طريق الشعب
ركزت صحف ومواقع عربية وعالمية عدة، خلال الفترة الأخيرة، على مشاهد إيجابية متنوعة في ساحات احتجاج العراق، تشارك فيها نساء ورجال يجمعهم هدف واحد هو "استعادة الوطن من الأحزاب الفاسدة".
في مطلعه، يقول تقرير نشرته إحدى تلك الصحف: "كاد علي ان لا يصدّق عندما أعلن صديقه فجأة أمام متظاهرين في بغداد خطوبته من فتاة تعرّف إليها خلال الاحتجاجات، التي نجحت في كسر عادات اجتماعية عدة".
وتضيف الصحيفة أن علي خريبط (28 عاما)، الذي حضر حفل الخطوبة العفوي، يرى أن المتظاهرين حققوا الكثير من ناحية تصحيح بعض العادات الاجتماعية البالية.
وتنقل الصحيفة عن علي إضافته انه "في المجتمع المحافظ الذي تسيطر عليه الى حد كبير أحزاب دينية، أحدثت مشاركة النساء إلى جانب الرجال في التظاهرات، صدمة بين بعض العراقيين الذين لم يكن من الممكن أن يتصوّروا ذلك قبل احتجاجات تشرين".
وغصّت ساحات الاعتصام خلال الأشهر الماضية بنساء تظاهرن وأسعفن مصابين وكتبن شعارات ورسمن على الجدران وشاركن في حلقات نقاش وفعاليات فنية منوعة.
ويوضح تقرير إحدى وسائل الإعلام، أن عبارات مثل "إلغاء الطبقية" و"إزالة الفوارق" ترددت كثيرا على ألسنة المحتجين وفي وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى انتشار صور لشبان وشابات من مختلف الفئات الاجتماعية، وهم يسيرون جنبا إلى جنب ويذرفون الدمع معا إثر فقدانهم زملاء لهم بسبب قمع السلطات الأمنية.
ووفقا للتقرير، فإن العراقيين يعتبرون الفترة الممتدة بين إعلان الانتصار على تنظيم داعش الارهابي نهاية 2017 وانطلاق التظاهرات، مفصلية في حياتهم "كونها أتاحت لهم فرصة اختبار العيش في ظل استقرار نسبي للمرة الاولى منذ أربعة عقود".
وينقل التقرير عن أحمد الحداد (32 عاما)، قوله ان "دوامة العنف أدخلت الجيل الشاب في غيبوبة لسنوات طويلة، لكن الاستقرار فتح أعينهم على حقيقة أن هناك أكثر من النجاة من الموت، كالعيش بكرامة في مجتمع مدني، وكسر التزمت الاجتماعي".
ولم يكن العراق مرادفا للتشدد دوما. غير أنّ القمع الذي مارسته السلطات الدكتاتورية، أثر بصورة جذرية. إذ لم يكن يحق للمواطنين حتى امتلاك جهاز بث فضائي. وبعد 2003 نشبت الصراعات المذهبية والتطرف، ما دفع شريحة واسعة من أبناء البلاد نحو التزمت - بحسب ما نقله التقرير عن متابعين.
إلى ذلك يشير التقرير إلى أن انتفاضة تشرين فتحت الباب أمام ما يشبه الانقلاب الاجتماعي، خصوصا في مدن الوسط والجنوب، لافتا إلى انه "في مدينة الديوانية، لم تتخيّل المرشدة التربوية هيّام شايع طوال أعوامها الخمسين، أن تكون قادرة يوما على الاختلاط والتعبير عن رأيها في مدينة قلّما تُشاهد فيها المرأة خارج المنزل".
وينقل التقرير عن المرشدة التربوية، التي كانت تقف بالقرب من متظاهرين مرتدية عباءتها "الفراتية" السوداء، قولها أن عادات اجتماعية كثيرة تغيرت بشكل مفاجئ وكبير خلال التظاهرات، مشيرة إلى أن المتظاهرين الذين استشهد منهم المئات "ضحوا من أجل وطن متحضر ومدني، لا متخلف ولا رجعي".
وشجّعت التظاهرات شخصيات معروفة على الدعوة الى إنهاء نظام المحاصصة الطائفية، ومن بين هؤلاء لاعب كرة القدم السابق عدنان درجال الذي طالب بـ "عدم انتهاج الطائفية والمناطقية" في لعبة كرة القدم الأكثر شعبية.
وبحسب ما نقله التقرير عن خالد حمزة، مدير مركز أبحاث في بغداد، فإن "الاحتجاجات قادت أيضا إلى إنهاء قطيعة كبيرة بين جيل قديم عاش الحروب والحصار، وجيل شاب يستعجل التغيير والتقدّم".
أمّا هبة التي شاركت في تظاهرات مدينة البصرة، فتعتبر – بحسب التقرير - أنّ "الاحتجاجات مثلت نقطة تحوّل اجتماعي"، مؤكدة أن "الحركة الاحتجاجية قوّت شخصياتنا وجعلتنا نميّز بين الصواب والخطأ ونطالب بحقوقنا".