لقاء مع الفقيد بهاء الدين نوري في بيته في السليمانية عام 2015

مع أولى ساعات يوم الأول من كانون الأول عام 2020، وافت المنية الرفيق بهاء الين نوري عن عمر ناهز الثالثة والتسعين في إحدى مستشفيات السليمانية جراء إصابته بجائحة فيروس الكورونا. ولد الفقيد في عام 1927 من أسرة دينية، وتعلم الكتابة والقراءة في الدورات الدينية. وتأثر في مطلع شبابه بالنزعات التنويرية والتقدمية والديمقراطية والتحررية التي شاعت في العراق، خاصة أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها. وانتسب لاحقاً إلى صفوف الحزب الشيوعي العراقي، ليتولى مسؤوليات في تنظيم فرع الحزب في كردستان العراق. وما أن بدأ الهجوم على الحزب الشيوعي العراقي في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، وما لحق بالحزب من خسائر جسيمة تمثلت في إعدام قادته وسجن العديد من كوادره وأركان تنظيمه، حتى سارع الشاب بهاء الدين نوري إلى التوجه إلى بغداد للمشاركة في جمع ما تبقى من عقد الحزب. وتحمل المسؤولية الأولى في الحزب، وشرع بإعادة بناء الحزب وتكدست لديه خبرة تنظيمية وضعت الحزب من جديد على سكة طليعة الحركة الوطنية العراقي في مطلع الخمسينيات. وبلغت مرحلة إعادة البناء حداً بحيث استطاع الحزب بناء الكادر الحزبي، والاستعداد لقيادة انتفاضة الشعب العراقي في تشرين الثاني من عام 1952. وأظهر بهاء الدين نوري مأثرة وشجاعة ومهارة متميزة كقائد ميداني في هذه الانتفاضة. وبعد أشهر من الانتفاضة، تم القبض عليه والحكم بالحبس المؤبد، ليقضي مدة خمس سنوات في سجن نقرة السلمان وسجن بعقوبة مع رفاقه الشيوعيين. وقد تحرر من السجن بعد انتصار ثورة 14 تموز عام 1958، وشارك في التركيبة الجديدة القيادية للحزب التي قادها الشهيد سلام عادل بعد انتصار الثورة.

بعد سنوات، وبعد تراجع الثورة عن مسارها، توجه الرفيق بهاء الدين نوري إلى موسكو للدراسة في أكاديمية العلوم الاجتماعية - المدرسة الحزبية العليا. وما أن حلت بالبلاد كارثة 8 شباط عام 1963، حتى استجاب الفقيد لنداء الحزب للعودة إلى العراق للئم جراح الحزب، وشارك في الدفعة الأولى من الفريق المكون من بهاء الدين نوري وفرج محمود وعادل حبه، بعد أن أنهى هو وعادل حبه الدراسة في أكاديمية العلوم الاجتماعية - المدرسة الحزبية العليا في موسكو. ولكن الفقيد أصيب بمرض عضال، وتأخر في عودته بعد سنوات. وجرى تكليفه بمهمة تمثيل الحزب في مجلس تحرير مجلة قضايا السلم والاشتراكية في مدينة براغ. وشارك بعد عودته في النشاط السري للحزب، ووقف بوجه الانشقاق الذي تعرض له الحزب وكان من أحد ضحاياه. وشارك الفقيد مع الرفاق عمر علي الشيخ ونزيهة الدليمي وعادل حبه في إحياء وإعادة بناء منظمة الحزب في بغداد بعد الضربة التي لحقت بالحزب في الشهر الرابع عام 1971 على يد حكم البعث.

وفي السنوات اللاحقة، استمر الفقيد في نشاطه الحزبي، وفي المدرسة الحزبية المركزية في بغداد، رغم عدم تحفظه على موقف الحزب في التحالف مع حزب البعث، ورغم ذلك أعيد انتخابه لقيادة الحزب في المؤتمر الثالث للحزب المنعقد في عام 1976. وأضطر إلى مغادرة العراق، شأنه في ذلك شأن غالبية قادة الحزب وكوادره، إثر تصاعد الحملة الشرسة لحكم البعث ضد الحزب الشيوعي وحملة الإعدامات في عام 1978، وتوجه إلى بلغاريا ثم العودة إلى سوريا والانتقال إلى كردستان العراق حيث ساهم في النشاط السياسي والعسكري للحزب. ولكن للأسف توقف نشاطه في الحزب في منتصف الثمانينيات لعدم اتفاقه مع نهج الحزب، وآثر العمل المستقل له وقيامه بنشر المقالات وبعض الكتب.

إن فقدانه يثير الحزن والأسى لكل من رافقه وعرفه، من أتفق معه أو من أختلف. ولكن بصماته على مسيرة الحزب تبقى ماثلة أمام المتابع لمسيرة الحزب النيرة والشاقة في آن واحد. إننا نشارك الألم والحزن بهذا الفقدان، ونتقدم لعائلته الكريمة زوجته وأولاده سلام وعلي وكمان وحياة وپري والأحفاد، ولرفاقه وأصدقائه ومعارفه، بأسمى آيات الصبر والسلوان.

عرض مقالات: