طريق الشعب
لم يكن للمرأة العراقية في شتى المجالات العامة، بما فيها الطلابية، حضور بارز خلال مرحلتي الاستبداد البعثي وما بعد 2003. ففي حقبة الاستبداد كان الحكم عسكريًا يستدعي حضور الرجل أكثـر، فضلًا عن غياب التعددية السياسية التي تمنح المرأة فرصة المشاركة الفاعلة. وبعد التغيير، كان الحضور الأبرز للاستقطاب الطائفي - العشائري، الذي يغيّب دور المرأة أيضًا.
لكن انطلاق انتفاضة تشرين، كشف عن حضور جديد للمرأة العراقية، خاصة الطالبة التي فاجأت الجميع بوعيها السياسي الذي طرأ على مشاركتها الفاعلة في الاحتجاجات، قياسًا بالتصور السلبي المبني على موروثات بعض القيم الاجتماعية والعادات العشائرية.
وتحول نشاط النسوة أثناء التظاهرات من المطالبة بحقوق المرأة على وسائل التواصل الاجتماعي فقط، إلى العمل في الشارع. إذ خرجت النساء يطالبن بحقوق سياسية واحدة مع الرجال، رافعات شعار "نريد وطن". فيما أصبحت والدة المتظاهر الشهيد صفاء السراي "ثنوة"، رمزًا للمتظاهرين، ما يشير إلى حضور ملحوظ للمرأة كمشاركة وكرمز.
وأثناء الاحتجاجات، شارك المئات من طالبات المدارس والمعاهد والجامعات، في الحراك الطلابي، وخرجن إلى ميادين الاحتجاج مُعلنات مواصلتهن الإضراب عن الدوام، في ثورة أطلق عليها "ثورة القمصان البيضاء". فيما واجهت الطالبات المحتجات قمع السلطة من جهة، ورفض عائلاتهم المشاركة في الاحتجاجات من جهة أخرى.
تقول سارة عبد، وهي طالبة في كلية اللغات بجامعة تكريت، إنه "في بداية تشرين الأول الماضي رفضت عائلتي مشاركتي في التظاهرات، إلا اني واصلت الحضور في ساحة التحرير دون علمها، وكنت حينها أخفي وجهي"، مستدركة "لكن عائلتي، وبعد أن اكتشفت الأمر، منعتني من مغادرة المنزل، لذلك انتقلت إلى المساهمة في الاحتجاج عن طريق جمع التبرعات المالية مع الأصدقاء عبر مجاميع على فيسبوك، وإرسالها إلى المتظاهرين لتلبية احتياجاتهم".
وتتابع سارة قائلة: "حاولت تنظيم وقفة احتجاج في جامعة تكريت، رغم تهديد الجهات الأمنية بعدم إحياء أي مبادرات احتجاج في مناطقنا المحررة. لكن مبادرتي جوبهت بالرفض من قبل إدارة الجامعة، وبعد أسبوع تلقيت تهديدًا برفع اسمي إلى الأمن الوطني في الجامعة بتهمة التحريض على الاحتجاج، وهُددت بالفصل مع التحذير بأنني سأكون تحت مراقبتهم طوال الوقت، لذلك قمت بإلغاء تنشيط حسابي على فيسبوك وواصلت الاعتصام إلى نهاية الفصل الدراسي الأول".
زهراء عبد الأمير، وهي طالبة في جامعة كربلاء، تتحدث عن الضغوط التي تتعرض لها الطالبات من قبل عائلاتهن بسبب مشاركتهن في الاعتصام الطلابي. وتقول: "شاركت منذ بداية التظاهرات في الاعتصامات الطلابية مع مجموعة من الطالبات، لكني امتنعت عن الاعتصام أياما عدة، بسبب رفض عائلتي".
وتضيف قائلة: "حاليا أنا أشارك في التظاهرات والاعتصام الطلابي، لكن من دون علم عائلتي"، مبينة أنها منذ نحو شهرين تختلق الأعذار المختلفة أمام عائلتها، كي تساهم في المسيرة الطلابية.
وتتابع زهراء قائلة: "أصبت بخيبة أمل كبيرة وأنا أشاهد ردة فعل عائلتي تجاه مشاركتي في التظاهرات"، مشيرة إلى "إنني لا انتظر أن يفتخروا بنا، فقط ألا يمنعونا من ممارسة حُريتنا والمطالبة بحقوقنا كما نريد".
وتؤكد: "أنا مستمرة مع بقية الطالبات في الإضراب والاعتصام إلى حين تحقيق المطالب المشروعة"، لافتة إلى انه "من المعروف أن العراق لم يشهد مثل هذا الحراك الطلابي الكبير منذ عشرات السنين. فبعد أن كان المد الطلابي الأبيض مُسيّرًا من قبل سلطات حزب البعث لتمجيده، أصبح بعد تظاهرات تشرين هو الذي يُسير السلطة".
ومع تواصل التهديد الحكومي للطلبة والتخوف المجتمعي من أن يتم اعتقال امرأة واقتيادها إلى مركز الاعتقال الذي عادةً ما يكون منبوذًا اجتماعيًا بسبب التقاليد، إلا أن الطالبات وعلى ما يبدو، خرجن غير آبهات بهذه التهديدات، وبتهديد وزارتي التربية والتعليم العالي بفصل الطلبة المتغيبين عن الدراسة.