عاكف سرحان

نظمت الجمعية المندائية في ستوكهولم وبرعاية الإتحاد الصابئي المندائي في السويد، أمسية بعنوان "الحداثة في الشعر الغنائي العراقي/ زهير الدجيلي مثلاً، إستضافت فيه الكاتب والأديب فرات المحسن، وذلك على مقر الجمعية في ستوكهولم، بتاريخ ٤/٣/٢٠٢٠، بحضور جمهور من المهتمين بالثقافة والفنون.

أدار الندوة الأستاذ فوزي صبار مرحباً بالحضور ودعاهم لمشاهدة فلم "محطات" عن حياة الشاعر الغنائي المبدع زهير الدجيلي تناول سيرة حياته الفنية الإبداعية والسياسية وما تعرض له من المطاردة والسجون إضطره إلى مغادرة العراق في السبعينات نتيجة الهجمة والمضايقات من قبل النظام الدكتاتوري المقبور وعاش في المهجر إلى غاية وفاته،  وكذلك المطربين الذين غنوا قصائده، من إعداد وإخراج المهندس عدي حزام.

قدم صبار نبذة من البطاقة الشخصية للمحاضر الأديب فرات المحسن شقيق الشاعر زهير الدجيلي.

وتناول  المحسن في حديثه عن الحداثة والتجديد في كلمات الأغنية العراقية، نظرة تاريخية عن اللوحة السياسية وتأثيرها على وعي الجماهير والثقافة والمعرفة، من العهد الملكي مروراً بثورة ١٤ تموز وإنهيارها بإنقلاب شباط الأسود ١٩٦٣، ثم حكم العارفين، والى بدايات السبعينات بعد إنقلاب ١٧ تموز، مشيراً إلى الطبيعة الجديدة التي ظهرت في الأدب والفن في العراق لم تكن بمعزل عن الثورات الثقافية والعلمية والسياسية التي إجتاحت العالم مثل الثورة الطلابية في فرنسا والثورة الفلسطينية وظهور القوة السوداء في أمريكا، الإنتفاضة ضد التدخل الأمريكي في فيتنام، الثورة الكوبية وتشي جيفارا، الثورة الثقافية في الصين، وغيرها. لذا إمتازت نهاية الخمسينات ومن ثم الستينات  ومرحلة السبعينات من القرن الماضي بنهضة حداثوية إنعكست في العديد من مناخ الحياة العراقية، وكان لها تأثيراً قيماً في عموم الفنون وبالذات منه الشعر والغناء، وتمثل بظهور شكل جديد للألحان والجمل الشعرية، بدا منها واضحاً نمو وعي الناس الحضاري وتجدد الخطاب الثقافي والفني، لذا يمكن إعتبار فترة السبعينات هي الفترة الذهبية لإزدهار الآداب والفنون ومعها ظهر كثرة من شعراء غنائيين محدثين وملحنين خلاقين  منهم طالب القرغولي، كوكب حمزة، كمال السيد، عباس جميل، محسن فرحان، محمد نوشي، وآخرين. وأيضاً ظهر كتاب النص الغنائي مثل زامل سعيد فتاح، ناظم السماوي، جبار الغزي، عريان السيد خلف، كاظم إسماعيل الكاظم، ويمكن القول مظفر النواب، وزهير الدجيلي. وغيرهم. فالسبعينيات كانت حقبة إستثنائية شهدت تطوراً واسعاً كبيراً في تاريخ الأغنية العراقية.

وذكر المحسن بأنه كانت هناك أهمية وضرورة لتطوير أساليب وقوالب الأغنية بما ينسجم ويوازي الحاجة الموسيقية والغنائية للذهنية العراقية لتكون مواكبة ومنفتحة على الذائقة الغنائية، وهذا يتطلب ويستدعي وعي وإدراك عقلي وإحساس الشاعر الغنائي ومن ثم الملحن، ومعرفتهم بما يشتغلون عليه، وهذا ما قام عليه الرعيل الأول في عملية توليف أغنية عراقية تلبي حاجة المستمع، فالذائقة العراقية تريد غناءً عصرياً يواكب المتغيرات في العراق، شيء جديد جميل يلج الإذن والقلب وعبر مراحل تاريخية تحقق ذلك تحقق ذلك وتطورات الأغنية العراقية كلاماً ولحناً لتواكب المتغيرات على أرض الواقع ودائماً ما نرى جديداً ومتجدداً في طبيعة الغناء العراقي عبر حقب زمنية تمتد طويلاً منذ عصور بعيدة.

وتحدث المحاضر عن أحد رواد الشعر الغنائي المتجدد والمتأثر بتلك النهضة وهو زهير الدجيلي وهو زهير خزعل المحسن الدجيلي، حيث يعد بإمتياز مجدداً للأغنية العراقية، فهو صاحب المفردة المتماسكة المركبة الحديثة السلسة القريبة من روح العراقي، القصيدة المرمزة التي تجمع المحبوب بالوطن بعذاب الناس وأشواقهم المبعثرة بلهفتهم للتقرب والعيش السعيد، يمازج بجمالية شعره بقوة العزيمة والصبر وأحلام الإنسان واللهفة للقاء الحبيب الذي نجده دائماً مرمزاً بالوطن.

فزهير الدجيلي عرف كشاعر غنائي وسمي بأبو الأغنية العراقية الحديثة وهو يستحق هذه التسمية، وهو كاتب وسينارست أيضاً، فمع الكم الكبير من كلمات الأغاني الملحنة والتي غناها أغلب مطربوا الستينات والسبعينات مثل مائدة نزهت، فؤاد سالم، ياس خضر، فاضل عواد، سعدون جابر وآخرون.

وكان يعمل في مجال التلفزيون معداً للبرامج كاتباً للتمثيليات، فقد قدم للتلفزيون العراقي والخليجي العديد من التمثيليات منها وليس جميعها: مأمورية الزير، زقاق في العالم الثالث (تمثيلية تلفزيونية)، دمشق الحرائق (ثلاثية تلفزيونية تاريخية)، عبد القادر الحسيني (ثلاثية دراما عرضت في مهرجان فلسطين للتلفزيون وحازت على الجائزة الأولى). وكتب سيناريوا للعديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية منها على سبيل المثال: حلقات إذاعية باسم في المحاكم،  وحلقات تلفزيونية لمسلسلات طويلة، للحياة وجه آخر، أبناء الغد، وأغلب حلقات إفتح يا سمسم وكتب جميع أغاني المسلسل، وهو مسلسل توجيهي تربوي للأطفال.، المسلسل المروري سلامتك، موسوعة الحضارة الإسلامية، المرايا، وكتب أغناني المسلسل الكارتوني سنان ومسلسل الأمير ياقوت ومسلسل بسمة وعبدو وغيرها، وكتب سيناريوا لأفلام منها العم مطاوع. وكتب للصحف العديد من المقالات التحليلية الفنية والسياسية، فقد عمل في الصحافة منذ عام ١٩٥٧، وهو عضو نقابة الصحفيين منذ عام ١٩٥٩، وقد عرف أثناء فترة التضييق عليه بالكتابة في الصحف المحلية بإسم سالم السيمر، وعبود البيدر،. ورأس تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون لسنوات عديدة، وأيضاً ترأس تحرير مجلة المسرح، وعمل مراسلاً للصحف غير العراقية، وتخرج من تحت يديه العديد من الصحفيين العراقيين.

وصنف المحسن زهير الدجيلي كونه من شعراء الستينات وذائقته الشعرية والفنية نضجت بعد ثورة ١٤ تموز التي فجرت الوعي الفكري والجمالي عبر الروح الثورية وعبر المعارك التي إرتبطت بها، رغم كونه مارس الشعر قبل قيام الثورة بسنوات كثيرة.

وقارن بين شعر أغاني الأربعينات والخمسينات مثل أغاني: مالي صحت يمه أحاه جا وين أهلنه، غريبة من بعد عينج ييمه، أخاف حجي وعليه الناس يكولون، أنا يا طير ضيعني نصيني، وبين ما كتبه الدجيلي: يا طيور الطايرة مري بهلي.. ياشمسنه الدايرة ضوي لهلي.. سليميلي وغني بحجايتنا.. سليميلي ومري بولايتنا..، وكذلك أغنية البارحة

البارحه..هاجت أشواق العمر، كلها البارحة

وحنيت إلك بأكبر همومي البارحة

حنيت إلك حنة غريب ويذكر أحبابة بعد غيبة سفر...

كيف تفلت الأغنية من بين التبسيط والتنميط لتنطلق وتكون أغنية للجماهير، وذلك من خلال اللعب باللغة والتاريخ والعواطف والتمنيات والإنتماء السياسي والوطني ليخدع الضبع بصيغة العواطف المشحونة بعذاب الغربة لوطن مستباح ومحاصر تلتهمه الذئاب

يمتى تسافر يا كمر وأوصيك؟

والوادم البيها النشد تدليك؟

وكالولي نيتك صافية وولايتك متصافية

كبلك ردتلي إمسافر اليندل هلي..

وكبلك ردتلي إمسافر لديرة هلي..

إشكد دورت.. ماحصلت..

وصار العمر محطات

عديتهن ماكو عرف...الخ

وحين يعاتب الوطن الحبيبة وكأنه يريد التصالح مع ذاته:

حسبالي عدينه الوفه والعمر وتوافينه

حسبالي من شفت الفرح بعيونك تراضينة

ثاري ساعة وترجع تبايعني

محيرني ساعات الصبح شو جنك تودعني

وساعات بغياب الشمس ملهوف ومضيعني

وياما نسينا إعتابنا بساعات العتاب

خاف الوكت فد يوم ما يحسبنا أحباب

حسبالي عدينا الوفه والعمر وتوافينه

وودع زهير الوطن والأحباب والطيور وبوابات البدعة ومدينة الشطرة وأزقة الناصرية وهو على فراش الموت يذكر مقطع من قصيدة وها يوم

وها يوم إنكضه.. وها يوم حسن النايحة.. روحي على طارف داركم غيمة على ساعة ورايحة.. جن الدرب طال وبعد بيكم ومامش رده.. ولا نسمة من عمر الهجر تحيي الغصن والوردة.. حنيت وترجه...أترجه.. أترجه بدليلي وعيني.. بلجن عذاب إفراكم بهداي من ياذيني..بلجن يحن حاديكم.. ناكه وجزتني القافلة.. وناسيني.

وقرأ الأستاذ فوزي صبار  قصيدة لزهير الدجيلي يقول فيها:

ردتك وطن أحلى وطن مو أرض مهجوره

يسكنها قطاع الطرق وكلاب مسعوره

رتك وطن بيه الفرح عالي بسماه

وشمسه تضوي بنوره

مو مقبره مو مجزره مو مسخره

مو مدن تغزوها تغزوها الذئاب مو بشر مذعوره

ردتك وطن بيه الحياة الحلوه بيه الناس تفرح وطن

مو بس خارطة وصورة.

وكانت هناك مداخلات وأسئلة من الحاضرات والحاضرين علق عليها الكاتب فرات المحسن شاكراً الجميع.

وفي الختام قدم رئيس الجمعية الأستاذ فاضل ناهي، باقة زهور للمبدع فرات المحسن.

عرض مقالات: