من الشخصيات المؤثرة في المسيرة النضالية للحزب الشيوعي العراقي وفي المشهد الأدبي الابداعي الفقيد أمين قاسم خليل الذي ولد في مدينة الحلة العام 1938 لأسرة علمية، لذلك كان لهذه النشأة أثرها في تنمية ميوله الأدبية والفكرية، وتفوقه في مجالات عدة أهلته ليكون طلعة بارزة بين أٌقرانه الطلبة، فكان يشارك في النشاطات والفعاليات الأدبية التي كانت تقام في المدارس آنذاك، وما أن أنهى دراسته الإعدادية حتى التحق بكلية التربية في جامعة بغداد ليتخرج فيها مدرسا العام 1956، فكان له موقعه المميز بين التدريسيين وفي أوساط الطلبة، ملما بمادته متوسعا في معارفه يتميز درسه بالسعة والشمولية بما ينثره بين الطلبة من معلومات تنمي فيهم روح التطلع والمعرفة، وتغرس في أذهانهم المبادئ الوطنية التي كان للمدارس آنذاك أثر في تنميتها ونموها ورسوخها في أذهان المتعلمين، لذلك تميزت تلك الاجيال بسعة المعرفة والتطلع نحو الرقي، والشعور بالانتماء الوطني، فكانت أجيالا صاعدة في طريق البناء للدولة العراقية الحديثة البعيدة عن الأفكار التقسيمية لأبناء الوطن الواحد.
كان في طليعة الشباب الجديد الذي انتمى للحزب أواسط خمسينات القرن المنصرم، وأسهم في النشاط السياسي ومقاومة العهد الملكي، ما دفع السلطة آنذاك لنقله إلى خارج المحافظة لنشاطه الوطني رغم نفوذ والده تلك الايام.
وبعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 كان في طليعة المدافعين عن الثورة فأسهم مع لداته في لجان الدفاع عن سلامة الجمهورية إلى جانب نشاطه في التنظيم الحزبي والعمل النقابي.
بعد انقلاب البعث الفاشي في 8 شباط 1963 تعرض للاعتقال في سجون الحرس القومي، ومورست معه شتى أشكال التعذيب، وأحيل إلى سجن الحلة المركزي ليخرج بكفالة بعد انقلاب تشرين 1963 ويعود لوظيفته مدرسا للجغرافيا البشرية في ثانوية الحلة، ولمعاودته النشاط الحزبي أضطر للاختفاء وترك الوظيفة حتى انقلاب 17 تموز 1968 فأعيد إلى الخدمة أسوة بأقرانه من المفصولين السياسيين، وباشر عمله الوظيفي، وظل لصيقا بحزبه عاملا في صفوفه.
بعد قيام الجبهة الوطنية وفتح المقر في الحلة والعمل العلني للحزب عمل الراحل في المكتب الصحفي لمحلية بابل ومنطقة الفرات الأوسط إلى جانب مجموعة من الأدباء والمثقفين المعروفين أمثال رضا الظاهر، قاسم عبد الأمير عجام، ناجح المعموري، قاسم محمد حمزة، شريف الزميلي، أميرة الخزاعي، ضياء صلوحي وغيرهم، وكان عملهم مميزا وأغنوا الجريدة بالمواضيع الثقافية والاخبارية والسياسية فكان المكتب الصحفي في طليعة المكاتب الصحفية في العراق لما فيه من كفاءات ثقافية مميزة في نشاطها وقدراتها الابداعية.
وكان إلى جانب عمله في المكتب الصحفي ينشط في مجالات أخرى فهو من ضمن المساهمين في نشاطات اتحاد الطلبة واتحاد الشبيبة ومعه الشهيد قاسم محمد حمزة، وقاسم سلمان اللذان كان لهم الدور الكبير في تنشيط عمل الاتحاد، وأشرف على مكتب التوجيه العمالي الذي كان يقوده قاسم سلمان ومعه ناظم جاسم وعباس محسن وأنور قدوري، ومن المساهمين في الأنشطة الثقافية المختلفة سواء ضمن العمل الحزبي أو في اتحاد الأدباء في بابل وغيره من المنظمات الثقافية.
وكان من المهتمين بالنقد التلفزيوني ونشر العديد من المقالات في جريدة طريق الشعب في سبعينات القرن الماضي تناولت الدراما العراقية والأفلام التي يعرضها التلفزيون العراقي إلى جانب الشهيد قاسم عبد الأمير عجام وناطق خلوصي، وكان لمقالاته مكانها بين النقد الفني.
بعد تدهور العلاقات الجبهوية، أضطر إلى الاختفاء عن أنظار السلطة، في أماكن مجهولة غير معروفة لديها ما دفعها لإصدار حكم غيابي عليه ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة، واستمر اختفاؤه خمس سنوات حيث عاد للظهور بعد وساطات مؤثرة وجرى عزله من العمل التعليمي ليعمل موظفا في تربية بابل حتى إحالته على التقاعد.
وعند تقاعده قام بفتح مكتب استنساخ، حيث أسهم من خلال عمله في المكتب في نشر الثقافة اليسارية من خلال استنساخ الكتب الممنوعة وبيعها على معارفه والقريبين منه من الرفاق، وكان يحصل على الكتب الممنوعة من خلال علاقته بالمعنيين بالكتب في شارع المتنبي، وله دور كبير في توزيع هذه الكتب واشاعتها.
واستمرت علاقاته الخيطية بالشخصيات الشيوعية التي لم تستطع مغادرة البلاد منهم عبد الأمير الشلاه، ناهض الخياط، قاسم عبد الأمير عجام، عباس محسن، جعفر هجول، جاسم الصكر، وغيرهم.
وقبيل فتح مقر الحزب في بابل عقدت بعض الشخصيات الحلية التي لها توجهاتها المختلفة اجتماعاً في بيت الفريق الطيار المتقاعد رياض البياتي وهو من الشخصيات المدنية، فقام الفقيد أمين باستطلاع آراء بعض الشيوعيين حول حضور الاجتماع وما هي الرؤية الواجب طرحها، وعندما علم بذهاب الراحل جاسم حسين الصكر إلى الاجتماع أكتفى به لأنه سيطرح وجهة نظر الحزب، بعد ذلك أتصل به أحد الحاضرين طالباً وجهة نظر الحزب في ذلك وأن يقدم مقترحاته عن كيفية ادارة المحافظة، وعندها كتب الراحل أربع صفحات تضمنت وجهة نظره في الأمور الواجب اتخاذها وتم تسليمها لهم.
في هذه الفترة سعى لتأسيس المركز الثقافي الديمقراطي الذي يضم طيفاً من العناصر التقدمية واليسارية واتخذ من مبنى مديرية شباب بابل مقراً له وتم وضع لافتة بهذا العنوان.
ولكن بعد فتح مقر الحزب الرسمي التحق معظم الشيوعيين الذين تم الاتصال بهم - وهم يشكلون القسم الأكبر من التجمع- بالمقر واستغل المركز الثقافي العراقي لإعادة بناء المنظمات الديمقراطية والنقابات المهنية، مثل نقابة المعلمين ونقابة المهندسين، وكلف الفقيد بالدخول في الهيئة القيادية الأولى التي شكلت في بابل إلا أنه فضل البقاء خارج التنظيم للاضطلاع بمهام أخرى ساندة لعمل الحزب وجرى حينها تشكيل اتحاد نقابات العمال في بابل بالتعاون مع بعض العاملين في النشاط النقابي العمالي.
أسس المركز الوطني للحوار الديمقراطي مع أحمد الناجي، حسنية بنيان، الدكتورة ازهار جابر وغيرهم، وكان هدف المركز نشر الوعي الديمقراطي وثقافة الحوار، وأقيمت فعاليات مختلفة ألقيت فيها المحاضرات من قبل المعنيين بهذا المجال وحضر إحدى النشاطات الرفيق وضاح عضو المكتب السياسي للحزب.
وعند تشكيل لجنة تنسيق الأحزاب السياسية في المحافظة نسب ممثلاً للحزب فيها، وأسهم في إعادة بناء مجلس السلم والتضامن في بابل بدورته الثانية، وكان له اسهامه الفاعل في بناء اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي وكان راعيا وموجها له.
رحل أمين قاسم خليل وقد ترك أثرا في نفوس من عرفهم، وللأسف الشديد تبعثرت مقالاته في الصحف والمجلات ولم يضمها كتاب، وعسى أن تقوم أسرته بجمعها وطباعتها لتبقى أثرا بين آثار الراحلين.