ولدت صبيحة الشيخ داود في بغداد سنة 1920، ودرست الابتدائية في مدرسة لم يزد عدد طالباتها على ثمانية نذكر منهن: باكيزة واصف، وصفية واصف، وحسيبة الشيخ داود، وسليمة خضر، ومديحة توفيق الخالدي، وعفيفة توفيق الخالدي، ومديحة صالح.
وقد لاقى التعليم النسوي آنذاك مقاومة ضارية مما حدا بوزارة المعارف الاعتناء بالدفعة الأولى من المتخرجات أمام انتقاد المحافظين، فمنحتهن عام 1934 حقوقا استثنائية للقبول في الصفوف الثانوية وأداء الامتحانات العامة.
كان والدها مدير للأوقاف ووالدتها ناظمة نائبة رئيسة أول تنظيم نسائي عراقي (نادي النهضة النسائية) وبرئاسة أسماء الزهاوي شقيقة جميل صدقي الزهاوي.
أرتفع عدد طالبات المدارس الاعدادية للبنات في مدرسة واحدة سنة 1929 – 1930 إلى 45 طالبة، وارتفع عدد الطالبات من سنة 1939 - 1940 إلى 2120 طالبة حتى وصلت اعدادهن سنة 1957 - 1958 إلى 12885 طالبة.

وفي أوج هذا الانتقال ألقت المرأة العراقية (بأصبع الديناميت) واعلنت بأنها لم تعد تكتفي بما اجتازته من مراحل الدراسة، واتمت صبيحة دراستها الثانوية في سنة 1936 وصممت أن تدخل كلية الحقوق وشجعها والدها الذي كان ذا مركز ديني ولكنه من أشد المتحمسين للمرأة المتعلمة، ووقف إلى جانبها لكي تدخل الكلية رغم أصوات الرفض والاعتراضات من قبل أحد المقربين منها وقوله:
(
أن قبول ابنتك في الجامعة سيثير الرأي العام، لم لا تنسى أن من بين الطلاب الحقوقيين الكثير من القادمين من الأرياف فلن يقبلوا وسيؤثر في سمعة أبنتك؟).
ولكن والدها أجاب: إن ابنتي ستدخل الكلية.
وذهبت برفقة والدتها إلى الكلية، خوفا من حدوث ما لا يحمد عقباه، ووجدتا الطلاب متجمهرين على جانبي الطريق.. فدفعتها بيدها وقالت.. أذهبي وحافظي على هدوئك.. وتقول {انتزعت البرقع عن وجهها وبقيت أتمسك بالعباءة وأشد عليها بيدي بقوة} ونجحت في تحقيق الغاية وهي دخول أول فتاة إلى كلية الحقوق ونجحت التجربة الاولى، وهي دخول فتاة مسلمة للتعليم العالي من أبوابه الواسعة والفتاة الوحيدة من بين 180 طالبا.
كانت أول فتاة عراقية تحطم حاجز الخوف وتحقق أرادتها وكفاءتها، وبدأت المباراة الحقيقية بين الكليات في قبول الطالبات، وهنا نذكر أن في دار المعلمين العالية سنة 1939 - 1940 كانت فيه طالبة واحدة وتخرجت، وفي السنة التالية أصبح العدد 11 طالبة، وفي سنة 1947 - 1948 ارتفع العدد إلى 62 والسنة الدراسية التي تلتها إلى 80 طالبة، وايضا في كلية الطب كانت فيها طالبة واحدة سنة 1939 وفي سنة 1956 كان العدد 12 طالبة، هكذا كانت المرأة العراقية صامدة أمام التحديات والعادات والتقاليد القديمة التي فرضت عليها القيود.
في نفس الوقت تحلت المرأة العراقية بمزايا عالية ودوافع ذاتية كريمة في كفاحها للتعليم والدراسة، وظهر جيل جديد قادر على تحمل العقبات والاضطلاع بمهام القيادة، وأن تحتل مكانتها بجدارة مثل مديرة مستشفى أو رئيسة قسم أو مشرفة تربوية، وقد برهنت الشواهد على انها عضو فعال في المجتمع رغم العقبات والتحديات التي تواجهها ولاسيما فيما يتعلق برفع الحجاب.
ومن الصدف الجميلة أن (نادي النهضة النسائية) قد أسس في نفس السنة التي ظهر فيها إلى النور (الاتحاد النسائي العربي) وبرئاسة هدى الشعراوي، وكان من بين المؤسسات الآنسة حسيبة جعفر، والانسة بولينا حسون صاحبة مجلة (ليلى)، وقد عملتا في هذا النادي بهدف توحيد شمل المرأة وتنويرها بواجباتها وحقوقها، حتى قوبلت هذه الدعوة بمجابهة عنيفة من قبل المتعصبين والمحافظين، وقد بلغ بهم إلى تقديم شكوى إلى الحكومة بالضد من هذا المنتدى الذي بدأ أعماله في 24 تشرين الثاني عام 1923 وكان مركزا اهتمامه على المحاور التالية:
فتح دور لتعليم الأميات.
القيام بخياطة الملابس للفقيرات.
القيام بتربية وتعليم عدد من اليتيمات.
انتصرت المرأة العراقية في مجال التعليم ضد الاصوات الداعية إلى حجرها داخل المنزل. وكان لشخصيات أدبية كبيرة دور في مساندة المرأة بالضد من ذلك، ومنهم الشاعر جميل صدقي الزهاوي، حيث يعيب الحجاب أيضا ويرجعه إلى العادات لا إلى الدين وقال:

منعوهن أن يرين ضياءً فتعودن عيشة الظلمات

دفنوهن قبل موت مُريح في قبور سود من الحجرات

إن هَذا الحجاب في كل أَرض ضرر للفتيان والفتيات

لَم يكن وضعه من الدين شيئاً إنما قد أَتى من العادات
وكذلك الشاعر محمد مهدي الجواهري نظم قصيدة يطالب فيها بتعليم المرأة وقد نشرتها جريدة العراق البغدادية عام 1929:

علَّموها فقد كفاكُمْ شَنارا وكفاها أنّ تحسَبَ العلمَ عارا

وكفانا من التّقهقُرِ.. أنّا لم نعالج حتى الأمورَ الصغارا

هذه حالُنا على حينَ كادتْ أممُ الغربِ تسبِقُ الأقدارا

أنجب الشرقُ جامداً يحسبُ المرأةَ عاراً وأنجبت طيارا

تحكم البرلمانَ من أمم الدنيا نساءٌ تمثلُ الأقطارا

ونساء العراقِ تُمنعُ أن ترسمَ خطّاً أَوْ تَقْرأَ الأسفارا

وكتبت فتاة غسان (الدكتور سامي شوكت):

أنكم تريدون ان تبقى المرأة على حالها، متذرعين بالدين والعادات، ولكنكم في الوقت الذي تفعلون هذا مع المرأة باسم الدين والعادات تجيزون لأنفسكم الزنى والميسر وشرب الخمر دون ان تحسوا في ذلك، ديناً وعرفاً
ورويدا فرويدا تعززت مشاركة المرأة في إطار التنظيمات النسائية، وكانت من الأوائل في العمل من أجل تحرر المرأة وأثبات مواهبها وقدرتها على حرية الحركة لتساهم في بناء مجتمع جديد.
شاركت صبيحة الشيخ داود في أول مهرجان أدبي سمي (سوق عكاظ) بدور الخنساء، فاعتلت ظهر الجمل وألقت قصيدة، وكان مهرجانا ممتعا وجميلا، وكانت قد لبست الزي العربي الاصيل، بعد معارضة من قبل وزير الداخلية آنذاك محمود رمزي الذي جاء لوالدها مع ثلاثة من رجال الشرطة من أجل منع مشاركتها كونها سافرة. ولكن والدها أجاب بأن ابنتي ستخطب غداً (القصيدة)، وقد مثلت صوت المرأة المتقدمة وعبرت عن نفسها وقدرتها وقوتها في أن تكون مثالاً للشابات في ذلك الوقت.
عام 1941 عينت بوظيفة (مفتش) في وزارة المعارف العراقية، وبحكم موقعها ساهمت في دعم الدعوة لتعليم النساء، من ثم كانت الداعية لفتح عدد أكبر من المدارس في بغداد والعراق.
وعام 1956 عُينّت (قاض) حيث كان هذا المنصب حكراً للرجال. وفي عام 1958 عينت (عضو محكمة الاحداث)، ومن أجل ضمانة حقوق المرأة العراقية، وتحقيق أهدافها والمطالبة فيما بعد بالحقوق القانونية والدستورية من خلال منظمات نسوية، حظيت بالمساندة من قبل صحف عراقية، فكانت أول صيحة بهذا الشأن هي التي أطلقتها الصحفية (بولينا حسون) عند اجتماع أول مجلس تأسيسي عراقي في مقالة نشرتها في العدد الصادر في 15 أيار 1924 عن مجلة (ليلى) التي كانت تصدرها حينذاك:
إن نجاح النهضة النسوية الناشئة منوط بخبرتكم وشهامتكم أيها الرجال الكرام، ولاسيما أنتم الذين تحملتم أعباء مسؤولية تأسيس الحياة الديمقراطية العراقية على قواعد عصرية راسخة في الحياة، وأنتم تعلمون أنها ليست حق الرجل فقط”.
في المؤتمر النسوي الشرقي الأول الذي عقد في دمشق الغام 1930، مثلت العراق السيدة أمينة الرحال، وكانت يومها طالبة بدار المعلمات والسيدة جميلة جبوري معلمة مدرسة البنات الرسمية. وقد ألقت في هذا المؤتمر أمينة الرحال كلمة دعت فيها إلى تحرير المرأة اقتصاديا، قائلة:
ان نظرية مطالبة المرأة بمساواتها بالرجل أصبحت سخيفة، لأن الظروف الاقتصادية هي التي فرقت بينهما على مر السنين والعصور”.
وفي المؤتمر النسائي العربي الذي عقد في بغداد عام 1932 ألقت مندوبة العراق رفيعة الخطيب كلمة جاء فيها: “ إن الدين الاسلامي لا يقف في طريق تعليم المرأة وتحررها، وان الديانة الاسلامية تذهب في هذا المعنى إلى مدى أبعد من أختها المسيحية”. وقالت “إن علة تأخر المرأة عندنا لا يعود إلى الدين، بل إلى العادات الاجتماعية، وفي مقدمتها السفور والحجاب.
كما ساهمت صبيحة الشيخ أحمد الداود في هذا المؤتمر واختيرت سكرتيرة له بعد ألقاء مداخلتها عن المرأة وحقوقها وأثرها في المجتمع ومشاركتها في تطوير وعي النساء.
وفي المؤتمر النسائي العربي الاول والذي دعت إليه الزعيمة المصرية هدى الشعراوي في القاهرة عام 1944 وهي المحاولة الأولى لتنسيق جهود المرأة العربية والعمل على تقرير حقوقها السياسية والمدنية. مثلت العراق فيه (مائدة الحيدري، ماري كونت أصفر عن الهلال الاحمر، وعفيفة رؤوف عن وزارة المعارف، وسانحة أمين زكي عن وزارة الشؤون الاجتماعية، وروز خدوري عن (جمعية بيوت الامة)، التي تحدثت خلاله عن المرأة والشؤون الاجتماعية.
أما المؤتمر النسائي العربي الذي عقد في بغداد عام 1952 فقد مثلت صبيحة العراق فيه، والذي افتتحته السيدة آسيا توفيق وهي رئيسة الاتحاد النسائي العراقي.

عرض مقالات: