طريق الشعب

أظهرت الانتفاضة الشعبية المتواصلة في العراق، اهتماماً في السياسة بين الشباب والمراهقين. فقد صار هؤلاء معنيين أكثر بمتابعة الشؤون السياسية لمعرفة التوجهات السياسية والحزبية، ونقدها في الوقت ذاته، الأمر الذي لم يكن يثير اهتماماتهم من قبل.

هذا ما يؤكده أهالي شبان ومراهقين كانوا قبل انتفاضة تشرين يهتمون في متابعة شؤون أخرى بعيدة عن السياسة، كالفرق الرياضية والاستماع إلى الأغنيات والانشغال بالألعاب الإلكترونية ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي.

ان هذا التحول وأدىّ أيضا إلى ازدياد اهتمام عائلات الشباب في متابعة تفاصيل دقيقة تتعلق بسير التظاهرات والتعرف على ما يطرحه المتظاهرون وردود الفعل المتبادلة بينهم وبين الجهات السياسية – بحسب ما يؤكده بعض المواطنين، بضمنهم  سليمان السعيدي الذي يقول في حديث صحفي، إنّه صار يستمع إلى آراء المتظاهرين، ويتابع حسابات البعض منهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ليفهم التحول الذي طرأ على أبنائه وبناته.

ويوضح السعيدي أن ولديه (13 و20 عاماً)، وبناته الثلاث (15 و17 و18 عاما)، باتوا يتمتعون بثقافة سياسية "لا يمكن تجاهلها، كما أنها تثير إعجابي"، مؤكداً أنه أصبح يحرص كثيراً على أن يستمع إليهم ويحاورهم في المواضيع السياسية التي تطرأ على الساحة في البلاد.

ويضيف قائلا : "لم يكن أولادي يهتمون في السياسة قبل انتفاضة تشرين. فقد كان اهتمامهم ينصب على متابعة مباريات كرة القدم، وكانوا متعصبين لفرق رياضية عالمية. فيما كان جل اهتمام بناتي، هو متابعة الأزياء والمشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي".

وكسب المتظاهرون بصمودهم الرأي العام المحلي والعربي والعالمي. وكان لمشاركة الفتيات في الحراك الشعبي وتقديمهن الدعم الخدمي والطبي للمحتجين، أثر كبير في كسب تعاطف محلي تسبب في زيادة زخم التظاهرات ودعمها.

يقول نجيب الواسطي، إنه يصمت لفترة طويلة وهو يستمع إلى حديث ابنته الطالبة الجامعية التي تواصل مشاركتها في التظاهرات، والتي تعرضت أكثر من مرة للإغماء بسبب استنشاقها الغازات المسيلة للدموع.

ويشير في حديث صحفي، إلى إنه ما زال يعيش "صدمة" بسبب تغيّر طريقة تفكير ابنته وطرح آرائها وانتقاداتها للعملية السياسية في البلاد، مضيفاً ان ابنته "تتحدث عن الانتخابات وطريقة توزيع المقاعد النيابية التي تعتمدها الكتل السياسية بشكل تعتبره سرقة لأصوات العراقيين، وانها تبهرني بمعلومات غزيرة حول الأحزاب الحاكمة والشخصيات السياسية التي تدير البلاد والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي".

ويتابع الواسطي قوله انه "ليس هذا فقط، بل إنها تتحدث عن حلول علمية وخطط قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى للنهوض بالبلاد، وتستشهد بنظريات اقتصادية وسياسية وآراء سياسيين أجانب وكتاب ومحللين".

ويسأل: "أنا المتابع الجيد للشأن السياسي المحلي والإقليمي والدولي لا أستطيع في كثير من الأحيان مجاراة ابنتي التي ما زالت في المرحلة الثانية من الدراسة الجامعية، ولم تكن من قبل تهتم في السياسة، بل تنزعج منها، وكان جل اهتماماتها ينصب في متابعة المسلسلات التلفزيونية".

ولا يتحدث الآباء فقط عن تغيّر يعتبرونه إيجابياً في سلوك أبنائهم، وقد أصبحوا أكثر اهتماماً في شؤون وطنهم. إذ تقول ابتسام الفراتي، وهي موظفة في وزارة التربية والتعليم، إنها تتوجه باستمرار إلى ساحة التظاهر لأن أبناءها وأبناء أقربائها يشاركون في التظاهرات، مضيفة أن "اهتمام أبنائنا وبناتنا في التظاهرات ومشاركتهم فيها وحديثهم ونقاشاتهم المستمرة حول الواقع السياسي، أثر فينا كثيراً.. أتحدث عن أقاربي وجيراني أيضاً. فبالنسبة إلي، لم أكن من المهتمين في السياسة، بل إنني لم أشارك في الانتخابات التي جرت في البلاد. لكنني اليوم، وبسبب أبنائي (13 و15 و16 عاماً)، أصبحت أطلع على الواقع السياسي".

وتشير الفراتي إلى ان "المثير للدهشة أن أبنائي لم تكن لديهم اهتمامات سياسية أيضاً. كان جل ما يستحوذ على اهتمامهم هو الألعاب الإلكترونية".