم . . وفق قوائم مدققة من دوائر الأمن السعيدية المسلكية، او له و عبر صلات قوية بها . .

و بعد ايام و بينما كان رحيم راجعاً الى مكتبه من بناية احد المخازن . . . اخبره مساعده "عبد عبيد" قائلاً :

ـ استاذ رحيم . . هناك سيدة بانتظارك ! انها تنتظر في القاعة الكبيرة عند الباب الرئيسي للبناية !

ـ الم تخبرك من تكون او لماذا جاءت ؟ قد تكون طالبة من طالباتنا لديها طلب ؟

ـ استاذ . . من الواضح انها ليست من طالباتنا ! من ملابسها ومساحيق وجهها و موديل شعرها و و تنوّرتها البيضاء القصيرة . .

و بعد ان قدّر ماسيقوله لاحقاً . . قاطعه رحيّم قائلاً :

ـ الم تعطي اسمها كعادة الضيف القادم من خارج المؤسسة ؟

ـ نعم بعد ان سألتها قالت، انها شكرية . . ابنة جارتكم ام سناء . .

واخذ رحيم يفكّر :

ـ هل هي شكرية السفيهة التي كانت تعمل كاتبة في دائرة اسالة الماء ؟ ماذا تعمل هنا ؟؟ و من اين تعرف اني اعمل هنا ؟؟

جاءت شكرية بعد ان ذهب اليها عبد عبيد لتأتي معه، فقابلته و قالت :

ـ استاذ . . تشرّفنا بلقاءكم باعتباركم من انصار المرأة . . . والله من يوم مازارتكم د. نزيهة الدليمي صحبة الدكتور عبد الأمير ابن ؟ ابن ؟ بالمناسبة هو ابن من ؟

ـ . . اسمه دكتور عبد الأمير السكافي

ـ يعني آني مريضة مرض نسائي و اريده ان يكشف عليّ . . اشلون يمكن تحديد موعد معاه ؟

ـ والله كما اعرف . . ليس لديه عيادة.

ـ زين . . في بيتكم . . ؟

ـ في بيتنا ؟ والله و انت تعرفين اتصوّر . . بيتنا صغير واطفالي كثيرون وكلهم طلاب ووالدتهم معلمة ولديها طفلة رضيعة . .

ـ لعد كيف كنتم تجتمعون في البيت ؟؟ . . زلم و نسوان . . نازعين لابسين ؟! حتى بنت شيخ رشيد الحليوه طلعت كم مرّة من بيتكم و هي تعدّل تنورتها المبللة . . يمكن جانت توّها مخلّصه ههههههههاي بس مو علينا استاذ !! احنا نقرا الممحي . . بعدين شنو مخبوصين بقوانين مساواة و حرية المرأة ؟ الحرية شنو . . غير تدخين و شرب عرك و اكل المحرّمات، اني كلها اسويّها. الحرية مو معناها و تعني ان المرأة تنزع و تلبس بكيفها . . آني مستعدة هسه انزع كدّامك بس نزّل الستارة شوية !!!

ـ . . . . .

شحب وجه رحيم من تلك الكلمات الوسخة المفاجئة و الاخرى التي لا اساس لها من الصحة . . وتألم لحاله من محاولة جارة نتنة للتسيّد عليه ومن سلاطة لسانها، ومن خروجها على كل التقاليد الأجتماعية ابتداءً من زيارتها له في عمله و هو الذي لم يسبق له ان تحدّث معها او حيّاها، و لم يسبق لهما ان تزاورا كعوائل على الأقل !! وقرر ايقافها عند حدّها . . .

فقال لها و بصوت جاد و مرتفع قليلاً :

ـ شوفي ست شكرية !! ... ولو اني عرفت اسمك الآن فقط لأن لاسابق معرفة بيننا رغم اننا جيران ، ولكني اقول لك . . الزمي حدودكِ في الكلام والزمي الصدق فيه ! عن اية اجتماعات تتحدثين ؟ انت تعرفين جيداً اننا لم نأتِ من ثقب حائط، ولدينا عدد كبير من الأقارب رجالاً و نساءً يزورونا و نزورهم، واذا كانت زوجتي معروفة لكم من هي و من تكون في الأعظمية . . فانا من عائلة معروفة من صوب الكرخ من محلة "خضر الياس" وزوجتي تعرفيها جيداً . . بعدين شنو نازعين لابسين ؟؟ و تريدين تنزعين كدّامي ؟؟ ولج انتي ماتستحين ؟؟ يلله برّة ! . . برّة !!

اجابته بمباشرة و بهدوء ولاأبالية :

ـ رحيم . . لا تسويّ نفسك عصبي براسي . . انت لم تدعوني حتى لكأس شاي او للجلوس على الأقل . . اني ذاهبة . . ولعنة الله على الساعة التي قررت فيها ان ازورك !! عبالي شهم و ابن اوادم . . و اردت ان اراويك انا مع حريّة المرأة !!

وذهبت بعد ان مرّت على غرفة (شاكرالمفتي) . . !!  

بقي رحيم واقفاً وقد اصعقته المفاجأة و تزاحمت الأفكار في رأسه . . " هل هي صدفة ؟ قبل ايّام فقط حاول عزوّز دهسه بالسيارة، والآن تأتي اليه عشيقته شكرية خاتون و بكل سفاهه و تريد منه ان يعمل لها موعد مع دكتور عبدالأمير لأنها مريضة كما قالت ؟؟ ثم ماعلاقة ذلك بكوني من انصار المرأة وانها شاهدت د. نزيهة التي صارت وزيرة الآن، عند زياراتها لنا قبل سنوات في العهد الملكي ؟! لااعتقد ان الموضوع موضوع ذاكرة لطّفت بها الجو لتشجيعي على السعي لترتيب الموعد مع الطبيب . . . بعدين هي هاي حريّة المرأة ؟؟؟ تفو . . و الله من انعل ابوك لابو ابو اللي جابك علينا . .

و من زمان لم يزور بيتنا د.عبد الأمير ولم نلتق علنا في الأعظمية . . بل انه ترك البيت الذي كان يسكنه مع عدد من طلبة كلية الطب الثوريين . . ويسكن الآن و منذ تخرجه في مشتمل يعود الى بيت قريب على بيت ومجلس الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، لإهتمامه بحضور المجلس. مشتمل نقل اليه امه و اخته من النجف لتسكنا معه . . يمكن ان من كلّف شكرية بزيارتي يريد ان يعرف اين يسكن د. عبد الأمير الآن، والله يدري مايدبرون له ؟ ثم لماذا مرّت على غرفة شاكر المفتي بخروجها ؟؟ هل تعرفه او مرسلة من ناس لديهم مهمات معه ؟؟

الشك كبير بكونها مريضة فعلاً، لأنها تبدو كالحصان لا يبدو عليها كونها مريضة . . كل لهجتها في الأستفسار كانت تدلل على انها و كأنها تستنطق و تقوم بمهمة ما مطلوبة منها ؟؟ . . هل هي تحب فعلاً صديقي د. عبد الأمير، صعب تصديق ذلك من امرأة ساقطة بإرادتها . . و استمر بالدوران في حلقات مفرغة لاتنتهي من الافكار، و لكن توصّل الى ان المهم اخبار د. عبد الامير بذلك لينتبه، لأن يبدو ان شكرية علاقاتها بالامن متعددة .

. . . .   

بعد ايّام من نجاة الوالد من الدهس و صار حذراً في حركته و صار لايتأخّر حتى لو قطعوا من راتبه، و يعود للبيت من طرق اخرى كان يضطر لتغييرها يومياً و قبل غروب الشمس . . التقى محمد بأخيه برهوم و دار بينهما التالي :

ـ عزيزي برهوم تره صدك ما قاله رحيّم، انهم مقررين قتله لأنهم يكولون ان رحيّم يهودي، و قد فُصل من الوظيفة قبل سنوات بتهمة (شيوعي صهيوني خطير) !!

ـ ابو جاسم شنو هالخريط ؟؟ رحيّم من عائلة مسلمة بغدادية معروفة و تزوّج اصولياً من خالتنا سعاد وفق عقد اسلامي شرعي بشهادة اوراقه الثبوتية و بحضور خالته راجحة الملاية المعروفة و زوجة اخيه الكبير و كنت انا احد شهود الزواج . . اما (شيوعي صهيوني خطير) هاي كانت التهمة المرتّبة اللي فُصل بها آلاف اليساريين من اعمالهم الحكومية . . بسبب نشاطهم في مظاهرات العدوان الثلاثي ضد حكومات نوري السعيد . .

ـ هكذا كان مطبوع على جدول ورقة حكومية فيها الأسماء و التهم مقابلها . . و امام عدد من الأسماء علامة ضرب بالأحمر مخطوطة بقلم رصاص احمر . .

ـ اوراق حكومية مطبوعة ؟؟ انت شفتها بعينك ؟؟

ـ نعم !! صادرة من الأمن العامة . . اردت آخذ نسخة منها، رفضوا !!

ـ زين هاي عادة تكون سريّة و تخص أمن الدولة، منين محصّلين عليها و شلون ؟؟

ـ عزيزي برهوم و هاي بيناتنه الله يخليّك . . اللي افتهمته ان اعمالهم تجري بإشراف حكومي و شخصياً بإشراف (المقدم صالح مهدي عمّاش) اللي يعمل بالإستخبارات العسكرية، و هو يسكن في الأعظمية ـ محلة الحارّة المجاورة لمحلة السفينة، و يمكن هو اللي يزورهم بدربونة نجيّة الخبازة بملابس ريفية بين فترة و اخرى . . و صدر امر من الزعيم بتعيينه وكيل اداري لقائد القوة الجويّة

اليساري زعيم الجو الركن جلال الأوقاتي، و يعمل في مكتبه رغم انه ضابط مشاة و لا كفاءة او خبرة بالقوة الجوية لديه . . و يقولون انه يجيد اللغة الانكليزية و يتعامل مع جهات غربية يمكن شركات نفط و غيرها، و لذلك يتعامل بالدولار لأن ماعنده وقت للتصريف ؟؟

نقل برهوم ماسمعه من اخيه محمد الى رحيّم و تناقشا حوله و حول زيارة شكرية للقاء رحيّم . . . و توصلا الى ضرورة اليقضة و الحذر من جهة، و هل ان ذلك يجري في الأعظمية فقط او في عموم بغداد ام كيف ؟؟ و بعد يوم او يومين التقى رحيّم بـ د. عبد الأمير و عدد من الأصدقاء في مكتب المحامي كاظم الطائي في الكاظمية، و بتبادل معلوماتهم و مناقشاتهم حولها توصّلوا الى :

ان هناك خطة للبعثيين و القوميين للقيام بإغتيال العناصر اليسارية الأكثر نشاطاً، يمكن ان تكون للتحضير للقيام بعملية كبيرة لتغيير نظام الحكم و ستبدأ مع اعلان موعد انتخابات المعلمين التي ستدور في الايام القادمة، و المعلمين من الجنسين هم اكبر تجمّع جماهيري تقدمي بعد الطلاب . . حيث بدأ الصراع عنيفاً لتزوير الانتخابات و منع المعلمين اليساريين و المئات من المستقلين بالسلاح، منعهم من الإدلاء باصواتهم على القائمتين المتنافستين البارزتين : القائمة المهنية، الديمقراطية . . و قائمة الجبهة التعليمية الموحدة التي ضمّت البعثيين و القوميين و الاسلامويين . .

و فعلاً بعد يومين أُعلن عن اغتيال المدرّس المحبوب ممدوح الآلوسي مرشح القائمة المهنية في اعدادية الأعظمية للبنين، بضربه عدة مرّات بغطاء صندوق سيارته (الكبنك) و هو يفرغه من حاجات اشتراها لتوّه من السوق وقت غروب شمس ذلك اليوم . .

و سُجّل محضر بالجريمة التي اتُّهم بها صانع في محل يبيع الثلج عُرف اسمه الاول (عزّت) من الدّور و يلقّب بـ الدوري، و هو من ارباب السوابق في جرائم متنوعة . . و في تلك الفترة كان مسؤولاً عن توزيع جماعات من الشباب و الاطفال في تقاطعات الشوارع لضرب من كان يمرّ هناك بالبوكسات او بالحجارة او بالهراوات، من اليساريين او من ابنائهم و بناتهم . . . حتى عاد اخي مفيد في يوم من الايام مورّم الوجه لأنهم ضربوه بالهراوات، بسبب حمله ملصقات تدعو لإنتخاب القائمة المهنية، و عاد محمود ابن مزهر الى البيت، و هو مدمىّ بسبب حمله لصحيفة " اتحاد الشعب "، كان قد اشتراها من الكاظمية . .

في وقت انتشرت فيه محاولات الإغتيال في بغداد بحق الناشطين اليساريين، منها محاولتا اغتيال فاشلة استهدفت ابو الهوب، و قد ساعدت نقابات العمال على حفظ الأمن و الهدوء و انقاذ اليساريين و الديمقراطيين في محلات بغداد، حيثما امكن . .

. . . .

. . . .

في احد الأيام آنذاك قال المساعد في مكتب والدي في معهد الفنون الجميلة (عبد عبيد)، انه سمع من طلبة من المعهد ان البعثيين و القوميين يقومون بحملات اغتيال منظّمة بكل الوسائل و وفق جداول . . و ان القيادي الثاني في البعث (حازم جواد) جاء الى بغداد من مصر سرّاً و جلب معه كمية كبيرة لأول مرة بهذا الكبر الى بغداد، من رشاشات بور سعيد و مسدسات بينها كواتم اضافة الى قنابل يدوية،و صناديق كثيرة من العتاد . . و انهم رأوا او قدّروا تلك الشحنة عند وصولها الى دربونة احدى الخبازات في سوق الاعظمية القديم.   

و تأكّد نفس الخبر من محمد اخو برهوم من جماعات العالم السفلي في دربونة نجية الخبّازة، و قد ناقش الوالد و الجماعة و ماجاءوا به من اخبار، في بيت د.عبد الامير و توصلوا الى ان البعثيين يتهيأون لعملية كبرى لإسقاط الزعيم . . و اوصلوا تلك الأخبار الى المقدم سعدون الذي اوصلها بدوره الى المقدم ممدوح، العامل في المكتب المركزي للإستخبارات العسكرية . .

و قد وصف حازم جواد ما كان يحدث بعد عقود من السنين في مقابلته مع صحيفة (الحياة) اللندنية في (حازم جواد يتذكّر)، بانهم كانوا يستعدون لإغتيال عبد الكريم قاسم و قد تمت المحاولة في بداية تشرين الاول اكتوبر عام 1959 . . و انه جاء من مصر صحبة تلك الأسلحة و ان الأمين العام للحزب آنذاك فؤاد الركابي كان وراء ذلك القرار بموافقة عبد الناصر، وكانت الخطة تقضي أن يعقب نجاح محاولة الاغتيال تحرك ضباط بعثيين وقوميين و مدنيين مسلحين للإمساك بالسلطة . . (يمكن مراجعة محاضر جلسات محكمة الشعب بهذا الخصوص، و كراس فؤاد الركابي "الحل الأوحد" الذي كان يعني الحل الاوحد لإسقاط الزعيم الاوحد) . . اذن لم يكن الهدف احداث فوضى فقط، بقدر ما كان الهدف هو الإستيلاء على السلطة و تحطيم الخصوم بشكل مخطط . .

و هكذا هيّأ القيادي في البعث اياد سعيد ثابت مجموعة بقيادة عبد الوهاب الغريري، و تدرّبوا في مزرعة الرضوانية، و قد ضمّت المجموعة كوادر من الحزب و شقاوات . . كمنت في عيادة الدكتور البكري في رأس القرية منتظرة قدوم الزعيم من جهة باب المعظم الى الباب الشرقي في مغربية ذلك اليوم، و بوصوله الى النقطة المحددة، رمى الغريري قنبلة دخانية لتفريق الناس التي كانت تحيي الزعيم من جانبي الشارع . . و انطلق وابل من الرصاص من غدارات بورسعيد عليه . .

و كانت النتيجة ان جُرح الزعيم بعدة اطلاقات في ساعده و لم يفقد الوعي، و مقتل السائق (حرز) و جرح المرافق قاسم الجنابي الجالس جنب السائق و لم تكن هناك حمايات لسيارة الزعيم لا من الامام و لا من الخلف، وكانت السيارة ماركة شيفروليه صالون عادية و ليست مدرّعة، مصبوغة بلون خاكي ككل سيارات وزارة الدفاع  . . .

و بعد سؤال الجمهور المحتشد حول السيارة للزعيم، ماذا علينا ان نعمل ؟ اجابهم الى مستشفى دار السلام في العلوية، و كان الخبر قد انتشر كالبرق مؤدياً الى خروج عشرات الآلاف من سكّان المناطق المحيطة الذين احتشدوا للأطمئنان على الزعيم، و بعضهم حمل هراوات و خناجر للدفاع عن الزعيم و للانتقام من المجرمين . . من صرائف و مناطق الشاكرية و المجزرة و خلف السدة من جهة المستشفى، و كانت الناس في تزايد لاينقطع . .

احكمت القوات المسلحة سيطرتها على العاصمة بقيادة العقيد (احمد صالح العبدي) رئيس اركان الجيش و الحاكم العسكري العام، الذي كان موضع ثقة الزعيم . . في خطة دفاعية كانت مُعَدّة سلفاً كما تناقلت الانباء . . 

و بسبب القلق من تلك الحشود و مايمكن ان يحصل . . اصدر العقيد العبدي بياناً اوضح فيه ان (مجموعة من الحاقدين على سلامة الجمهورية و الزعيم الاوحد) حاولت اغتيال زعيم البلاد، الاّ انها فشلت و يتم القاء القبض عليهم و التحقيق معهم، اضافة الى اعلانه ضرورة الهدوء و منع التجوّل في بغداد من ساعة اعلان البيان الى صباح اليوم التالي . .

و فيما جُرح اثنان من المهاجمين و قُتل مسؤول المجموعة الغريري (برصاصات خطأ من الشقي صدام، كما قيل) و تُركت جثته في الشارع . . الجثّة التي كانت مفتاحاً لتشخيص من و ماهية الفاعلين، سواءً من تشخيص الجثة او من الوثائق و الاوراق المصاحبة لها . . و جرى تشخيص الغريري كأحد كوادر البعث و ان المعظماوي شاكر حليوة هو مسؤول الغريري الحزبي الذي القي القبض عليه في الحال و اقرّ و تحدّث بتفاصيل عن العملية و اشخاصها، و تم اعتقال ماقارب الـ 60 شخصاً في الأعظمية من كوادر و مؤيدي البعث، فيما احكمت القوات المسلحة سيطرتها و نقاطها التفتيشية على الاعظمية  . . 

في وقت وَضَعتْ عدد من منظمات الحزب الشيوعي العسكرية، وضعت نفسها في حالة انذار للتدخل سواءً لحماية الزعيم او للسيطرة العسكرية على الحكم، كان ابرزها المنظمات التي كانت بقيادة ضباط الدروع الذين كانوا يقودون كتائب مدرّعة في ابو غريب و في التاجي: العقيد سلمان الحصّان و الرئيس الاول خزعل السعدي . . كما انتشر حينها.

في زمنٍ امتلأ فيه الضباط و خاصة الشباب بمشاعر ان بإمكانهم تغيير السلطة او السيطرة عليها بعد نجاح ثورة يوليو المصرية ضد الملك فاروق بقيادة الضباط عام 1952 . . و النجاح الباهر لثورة 14 تموز 1958 ضد الملكية بقيادة الضباط الأحرار . .

لقد ادىّ فشل المحاولة و الاعتقالات الواسعة التي جرت في الاعظمية، ثم المحاكمة العلنية للقائمين بالعملية في " محكمة الشعب " و الاحكام الثقيلة التي صدرت بحقهم . . ادّت كلّها الى تحوّل الاعظمية الى حالة من الهستيريا، بين تحديّ اكبر للسلطات و بين مهاجمة من بقي فيها من الديمقراطيين و اليساريين . . و اخذنا نتجنّب المرور في الشوارع و المحلات و الحارات الاكثر تطرفاً فيها، حذراً من اعتداءات مجرمين او من صبيان وجّهوهم للقيام بتلك الاعمال بحق اولئك الاشخاص و عوائلهم، وفق تشخيصات عينية بالمشاهدة و التأشير . . فكانت شهور قاسية فعلاً.

. . . . .

. . . . .

ذات خميس و كنت عائداً من المدرسة فرحاً، لأنهم وزّعوا النتائج الامتحانية ذلك اليوم و كنت الاول على الصف، و مرّ مدير المدرسة عليّ لتهنئتي في الصف و لدعوتي الى احتفالية ستقيمها ادارة المدرسة للطلاب الأوائل على صفوفهم في الايام القادمة . .

مررت في سوق الاعظمية القديم المسقوف و انا متعجّب من نظرات اغلب البقالين الثابتة الجادة الصامتة المصوّبة نحوي . . لم تكن نظرات تهنئة على النجاح و التفوّق ابداً . . كانت نظرات جادّة عن عن شئ كبير حصل، ممكن للعائلة او للوالد و الوالدة او لأحد اخوتي !!

خرجت من السوق الى الجادّة العريضة الموصلة الى بيتنا . . كانت الجادّة شبه خالية من الناس خالية من اية سيارة و ليست على عادتها . . صمت مطبق وسط نظرات هي ذات النظرات التي كانت في السوق القديم . . استمريت بالسير حتى شاهدت شخصاً ممدداً مطروحاً على وجهه و يتحرّك بصعوبة، اقتربت منه و انا احاول ان اساعده كيفما استطيع . . كانت الكدمات و الجروح السطحية تغطيّ وجهه الذي لم استطع تمييزه حتى عرفت . . انه ابي !!

كان ابي غارقاً بدمه !!!

صحت لا ارادياً :

ـ يابه ياب . . بابا !!

ـ هدئ نفسك حبيبي ! انا بخير . . حاول تساعدني على السير و سأدلك على الطريق، لاتخبّر ماما ابداً بما حصل ابني، انا بخير !

حاولت ان انهضه و اسنده للسير، كانت الدماء لاتنقطع من صدره او من اعلى بطنه . . سرنا بهدوء و ببطء وكنت ادع الوالد يستريح بين فترة و اخرى كما كان يطلب . . و هو يردد :

ـ انتبه ان لا نكون مُلاحقين !

ـ الشارع خلفنا خالي ؟؟

ـ بكره او بعد بكره تصير طبيب كما خططت ماما . . اهتم بالطيبين ! بالمناضلين في سبيل العدالة و الخبز و الحرية !

استمريّنا على مشينا البطئ . . . و قطعنا مسافة عشرة دقائق باكثر من ساعة، و الدماء مستمرة لم تتوقف رغم اني قطّعت قميصي و شددته على صدره و بطنه كما اوصى، على مكان النزيف الذي كان مختفياً بملابسه ذاتها !

ـ ابني وصلنا بيت د. عبد الأمير . . الذي لايعرفه احد، حافظ على السرّ.

طرقت الجرس، فتحت الباب ام عبد الأمير التي روّعت من رؤية الدم و صاحت و هي تولي وجهها الى الداخل :

ـ اموّري اموّري . . رحيّم جريح و ينزف !!

استقبلنا د. عبد الامير بهمّة و نشاط و بينما كان يفحصه، كان يسمعني و انا احدّثه كيف وجدت الوالد و كيف وصلنا كما طلب مني اخباره . .

ـ ابني ابوك بخير ! بس لازم ننقله الى المستشفى لأنه بحاجة لنقل دم و لعملية سريعة لقطع النزيف بسبب جرح عميق في بطنه . . السيارة حاضرة بس ساعدني لإسناده . .

    اعتداءات و آراء

   نقلنا الوالد بالسرعة الى المستشفى الجمهوري، و نفذنا من الباب الرئيسي المحروس بكثافة آنذاك، بسيارة د. عبد الامير بعد ان عرض للحرس هويته الطبية كطبيب و بعد ان تأكّدوا بأن هناك مصاب في الحوض الخلفي للسيارة كان يسند رأسه على ساقي . .

اتصل د.السكافي برئيس الاطباء المناوب طالباً الحديث مع الاستاذ الجراح د. خالد ناجي و تم الإتصال، و جاء د. خالد ناجي الذي كان ينام في المستشفى احياناً رغم كونه رئيس الاطباء المسؤول عن قسم الجراحة . . حيّا د. خالد السكافي و حيّا والدي الذي كان على معرفة به من ايام النشاط الشعبي لدعم مشروع د. خالد ناجي و اخيه د. اسماعيل ناجي في تأسيس العيادة المجانية للفقراء، و التي كان فيها الوالد من النشطاء البارزين . . أُدخل الوالد بعجالة الى صالة العمليات و بعد تجهيز الدم المناسب، علّقوه له و باشروا بعملية جراحية لإنقاذ الحياة من نزيف كبير.

بعد انتهاء العملية الكبرى التي استغرقت حوالي الساعتين، و بقاء الوالد تحت تأثير التخدير العمومي . . قال د. خالد للسكافي :

ـ عزيزي دكتور، كما تعرف اننا لانستطيع ابقاءه دون ورقة شرطة اكثر من هذه الليلة على مسؤوليتي، (حيث كانت ورقة الشرطة في حالة الإعتداء تُدخل المصاب بتحقيق سياسي يمكن ان يصل الى اعتقال المجني عليه ذاته) . . بتقديري تنقله غداً صباحاً قبل الساعة الثامنة اليك و عليك مراقبة حالته، و في حالة اية صعوبة تواجه ليلاً او نهاراً، اتصل بي و سأتي اليك . . بس انتم بَعَدكُم ساكنين  قرب بيت الشاعر محمد مهدي الجواهري ؟ و اني حاضر عزيزي !

ـ نعم استاذ سيبقى تحت رقابتي، و مكان اقامتي هو نفسه الذي زرتنا عليه قبل شهرين !

بعد توادعهما، استدار د. السكافي لي و قال :

ـ عزيزي، مبروك نجاح العملية !! عليك ان تذهب بسرعة الى بيتنا لتذهب والدتي معك، حتى تخبر ست سعاد ان الوالد سيبقى عندنا بضعة ايام لمجئ ضيوف اصدقاء من النجف . . انتبه ان لاتخبرها عن الحادث، سنخبرها بالتدريج عزيزي، عليّ ان ابقى الآن جنب رحيّم . 

وصلتُ بيتنا مع ام د. عبد الأمير و ابنتها و ذهبت فوراً الى الحمّام حيث استبدلت ملابسي التي تبقّعت بدم الوالد و كي لا اتعرّض الى تساؤلات والدتي التي كانت قلقة اساساً عليّ لتأخري في تلك الظروف، و كان دوام المدرسة ينتهي بعد الظهر يوم الخميس . .

و بشعور لم اعرفه و يمكن، بسبب قلقي على الوالد و ان لايبقى وضعه طيّ الكتمان هكذا، و كنت اريد ان املأ الدنيا صراخاً احتجاجاً على ماكان يجري، اخبرت اخي و رفيق عمري محمود بما حدث، و قال :

ـ لايمكن ان يمرّ الإعتداء على العائلة بصمت و الاّ صدّقني سيقتلونا الواحد بعد الآخر او يجرحونا او او او . . ضروري إخبار والدي مزهر بالحلّة و نشوف . .

ـ عزيزي محمود، ارجوك طلبوا منيّ ان لا أخبّر الوالدة فكيف إخبار والدك ؟؟

ـ والدي يعرف يتصرّف، صدّقني !

في تلك الليلة اتّصل محمود بأبيه مزهر في الحلّة و اخبره بما جرى . . سمع مزهر بالحادثة في نفس يوم وقوعها و تصرّف كما قرر هو من ضرورة، فاتصل تلفونياً بوالدتي لتطمينها، ثم زار بيتنا في ساعة متأخرة من تلك الليلة، مع اصدقاء طلب منهم الإنتظار في سيارة اخرى خارج البيت، كما قال .  .  و طمأن والدتي التي هي ابنة خالته، مجدداً، قائلاً لها :

ـ سعاد ! ابو مفيد بخير و سيعود اليكم  .  . ولا تقلقي يا بنت الخالة، بيتكم بأمان !! (و كان قد ابقى ثلاثة من اصدقائه المسلحين القادمين معه، جالسين على تخوت مقهى محمد غائب لحماية الدار دون علم احد) سأزوركم و ابقى عندكم عندما يعود رحيم اليكم . . و اذا اي امر، خدمة ؟؟ توصّلين كلمتين بيد محمود بس لجارتكم ام حميد بنت الجلبي .

ـ شنو الموضوع ابو محمود ؟؟

ـ عزيزتي خير الأمور ان يواجه المرء الحقيقة منذ البداية . . مجموعة سرسرية حاولوا الاعتداء على ابو مفيد و استطاع الإفلات منهم و قرر ان يبقى خارج المنزل بضعة ايام حتى تهدأ الأمور، و بالحقيقة انا اتفق مع رأيه و جاي حتى ابقى معاه و نشوف تاليها . .

ـ تسلم ابو محمود تسلم على صراحتك ! لأن ام د. عبد الامير اخبرتي بأنه سيبقى عندهم لمجئ ضيوف من اصدقائهم من النجف، و لم افهم القصة جيداً . .

. . . . .

. . . . .

في تلك الظروف زارتنا جدتي الحاجة أمينة و استطاعت ان تقويّ امي و تشد ازرها، كانت تبيّن لها ان رحيّم يسير على خطى والدها الشيخ فخري في عمل الخير و حبّ الناس، و لذلك الناس تحبّه و تحترمه و لذلك ايضاً يكرهه الأشرار و المجرمين و اللاعبين بقوت الفقراء و اليتامى، و بقيت جدتي في بيتنا لمؤازرة والدتي و بيّنت لها بالتدريج و بطريقتها ما يمكن ان يحصل للخيّرين . .  

و كان محمود يعاود والده يومياً صباحاً و مساءً لإعلامه بوضع البيت و العائلة، بينما بقي مزهر في بيت الجلبي القريب . . وبعد يومين او ثلاثة، استطاع الوالد ان يعود الى البيت ثانية بشرط ان يبقى مستلقياً في الفراش طيلة قرار الاستاذ د. خالد ناجي، و كان يعاوده يومياً د. عبد الأمير . . في وقت كان الوالد فيه يخفف من وقع الحادث علينا و يكرر : بانه حصل بسبب مجموعة اشقياء متخلّفين لا علاقة لهم و لا يعرفون بالسياسة . . ؟؟ و كان زوّاره الذين زاروه متسترين بظلام الليالي يخففون عليه، و كان اكثرهم يتفق مع رأيه بكون المعتدين اشقياء و لكن . . عليه الحذر ممن يحرّكهم.

في ليلة من تلك الليالي وفي ساعة متأخرة، جاء مزهر و المحامي فاضل من الحلّة و دخلا البيت بعد ان تركا احد المرافقين ينتظر في سيارتهم الجيب المدنية التي جاءا بها، و ركنوها قرب باب البيت . . دخلا وكان يبدو عليهما انهما كانا مسلّحين  . .  و بعد السلام و التحيات و السؤال عن الصحة و بعد شرب الشاي ، وضع " مزهر" مظروفاً تحت وسادة الوالد قائلاً :

ـ هاي هدية صغيرة من الأهل و من الربع .  .

و قال :

ـ اريد فقط ان تخبّرني من كان الفاعلين اذا شاهدت وجوههم ؟ واذا لم تشاهدهم فبمن تشكّ .  . لأنك بالتأكيد شفت هيئاتهم، طولهم عرضهم نبرة صوتهم، خاصة و ان الوقت كان وقت ظهيرة ؟ هسه انجيبهم الك يعتذرون و اذا ما قبلوا .  . والله و حق هذا الله .  . نجيبهم بالقوة و البادئ اظلم !

ـ  عزيزي مزهر، يحفظ لك محمود . . مثل ما اخبرتك، هذول مجموعة شقاوات من التافهين و ناس سائبة ، لا علاقة لها بالسياسة و مثل هؤلاء موجودون في كل محلات بغداد .  .

ـ لا يا ابو مفيد و احنا اللي نفتخر بيك و بمعارفك . . هذه سياسة !! هذه سياسة يتّبعوها بشكل منظّم ضد الحزب و مؤيديه و اصدقائه بالاساس، لأنه و بجماهيريته الكبيرة يشكّل السند الأساسي للجمهورية، و هم يعملون ضد كل القوى الديمقراطية لأنهم يعتبروها ساندة له . . يعملون بكل الطرق ضد الحزب لشلّه و ارباكه و لمحاولة القضاء عليه، كما يخططون .  . انهم يسعون باساليبهم هذه و عن طريق قتلة و اشقياء مأجورين و آخرين مدرّبين، لأسكات كل صوت وطني نزيه، سواءً بتهديده و محاولة قتله او باجباره على ترك معتقداته او او اجباره على تقويله لمعتقدات اخرى .  .

ـ خويه مزهر اذا رديّنا عليهم بالعنف ستتعقّد المشكلة اكثر و لن تنحل ، بل سيتسبب ذلك بمشاكل اكبر للحزب و للمحسوبين عليه ! و انا مسؤول عن عائلة تسكن هنا.

ـ صدّقني لا يسبب ذلك مشاكل للحزب ابداً .  .  بالعكس، بالعكس تماماً نحن في مجتمع يفهم التسامح     

والعفو فقط عند المقدرة، لأن العفو عادة عند المقدرة !! والاّ فلن يُفهم التسامح الاّ بكونه ضعفاً . . الأمر الذي سيزيدهم استكلاباً و سترى !

صدّقني !! احنا في المعامل و التعاونيات و المؤسسات التي ردّينا فيها عليهم باسلوبهم وحسب الظرف و الوقت طبعاً، صار الوضع هادئ لأنهم صاروا يحسبون لنا حساب جديّ، بل اخذوا يخافون من ممارسة مثل هذه الأعمال ضدنا !

ـ مزهر تريد اتسويّ الحزب . . جماعات تتعارك و تكون مستعدّة للتعامل العنيف فقط ؟؟

ـ لم اقل هكذا ابداً ، الحزب السياسي يتبارى بالسياسة الصائبة، التي تحتاجها و تريدها الناس و بنضاله من اجل نجاحها يحقق للكادحين مطاليبهم، فتحبّه الناس و تؤيده و تدافع عنه، واذا كان حزب كادحين فعلاً، فعليه ان ينظر لمصالح و حاجات و ظروف الكادحين ، وان يعلّم رفاقه و ينظّمهم على ان معركتهم صعبة و ان المتربصين به كثيرون . . بس اللي يتعدىّ عليه و يغتال رفاقه، لازم عليه ان يردّ، اذا لم ينصفه القانون ومن يقوم عليه من الحكومة .  .

زين انا اريد اتفق معاك برأيك . . و اسألك، هل تستطيع ان تشتكي عند الشرطة ؟ انا متأكّد انك لاتستطيع، لأن الشرطة ذاتها متفقة معاهم و ستعتقلك بتهمة الشيوعية .  .  مو صحيح لو لأ ؟

ـ يمكن صحيح . . لكني لا اريد ان اورّط الحزب بمشكلة بسببي !! الا ترى انهم باتباع تلك الأساليب يحاولون جرّ الحزب الى معركة، هم راسمين لها و مخططين لها . . 

ـ عزيزي دع عنك الحزب الآن .  .  انت مواطن جرى اعتداء عليه بهدف قتله بدون سبب واضح، في ظروف لايتطبّق فيها القانون . حيث لايكفي ان يصدر القانون، الشئ الأساسي هو امكانية تطبيقه . . صحيح ذلك من وجهة نظر المثقفين يو لأ  ؟

ـ صحيح .  .  بس اكمل لأني لم افهم ماذا تريد ان تصل !

ـ اقول حصل الأعتداء واهل المُعتَدى عليه يريدون ياخذون حقهم و الحكومة لاتوفره لهم، فيريدون على الاقل يردوّن على الإعتداء كي لايتكرر، لأن اذا ما ردوّا، هيبتهم و سمعتهم تروح  .  . و تلك الكلاب راح تستكلب اكثر .  . !!

ـ بس احنا مو في غابة !

ـ نعم !! بس هم بسلوكهم هذا و ماكو احّد يحاسبهم، سوّوها غابة  .  . و الناس ما تتحمّل مثل هالوضع، الناس لاتتحمّل ان يجري اعتداء عليها بسبب انحيازها للحزب و سياسته، و الحزب لايردّ . . والاّ راح تنذب تره برأس الحزب .  .  و تصير الناس تتحدث بان المذنب هو الحزب، لأنه ورّطهم ؟! . . شنو مثلاً ذنب المئات من الشجعان المشهود لهم اللي اغتالوهم بانواع الطرق ؟؟ . . مو راحوا بشربة مَايْ ! قتلوهم الجبناء بالغدر و الحيلة . . وصار عدد من ربعنا الصِداميين يقولون : خنّثنا الحزب، بهاي ممنوع و ذيج غير مقبولة، و هاي ينراد لها صبر .  .  والماي يسري والأمور تترتب بليل !

ـ مزهر ! لايمكن لحزب سياسي يدعو للحرية والديمقراطية ان يتصرّف كشقي . . وانما مهمته الأساسية بتقديري، انه يعمل على ربط الصراعات الأجتماعية الفردية والمحلية المحدودة بقضية اكبر . . .  هي قضية كل البلد وقضية اوساطه الكادحة و حقوقهم و حقهم بالحياة الكريمة مثل غيرهم . اعتقد احنا نناقش القضية من زوايا مختلفة . .  في المدينة نضال شكل و بالريف شكل ، وبين العمال و بين الطلاب شكل .  .  وبين اهل المحلة الواحدة شكل آخر .  .

ـ جا شنهي ، هو مو حزب واحد لو كيف ؟

ـ شوف ابو محمود ! نعم حزب واحد ! الحزب يضع السياسة و الخطوط العريضة لتنفيذها و منظماته كل واحدة تطبّق تلك السياسة الواحدة بالملموس حسب ظروفها و موقعها و دورها في المجتمع !! و بصراحة اسولف لك . . احنا في بلد غني بثرواته الطبيعية و مكان جاذب لمطامع اعتى القوى الكبرى في العالم، ولأسباب تأريخية كثيرة كنا و لانزال نعيشها، يعاني مجتمعنا من تخلف حضاري . . التخلف يترك اثاره على كل اهل البلد، وعلى تفكيرنا و سلوكنا . . والآن وبعد ثورة جبّارة ، يسعى ابنائه الى استحصال حقوقهم من الأجنبي الذي طيلة سطوته احكم تكبيل البلد باشكال متطورة من القيود . . اضافة الى القيود التي هو مكبّل بها اصلاً بسبب التخلف .

وهذه الصراعات التي يشهدها البلد هي بنت تلك الأسباب مجتمعة . واقول لك ، انا لم اتفاجأ بمحاولتهم ايذائي، بعد ان بدأوا بايذاء ابناء محلّتهم الأصليين من اهاليهم هم ، لأنهم يدعون مثلي للتحرر و الديمقراطية .  . كما هاجموا استاذ " كرامة الريّس" و اضطروه الى ترك عائلته وصار يسكن خارج المحلة ، ضربوا " حاجي نعمان الأعظمي " الشخصية الوطنية المحبوبة في وضح النهار، على كبر سنّه و امام داره واضطروه الى الأنتقال من المحلة و هو احد ابرز وجوهها، ضربوا ابنه " الدكتور عبد الصمد " و حاولوا حرق عيادته وهو الذي يعالج مرضى المحلة مجاناً، فانتقل .  . اضطروا " شيخ رشيد " العلامة الديني المعروف، وابناء الضامن الذين الأستاذ " عبد الرحمن الضامن " الذي هو منهم فكرياً و غيرهم و غيرهم . . و اضطرّوهم الى ترك المحلّة ، علماً ان اهالي المجني عليهم و اقاربهم الساكنين فيها لم يحرّكوا ساكن !

والآن و انا طريح الفراش ، لم يزرنا احد من اهالينا و اقاربنا الساكنين في المحلة، عدا النساء و هن يتحدّثن بالم عن خوفهن و خوف رجالهن على عوائلهم و اطفالهم . انا اشكرك من كل قلبي على عنايتك و على موقفك الجسور، ولكن الرّد بهذا الشكل مع كل شهامتكم، سيعقّد المشكلة اكثر .  . عندما اتشافى سأترك الدار و اعود اليها عندما تهدأ الأمور، و كما قلت انت : انها هجمة منظّمة ، و لكنها تزداد و تقلّ وفق الوضع السياسي، الذي لا بدّ وان ينحسم .  .  ثم لكل حادث حديث !

ـ لعد شكو مسويّن هالتنظيمات الكبيرة و المدنية و العسكرية . . حتى تنتظر و ماذا تنتظر ؟؟ صدّقني ابو مفيد و آني اللي شايف معارك و معارك و شايف البطولات و الخيانات و باقي بنقرة السلمان عشر سنوات و انت تعرف . . تره ماينراد نظريات و نقاشات اكثر من اللزوم . . حتى ابائنا و اجدادنا عرفوا ان يصلوا للحقوق و كيف يدافعوا عن الحق . . فالزعيم . .

ـ شنو علاقة الزعيم بالحادث ؟؟

ـ الزعيم يحب الفقراء ويعطف عليهم و وزّع عليهم اراضي و حاول و يحاول ان يرفع من شأنهم و سكّنهم في بيوت بلاش و فتح لهم (مدينة الثورة) ثم (مدينة الشعلة) اللي يستحقوّها  و هم عشقوه بكل الأشكال و رفعوه الى القمر . . بس هو كيف يحبّ الفقراء ؟؟ هل هو حب عذري لو شلون ؟؟ غير يكوّن منهم قوة حقيقية تحميهم و تحمي حقوقهم حتى  يستطيعون مواجهة قوات الخصوم اللي دا تتجمّع ضدهم و ضدّه، من : شركات النفط و عبد الناصر في الخارج، الى البعثيين و القوميين اللي اصابهم مسّ باوامر عبد الناصر، و الى الاقطاعيين و رجال الدين و بكوات العهد السعيدي : قوة و اموال و سلاح و غض نظر و دعم حكومي !! . . و الله يستطيعون يحطّمون اي بلد !

يعني بالسياسة مو بالعواطف، لا يرحم الفقراء و لا يخليّ رحمة الله تنزل عليهم، و لايهمّه ان يُضرب حزبهم حزب الفقراء او اي حزب يمثّلهم و يتشرّد مؤيديه، بل يغضّ النظر عن ذلك، لأنه لايحب الاحزاب و يخاف منها كإبن بارّ للجيش . . من هنا فالرد على الإعتداء ضروري، يعني على الاقل حتى يحترمنا و يفهمنا الزعيم، و خاصة انتم في بغداد . . و الاّ فمعناها احنا نجمع له التأييد و نخدمه بلاش من طرف واحد و بلا مقابل، و هو تاركنا و مايهمّه ما نعانيه و كل السلطة بيده !!

او انه يحب الفقراء و يحب ان يبقوا كجماهير غير منظّمة . . جماهير تصفّق له و تهتف له كزعيم أوحد ، بلا احزاب منظّمة تنظّم هذه الجماهير و تجعلها تستعد لمواجهة المخاطر المتجمّعة !! . . . و لا تنسى ان الحزب الشيوعي طرح مذكرة و كررها لمرّتين لكل الاحزاب اليسارية و الديمقراطية و القومية و الكردية، لتكوين لجنة تنسيق سياسية للتفاهم، و دعى الى " نعمل معاً " . . و لكن لا احد استجاب و لا احد ناقش او حتى بيّن انه مهتم بذلك على الاقل !!

التفت مزهر الى المحامي فاضل قائلاً :

ـ عزيزي فاضل احنا لازم نخبّر "محسن " حتى يعود لأهله ، لأننا ما راح نحتاجه بعد، لا هو و لا اخوته و ولد عمّه المسلحين، حتى يأخذون راحتهم .  . . ساتّصل به بالتلفون من بيت الجلبي على مكتب الدلال، حيث ينتظر  . . 

ثم التفت الى الوالد و هو يقول :

ـ قلنا لهم ينتظرون كاسناد النا في مكان قريب، لأن يجوز نحتاجهم !! 

قال  فاضل بعد سكوته الطويل :

ـ انا دائماً افكّر ، كيف استطاع مؤسس الحزب فهد ان يشكّل حزب واحد يضم كل العراقيين و بالأحرى فقراء العراقيين والداعين الى انصافهم و انصاف كل ضحايا القمع و القسوة . . بالدعوة الى التقدم و الديمقراطية و بالعلوم والمعرفة، عمال و فلاحين، طلاب و مثقفين، رجال و نساء . . اهل الريف و اهل المدينة، اهل البراري و الجبال .  .  عرب ، كورد ، تركمان ، يزيدية و آثوريين و كلدان و صابئة ، سنة وشيعة ، اسلام و مسيحيين، و ان يكوّن منهم قوة مادية حقيقية لاتستطيع الحكومات ان تتجاهلها . . . حزب منتشر في كل مكان و تنظر له اوسع الناس بثقة و بأمل، و تنخرط وتكافح من خلاله وتتّبّع اخباره و مواقفه، لأنه عرف يعبّر عن مطالبها و آمالها، و بالسير معها وفق درجة وعيها . . و في مقدمتها بفتحه آفاق العلوم و المعرفة و تطبيقاتها لها، بعيداً عن الاحلام و الخيالات في رسم صورة مستقبل خيالي لايتحقق . . و كيف اختاره رفاقه كقائد اتفقوا على ان يقودهم، و متى ؟ في الثلاثينات .  . و هو مسيحي كلداني !!          

ـ بلي، بس عزيزي كان ذلك في (زمن اللا) ، و ليس في (زمن اللا و النعم) !!

ـ و اشكَد راح نبقى في (زمن اللا و النعم) ؟؟ و الدنيا تتطوّر و تتغيّر بالأيام و يمكن بالساعات و وضع البلد بين المراوحة و بين العودة للوراء . . سفن الفضاء صارت اليوم تهبط على القمر المقدّس، و علاجات السرطان بدأت تظهر !!

. . . . .

. . . . .

و بتأثير تلك الأحاديث المريبة و المخيفة عن دربونة نجية الخبازة، حاولت انا و حفيد الخالة الكبرى فائقة : " سراج " ، وبدافع الفضول بعد ان سمعنا انواع القصص الإجرامية و غيرها عن تلك الدربونة المهملة التي لايدخلها احد بسبب الخوف من القتل او من الجن والأرواح الشريرة التي تهدد في الليالي كما انتشر بين الناس هناك ؟؟ . . الدربونة المعروف عنها انه سكنها احد الشحاذين، فيما كان شحاذ اخر اعمى يجلس في مدخلها للاستجداء و كان يضع نظارات عميان سميكة مغلقة اكتشفنا بعدئذ انه ليس اعمى . . !!

شاهدنا وبعد تقصّد و مراقبة عينيه الشيطانيتين، انهما كانتا حادتين حتى شاهدتا الحجر الصغير الذي رميناه باتجاهه بكل هدوء في احدى محاولاتنا لإختبار عماه، و التقطه . . و لا اتذكّر كيف قررنا، هل كان تحديّ ام هو اصراري على معرفة من يحاول قتل ابي، لأُخبر العزيز برهوم كي يتصرّف، بتقديري ؟؟ فدخلنا في ظهرية يوم صيفي لاهب الى ذلك الزقاق الضيّق الذي كان مدخله خالياً تماماً حتى من الشحاذ (الاعمى) . . . كان زقاقاً بارداً، ذا منازل قديمة مائلة الحيطان يحيطها سكون مثير للفضول بروائحه التي لم تكن كريهة كما كان معروفاً عن تلك الازقة المتروكة، والذي حمل اكثر من لغز، بدايته ان الدربونة مسكونة بناس و ليست خالية منسيّة . . !!

نبّهني سراج الى الباب المفتوح على مصراعيه الذي كان قبل سنين لبيت ـ عبود الأقرع ـ وكانت الريح تلاعب ستارته بشبه انتظام، انتبهنا الى اصوات منتظمة تشبه الصراخ او الضحك المكتوم قادمة من الطابق الثاني الواطئ للدار، و شاهدنا من زاوية وقوفنا . . ساقين عاريتين بيضاوين مرفوعتين الى الأعلى تتحركان بتقلص وانبساط او صعوداً و نزولاً، حيث كانتا تبدوان واضحتين من خلال شباك كبير مكسور الزجاج كان يقابلنا في الشناشيل الداخلية الواطئة . .

و سمعنا صوت رجالي كأنه كان يغنيّ :

ـ اوووو . . " طالعة من بيت ابوها و رايحة لبيت الجيران . . لابسه (الله) بصدرها و لاحكها قاسم نعمان " (المذيع القومي الذي اشتهر في ذلك الوقت) . . صدك مسكوكة حلوة و لايكه لـ هالصدر الليموني الحلو، ولج الف عافية . .

فجرّنا الفضول الى الدخول بحذر و نحن متخبّأين وشاهدنا بشكل اوضح ان هناك رجل وامراة شابة مستلقيين على سرير عريض . . كانا يبدوان شبه عاريين بسبب الغطاء الخفيف الذي كان عليهما والذي كان ينحسر عنهما ويعود لوضعه بحركاتهما النابضة التي لاتنقطع تحته . . كانا يتلاعبان وكانت الشابة تضحك ضحكاً يشبه الكركرات المكتومة حين سمعنا همسهما :

ـ اسرع !! لازم ارجع بسرعة !

ـ لاتستعجلي . . خليّنا منسجمين

ـ يمكن زوجي يأتي . .

ـ كيف ياتي ؟؟ هذه الدربونة و الله تخاف منها حتى الشياطين . . منين يأتي ؟

ـ لأني . . لأني . . تركت حطب التنور يشتعل ... و اذا لم ارتّبه مجدداً يمكن ان يتسبب بدخان كثيف يوسّخ الأول والتالي ، وانت . . تعرف السطوح !

ـ انتي  رائعة اخـ اه اه ... ااااا هــــ

ـ يكفي ! الا يكفيك . . مو خلّصت ؟ لأني لا استطيع بعد . . اخبرتك عليّ الدورة ..

ـ لاتخافين !! شوية استديري الى جهة . .

ـ آهــ . . واضافت بدلال :  . . لا شنو . . ؟ هههههه لالالا . . هيجي متوازي عليّ ؟؟؟

وفيما كانت تستدير وكنّا مأخوذين برؤية ثدييها الممتلئين الناشزين وهما يترجرجان . . شاهدنا وجهها الجميل الظاهر من خلال شعرها الداكن الكثيف . . ثم انتبهتُ الى وجه الرجل الذي ظهر آنذاك من خلف ردفيها، وشهقتُ بصوت لم يكن همساً :

ـ شوف سراج !! ولك هذا عزوّز !! . . ايا ابن الكلب  . . نذل و خابصنه بالكوفية البيضاء المقدسة و يخاطبوه و كأنه شيخ من صدك . . ابن كلب بدقائق مارس اقذر الاعمال المنافية للدين !!

ـ  .  .  .  .

وتسمّرنا حين سمعناها تصيح بما يشبه الفحيح بعد ان غطت وجهها :  

ـ آااااا ه ه ه ه شوووفـــــــــــــــــــ !! شوف !! شوف ولك شيخ . . هناك اشخاص !!!!    

فجأة رفع عزوّز رأسه وبانت عينه العوصاء وهو ينظر باتجاهنا من خلف ردفيها العاريين :

ـ ماكو احّد . . لا تخافين انتي صايره تتخيلين . . ساكمّل

و استمرّ . . حتى اخذت تنتفض بوجهها المغطى المواجه لنا و بثدييها المترجرجين الظاهرين من تحت الغطاء على طرف السرير . . 

ـ أهـــــــــــ . . . اهـــــــــــ

ـ شيخ آني كمّلت و احسن مما مع ابو الوِلِدْ . . و انت هسّه كمّلت ؟ !

نهض عزوّز و سلّم لها مبلغاً، قائلاً :

ـ هذي هسّه خمسة دنانير، انتي اليوم تطيّرين العقل !

ـ بالعافية عيني، و عالجايّات . . انشاء الله اجيب لك اخبار جديدة . . ؟؟

في ذلك الوقت قررنا الرجوع و الانسحاب من الدربونة بحذر عالي و اتفقنا ان اكون انا اول من يخرج بعد ان ادقق ان الدربونة خالية و على حالها في ذلك الصيف اللاهب، و يكون سراج التالي خلفي و بشرط بحذر عالي . . و اثناء الرجوع كنت اسمع اصواتٍ كالأنين او كما يصوّرون في افلام الرعب، حاولت ان اعرف مصدرها من جانب او من تحت ؟؟ و لم استطع رغم شبه تأكّدي بأنها اصوات بشرية و ليست جن و عفاريت كما يتناقلون في تلك المحلة القديمة . .

                 كان الناس في تلك المنطقة من الأعظمية يتناقلون بهمس و حذر، لخوفهم من عزوّز . . يتناقلون عن انه كان يبحث عن نساء شابّات يسهل عليه اصطيادهن، سواءً بالدين و الآيات او بالمال او بالجنس او بعضها معاً، و بعد اصطيادهن يهددهن بعمل مايأمرهم به و الاّ يفضحهن . . كما حصل مع سروال شكرية الذي وجدوه في سيّارته و صار الصدام الذي قُتل فيه منعم ابو الجاج . .

فكوّن عزوّز بتلك الطرق شبكة من نساء شابات عمل على غرسهن او على وصولهن الى بيوت اليساريين و الديمقراطيين، للقيام بأعمال تهدف الى فضحهم اخلاقياً او تؤذيهم، او نقل معلومات مهمة تسهّل اختطافهم او اسقاطهم، بعيداً عن القيام بأعمال سرقة البيوت او الاطفال التي صارت تُمارس لاحقاً . . فكانت العوائل شديدة الحذر من استخدام شابات للتنظيف او كخادمات منازل، او لرعاية اطفال، دون التأكّد من خلوهن من تلك المخاطر . . و بقدر ماكانت الناس هناك تخاف من عزوّز، فإنها كانت تحتقره و تكرهه !! (يتبع)

 

عرض مقالات: