هذا هو عنوان الكتاب الثاني للنصير الفنان عدنان اللبان بعد كتابه الأول الذي كان بعنوان ..صفحات أنصارية ..وهذان الكتابان يوثقان تجارب واقعية من ناحية الأحداث وأسماء الشخوص والأماكن التي جرت فيها ما عدا بعض التغيير لبعض الأسماء الصريحة ..يقع هذا الكتاب في 192 صفحة من الحجم المتوسط وصدرت طبعته الأولى عام 2015 بينما كان الكتاب الأول للكاتب قد صدر ونشر قبله بسنتين ..يضم هذا الكتاب ويوثق ل 24 حدثا وعدد من الشهداء والاحياء وجميعها حقيقية ولها قصصها المؤلمة ولها عذاباتها واحزانها ، وقد جرى التطرق اليها بأسلوب شيق بعيد عن المبالغة وباللغة العربية الفصحى ما عدا بعض  السطور كتبت باللهجة العامية والتي غالباً ما قيلت على السنة من تم ذكرهم في أحداثها والتي وقعت عليهم شخصياً وهذا الأسلوب كثيراً ما يحببه القراء العراقيون والذي أبدع في نحته هنا الأخ الكاتب بجدارة .. والذي بدأه بقصة او حدث أسماه الأوسط في صفحة رقم 6 ويتحدث فيها الكاتب عن نفسه حينما تخرج من اكاديمية الفنون قسم المسرح وأحيل بعدها الى العسكرية كجندي مكلف في كتيبة مدفعية مقاومة الطائرات ، وهنا يستعرض الكاتب بعضاً من المقالب المضحكة والتي كان يعملها لبعض من المنتسبين معه ومنها ..أنه في احد الأيام عمل لهم تبسي قام فيه بتقطيع نعال اسفنج وضعه مع اللحم والبهارات والتوابل المشهية حتى صار مذاقه طيب ومستساغ وأكله بعضهم ولكن أدى بهم للدخول في المستشفى ..!حادثة تعتبر من النوادر المضحكة لكنها فعلاً حدثت وتم كشفها بعد حين ..ولأن موقعهم العسكري في منطقة تسمى H3 وهي حدودية لذلك كان الضباط يقومون بشراء وبيع المسجلات والفيديوات والويسكي ومجففات الشعر وغيرها ويكون الجنود ومنهم الكاتب واسطة لنقلها الى أهلهم في الفلوجة او بغداد الجديدة ..ثم ينتقل الكاتب الى توضيح كيفية معرفتهم بانتمائه للحزب الشيوعي ..!في الأشهر الأخيرة قبل تسريحه وقلقه وخوفه من غدرهم به واعدامه الذي طال آخرين لكنه تسرح ونجا من بين القلّة التي لم تطالها يد السلطة حينذاك ..

ثم ينتقل الكاتب وبأسلوب شيق للحديث عن الشهيدة أم علي عايدة ياسين عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بقصة عنوانها هو.. أم علي والحلم المغدور ...! والذي يتناول هنا جزءا هاما من نضال وسيرة حياة الشهيدة عايدة ياسين مطر وما قدمته من خدمات كبيرة في سبيل حزبها الشيوعي وشعبها العراقي وختمه بطريقة تصفيتها المحزنة حينما أنقذت أحد رفاقها يوم 15 تموز عام 1980 ووقعت بيد عناصر من الأمن الذين حاصروها في الشارع...! ولم يعثر على جثتها لحد الآن ولم تسلم الى ذويها ...!

وتحت عنوان.. حيرة، يتحدث الكاتب عن حياة مخرج تلفزيوني شيوعي اسمه أكرم يلتجأ الى هنغاريا نتيجة الضغوطات عليه في مجال عمله بالعراق، وفي بودابست العاصمة لم يحصل على زمالة دراسية لاستكمال دراسته فيسافر الى لندن لغرض استكمالها بالإضافة الى حصوله على عمل هناك، ثم حينما أراد ان يقوم بإخراج عمل لفلم سينمائي عن أنشطة الحياة في السعودية.. يسافر اليها ولكنه يتعرض الى حادثة فيموت ويدفن في السعودية بعيداً عن وطنه وأحبته ...! ثم وفي قصة أخرى يتحدث الكاتب عن فترة اختفاء الشيوعيين وعملهم في شركة المانية في العراق وهنا يوضح سبب اختفاء زميلهم عبد الحسن الذي لم يعد بعد ان داهمت مفرزة من الامن مكانه وفتشته بدقة واستولت على حقيبة فيها وثائق حزبية شيوعية كانت تخص محلية الناصرية ...!

 وفي قصة بعنوان.. وشم في الذاكرة.. يتحدث الكاتب عن الحزب الشيوعي باعتباره خير معبّر عن طموح المحرومين ..وعن عمل الشيوعيين الشاق أيام الجبهة مع البعثيين ومن ثم تشتت شملهم ..فصديقه جواد مات منزوياً، وعلي اعتقل من قبل الامن العامة ولم يعرف شيء عن مصيره للآن بينما التحق آخرون بفصائل الأنصار في كردستان او غادروا مكرهين وطنهم الى الخارج خوفاً من السجن والاعدام بتهمة الشيوعية بعدما اشتدت الحملة التي قام بها البعثيين ضد الحزب الشيوعي في جميع محافظات العراق وخاصة بداية عام 1979، وهنا يستعرض الكاتب شهادات حية من واقع صعب ومرير عاشه أبناء شعبنا العراقي وخاصة الشيوعيين منهم والذين قدموا حياتهم قرباناً للمباديء السامية التي كانوا يحملونها بأمانة والتي بسببها تعرضوا للمضايقات والسجون والتعذيب والقتل بمختلف الوسائل، وهنا يشير الكاتب الى الفنان المسرحي الشهيد دريد إبراهيم بقصة عنوانها ..على قارعة الطريق وفيها يتحدث بألم عن محاربة البعثيين للفنانين ومنهم دريد وهو من عائلة شيوعية فقيرة من ناحية اقتصادية حيث انهم 6 اخوة و 5 اخوات توفى والدهم بوقت مبكر والشهيد دريد كان خريج اكاديمية الفنون قسم المسرح كما الكاتب ولكونه شيوعيا تم منعه من العمل في المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون وكذلك منع من العمل في الفرقة القومية للتمثيل ، لكنه استطاع ان يمثل في مسرحية الخان لفرقة المسرح الفني الحديث واختاره الفنان الراحل يوسف العاني لأداء دور الشخصية الرئيسية فيها ..ثم اختفى دريد وصديقه صباح كما الكثيرون عام 1979لكنهم يعتقلون وتضيع اخبارهم ثم يتبين انهم استشهدوا علماً أن عائلة الشهيد دريد قدمت أيضاً إثنين من إخوانه شهداء هما الأكبر قيس والاصغر قصي على يد أجهزة النظام الأمنية.

 ثم يتناول الكاتب صفحات جميلة من خزين ذاكرته المتوقدة عن رفاقه وأصدقائه ومعارفه في حكايات لها نكهة العراق وشعبه الطيب.. ويشير هنا الى مسرحيين في ذاكرة النضال ضد الفاشية ويتحدث فيها عن رفيقه ماهر الذي يتم اختطافه أواسط السبعينات من الشارع وبعد سنوات يعرف أهله أخباراً عن تصفيته واستشهاده ولكنهم لم يستلموا جثته ولا يوجد له قبر يزار من قبلهم ..!وينتقل الكاتب الى موضوع آخر بعنوان تهويمات تحققت بعد عشرين عاماً ..يحكي فيه عن نزول النصير أبو مناف وزوجته للداخل من الأنصار ومن ثم الإمساك بهما وزجهما بالسجن بحيث ولدت زوجته ابنهم البكر في السجن وكانا فيها ينتظران حكم الاعدام بهما ولكن وساطة احد شيوخ التكارتة تنقذهم وتقوم السلطة بالإفراج عنهم ...الخ من بقية القصة .

ثم يذهب الكاتب الى سرد قصص أخرى وحكايات عن عدد من اصدقائه الأنصار ومنهم النصير كفاح الأمين خريج جامعة موسكو قسم الصحافة وعن النصير أبو رشا خالد فضالة الذي مات بالسكتة القلبية وهو بين رفاقه بعد انسحابهم بسبب الانفال الى احد مقرات الحزب عام 1989..ويستعرض الكاتب بعض السطور عن احداث بشتاشان واستشهاد عشرات الأنصار الشيوعيين على يد مقاتلي الاتحاد الوطني الكردستاني معنوناً الاحداث ب ..مفترق الطريق ..!وينتقل للحديث عن الانفال وقيادة النصير كانة بي لقوة انصارية حقق لها النجاة من سيطرة السلطة وقبضتها بحيث تسلل بهم من خلال قوة للجيش العراقي وبطريقة اغرب من الخيال بحيث اعتقد الجنود ان هؤلاء هم جحوش !! ومروا بسلام ونجوا من موت محقق ...! وكانت معهم النصيرة نادية.. وفي حادثة أخرى بعنوان.. آلام كان يمكن تجنبها ...! يتحدث فيها الكاتب عن النصير الطيب أبو هند ورفاقه الخمسة الذين خرجوا من كردستان للعلاج والذين امسكتهم القوات التركية وسلمتهم للنظام العراقي والذي قام بسجنهم وتعذيبهم واراد ان يعدمهم لكنهم خرجوا من السجن بقرار العفو.. وهنا يوضح الكاتب معاناة النصير أبو هند مع رفاقه حينما استقر في السويد لعدم معرفتهم بموقفه داخل السجن في العراق وكانوا يتصورون أنه أعترف عليهم وتم اعدامهم ...! لكن الحقيقة كانت غير ذلك حيث خرج الجميع من السجن ولم يعدم أي أحد منهم وحول استشهاد سوسن والتي كانت معهم فإنما تم هذا بسبب نزول اختها الشهيد جميلة محمد من كردستان وجرى اعتقالهن واعدامهن عام 1985 وفي هذه الحادثة يتم رفع الحيف عن النصير أبو هند وهذه هي الحقيقة التي لا تقبل الشك.

وفي قصة أخرى يتحدث الكاتب وبشيء شيق عن قصص للنصير الفنان حمودي شربه والتحاقه بالأنصار ثم خروجه منها بعد لقائه بسكرتير الحزب الفقيد عزيز محمد الذي سأله.. لماذا تنوي الخروج من كردستان.. فقال له.. أنا ضايج وأريد أطلع ..! فاحترم صراحته ووافق على خروجه.. ثم يستكمل الكاتب بقية القصص والاحداث عن وجوه انصارية وجرائم يرفضها النسيان ووقائع كان يمكن ان لا تكون وبين عزيزين والقسم وفندق الشهيد وختمها ب. استشهد بانتمائه الثالث ...! وهذه القصص لا اريد ان اعطي نبذات مختصرة عنها كما فعلت مع غيرها بل أتركها للقراء الذين انصحهم بقراءة هذا الكتاب المهم والذي يعكس كما وضحت، هموم ومعاناة أبناء الشعب العراقي وخصوصاً الشيوعيين وبالأخص الأنصار ونضالهم الشاق من اجل الدفاع عن مصالح شعبهم العراقي لذلك استشهد منهم الآلاف مخضبين هذا الطريق بدمائهم الزكية، وحسناً فعل الأخ الكاتب الأستاذ عدنان اللبان حينما سمى هذه المجموعة القصصية.. وشم في ذاكرة الأنصار.. فهي وشم لن ينمحي أبداً..

عرض مقالات: