هو من الأسماء الكبيرة الساطعة في سماء الصحافة العراقية، تميز بأسلوبه الصحفي الأنيق الذي يحافظ على المعلومة والأسلوبية البليغة، تنقل بين الصحافة البصرية والعراقية تألق أسمه في الصحف ومنها صحيفة الصباح، كما تميز بمهارته في المحاورات الصحفية.. وأيضا كتب الشعر وأبدع فيه.
وأنا اعد الاسئلة كنت قلقة، كيف لي محاورة استاذي شيخ الصحفيين الاستاذ عبد الأمير الديراوي؟ ثم ماذا لو اعتذر..
حملت اسئلتي واتصلت به.. اجابني بكل تواضع واعتزاز.
كما لو أنه يقول لنا جميعا كن متواضعا دائما وأصغ لسواك حين يحاورك، ولا ترفض محاورا بحجج واهية..
مع كل جواب نزداد وعيا بالمشقات التي تصادف الصحفي كما نرى الصحافة مسؤولية وتعمق ثقافي وإطلاع موّسع وخبرات تتراكم لتنتج نوعا جميلا نافعا في عالم الصحف الواسع..
- هناك مَن يرى أن التوّجه للإعلام لا يحتاج موهبة ً.. بل مكملات أخرى؟
ج 1-- لهذا السؤال شقين اولهما ان ليس كل الاعلام صحافة فالصحافة هي ملكة وليس عملا وظيفيا اما بعض مرافق الاعلام فالذي يعمل في الفضائيات لم يكن ملتزما بقانون الصحافة وأكثر عمله تقني أكثر مما هو فكري، فالموهبة مشروطة للصحفي الذي يمارس الكتابة كمهنة اساسية له ومع ذلك يحتاج للدراسة لتقدم علوم العمل الصحفي.
- مع كل هذه الوسائل التقنية، كم نسبة فاعلية الصحيفة الورقية؟
ج 2 -- أنا أرى بل اجزم ان البقاء للصحافة الورقية فلا تاريخ للصحافة الالكترونية بل هي زائلة لا محال، والدليل على ذلك هو عمليات التهكير واختفاء صفحات مهمة ولعبة سرقة الصفحات وغيرها فلا أجد الاهتمام الزائد بالإلكترونية سيجدي نفعا بل هي صيحة رغم منافعها وسرعة وصول الاحداث الينا لكن مصيرها للزوال. وسنعود للصحافة الورقية لا محال.
- كانت الصفحة الاخيرة في أي جريدة من أهم الصفحات
لماذا؟ ومن الذين يستحق أن يكون مسؤولا عنها؟
ج 3-- الصفحة الاخيرة في معظم الصحف اليومية هي صفحة منوعة وخفيفة، وعند دراستنا في جامعة عين شمس بالقاهرة كان تطبيقنا في السنة الاخيرة بجريدة الاهرام الشهيرة وجدنا ان المسؤول عن ادارة تحرير الصفحة الاخيرة هو الكاتب المعروف كمال الملاخ وبمعيته عشرة محررين من الاناث والذكور وكل واحد منهم متخصص بنوع معين من الفنون والأخبار الخفيفة ذات الفائدة والمضمون الجميل، وقد سألنا د.كمال الملاخ عن هذه الحالة فقال الصفحة الاخيرة فاكهة الجريدة فعندما يتعب القارئ من متابعة الاخبار السياسية والاقتصادية وأحداث العالم يلتجأ الى الاخيرة ل (يريح دماغه).وهذه هي الحقيقة .
عندنا كانت الصحف اليومية تنقل أحاديث القائد في التلفزيون التي تستمر لمدة ساعتين او أكثر على الصفحات الاول حرفيا مما يثير الملل في النفوس فترى القارئ يبدأ بمطالعة الجريدة من صفحتها الاخيرة متلذذا بأخبارها الفنية والطريفة. ذات مرة طلب مني رئيس تحرير الجريدة ان أرسل له خبرا طريفا ومثيرا ليضعه كمانشيت بالصفحة الاخيرة وبالألوان وقصيرا جدا وبعد تفكير تخيلت الخبر الآتي
(طفل صغير كان فرحا بطائرته الورقية وهو على سطح الدار حتى وصلت الى ارتفاع كبير ومر طير كبير والتفت أرجل الطير بخيط الطائرة الورقية ولم يستطع التخلص فوقع للأرض وسط فرح الطفل ونزل من سطح الدار ليحصل على الغنيمة لكنه شاهد أحد الصبية يسرع ليأخذ الطير ومعه الطيارة الورقية ويهرب بدراجته النارية فتحول الفرح الى حزن) وعندما صدرت الجريدة صباحا وجدت الخبر منشورا على الصفحة الأولى ومانشيت أحمر كبير فقد أصبح هذا الخبر أكبر خرق لموضوعات الصفحات الاولى المخصصة للأخبار الرسمية.
- أصبحت الأعمدة الصحفية، ذات مذاق واحد، وبلا بصمة؟
ماهي الأسباب المؤدية إلى تراجع البصمة الصحفية الخاصة لدى الصحفي؟
ج 4-- غياب كتاب الأعمدة الأساسيين المحترفين يشكل أبرز اسباب ازمة كتابة الاعمدة بعضهم غادر البلد بسبب الوضع والآخر اتخذ الصمت خوفا من التهديد لان كاتب العمود لابد ان يعالج قضية معينة او حدث مثير سواء في البلد او خارجه. اما الآن وبعد رحيل الكفاءات أصبح من يكتب العمود لم تكن له الرؤيا او التحليل الدقيق لما يجري فضلا عن الصحافة اليوم دخلها أناس من قليلي الخبرة والتجربة الصحفية الكافية لذلك نجد ان العمود الصحفي الان عبارة عن وضع صورة الكاتب بلا موضوع مفيد للقارئ. فكاتب العمود هو أبرز كتاب الجريدة يختاره رئيس التحرير الذي يتوسم في الكفاءة والمقدرة على التحليل ومتابعة القضايا الهامة.
- هل تتذكر أول مادة صحفية منشورة لك؟
ج 5-- نعم كان في جريدة الخليج العربي التي صدرت في البصرة عام 1964 نشرت موضوعا رياضيا وبعد نشر الموضوع اختاروني ضمن ملاك الجريدة.
- من كان معلمك الصحفي الأوّل؟
ج 6-- اقسم لك أنى لم اتتلمذ في بداياتي على يد صحفي آخر حيث برزت عندي موهبة الكتابة خلال الدراسة المتوسطة حيث كنا نصدر النشرات المدرسية لكني شعرت بحاجة لصقل موهبتي بالدراسة لذلك توجهت انا وصديق آخر للسفر والدراسة في كلياتها وهناك عرفت كثيرا عن مهنة الصحافة واقول مهنة لأنها فعلا كذلك فالمفكر العربي سلامة موسى يقول (الصحافة حرفة ورسالة) فالاحتراف يعني أصل المهنة.
- ما الذي يمنع الديراوي أن يصدّر كتابا يحتوي مختارات من مقالاتك الصحفية، ليدرسها الجيل الجديد؟
ج 7-- سؤال مهم بالحقيقة، وأنا اقول من الضروري جدا ذلك لكن هذا الأمر تحكمه العديد من العقبات اولها الامكانية المالية وعدم وجود دور نشر تتعاون مع الكاتب وتطبع كتبه، ومع ذلك لدي الآن تحت الطبع كتاب جديد تحت
عنوان: (حوارات في الفكر والثقافة والفنون) الذي يضم عشرات الحوارات مع شخصيات مهمة عراقية وعربية فضلا عن كتاب آخر بعنوان:
(بين الصحافة والتاريخ).
- لديك اهتمام مميز بالشعر الشعبي، هل الصحفي الديراوي، فوّت الفرصة على الشاعر الديراوي الذي في داخلك؟
ج 8-- نعم للشعر الشعبي والشعر الفصيح ايضا مكانة خاصة في داخلي وربما اخذتني الصحافة عنهما كون الصحافة مهنة المتاعب لكني لم اغادرهما بل بقي التواصل قائما ولدي كتابات شعرية عديدة لم تنشر والبعض الاخر منشور اسعى الآن الى طبع ديوان شعر فصيح والآخر شعبي. فانا ارى ان الكاتب الذي يجمع بين الشعر والصحافة ولم يقصر في كلتيهما فإنما يعبر عن مكنوناته في طريقة المعالجة في ايهما يستطيع التوصيل.
- كيف ترى مستقبل الصحافة العراقية؟ وأين النساء الصحفيات البارزات مثل: سلام خياط/ إنعام كجة جي؟ سالمة صالح.. / لمعان البكري ... وغيرهن...؟
ج 9-- لا أستطيع تحديد المستقبل للصحافة العراقية بعد كل التناقضات التي يعيشها بلدنا وعدم سيطرة الدولة على مجريات الحياة وغياب اصحاب التخصصات الصحفية فلا مستقبل معلوم في ظل الفوضى والكثير من الاقلام سكتت خوفا من المصير المجهول.
اما موضوع الصحفيات العراقيات سلام الخياط تعيش بالمنفى وانعام كجه جي صحفية قديرة عملنا سوية ببغداد تعيش في فرنسا حاليا وهناك صحفيات اخريات مثل مريم السناطي وناجحة كاظم وابتسام عبد الله جميعهن في المنافي خارج البلد. فعن اي مستقبل نتحدث.؟.
- صدر ديوانك الشعري بالتشارك مع الشاعر مهدي السوداني ونحن نبارك لكما هذا الإصدار نتساءل لماذا لم يصدر كتابك وحدك؟ ما هو سبب تأخرك كل هذه السنوات في تعريف القراء بالشاعر عبد الامير الديراوي؟
ج 10-- سبب التأخر اجبت عليه وإصدارنا المشترك هو للتقارب الزمني في الكتابة فضلا عن العلاقة الوطيدة بيننا رغم وجود فارق الابداع لدى الشاعر مهدي السوداني فهو شاعر يمتلك قوة المفردة وشاعر من العيار الثقيل. الوسط الشعري يعرفني شاعرا وصحفيا وقليل ما ارتقي المنصة لأقرأ قصائدي بحكم العمر لا غير.
- الصحفي الكبير عبد الامير الديرواي.. للصحافة، ما الذي لم تقدمه حتى الان؟
ج 11-- عرف عني أنى صحفي شامل اكتب المقال والتحقيق الصحفي والتقارير والأخبار ومقالات السياسية مشهود لها وكنت أتمنى أن اتواصل في كتابة التحليل السياسي لكني اتردد كثيرا عندما اشرع بالكتابة لأسباب معروفة ولهذا اشعر بالتقصير (القسري). لكني اتواصل بالكتابة واتجهت للحوارات الثقافية والفكرية والسياسية.
شكرا لكي سيدتي واعذريني عن الاختصار لان الاسئلة تثير في نفسي الكثير من الاجابات التي قد تسبب الاحراج.