الناصرية – طريق الشعب
على الرغم من سلسلة الحرائق التي شهدتها بعض محافظات الجنوب خلال الشهرين الماضيين، ورغم سقوط المئات بين شهداء وجرحى إثر القمع المفرط الذي واجهت به قوى الأمن الحركة الاحتجاجية المتواصلة، إلا أن تلك الحركة السلمية المشروعة لم تتوان عن إظهار وجهها الزاهي الجميل، من خلال إقامة الفعاليات الفنية والثقافية وتنظيم الحملات التطوعية.
وشكلت ساحات الاعتصام في محافظتي ميسان وذي قار، مثلما في بغداد وبقية المحافظات المنتفضة، فرصة كبيرة لكشف مواهب الشباب، الذين فضلوا دعم الاحتجاجات فنيا وثقافيا. وقد تمثل ذلك من خلال تزيين الجسور والطرق العامة وبعض المباني بالرسوم، في حين أقام عازفون أمسيات موسيقية، وقدم متبرعون الطعام، وتطوع آخرون لتنظيف الشوارع.
وفي ظل زخم الاحتجاجات، نظم العشرات من الناشطين والموهوبين في مدينة الناصرية، حملات للتنظيف، وأخرى لتزيين الجدران ببعض الرسوم المعبرة عن الاحتجاجات.
ويواظب سيف الدين - وهو ناشط في التظاهرات- على تنظيم حملات توعية مختلفة. فهو لا يخرج من أجل التظاهر وحسب، بل عمد إلى تنظيم حملة أطلق عليها عنوان "نقدر".
مهمة هذه الحملة التي انضم إليها عدد كبير من الشباب من كلا الجنسين، تنظيم مبادرات لدعم الاحتجاجات.
يقول سيف الدين في حديث صحفي، إنه، كدعم للاحتجاجات، أطلق وزملاءه حملة هدفها رسم صورة جميلة للتظاهرات، شملت صبغ الأرصفة وتجميل الجسور برسوم تعبر عن الحركة الاحتجاجية، مشيرا إلى بروز دور المرأة في تلك المبادرات.
وبين أغلب النشاطات التي تجري في ساحة الحبوبي وسط الناصرية، تقدم زهراء العامري -وهي طالبة ماجستير وناشطة - صورة مغايرة عن دور المرأة في المحافظة، من خلال تنظيفها الساحة مرتين كل يوم.
تقول زهراء، إنها تقوم بهذه الجهود بشكل تطوعي ومنذ شهر تقريبا، مشيرة إلى أن كل ما تقدمه قليل لا يقارن بمن قدموا دماءهم خلال التظاهرات، كما أنها تقوم بذلك خدمة للوطن.
من جهتها، تقول الرسامة زينب الزيدي، أن الفرصة سنحت لها للرسم على جدران بعض الجسور، التي كانت تبدو متسخة ومهملة، مشيرة إلى إنها انضمت إلى مجموعة كبيرة من الموهوبين الشباب، ليطلقوا مبادرة صبغ الأرصفة ورسم الجدران على بعض الأماكن، وكذلك المشاركة في التظاهرات.
وكان لحراك "فريق بنات ميسان" دور كبير في التظاهرات. فقد شاركت البنات في فعاليات عدة، أبرزها تقديم وجبات الطعام للمتظاهرين أو تنظيف ساحة الاعتصام.
تقول الناشطة في ميسان تبارك اللامي، ان مساهمة الفتيات في الاحتجاجات تأتي حرصا منهن على التعاون مع الشباب للخروج بالبلاد من أزماتها، لافتة إلى أن الناشطات حرصن على إضفاء نكهة خاصة في ساحة الاعتصام، من خلال إطلاق مهرجان للرسم بالألوان على وجوه الأطفال.
ولكون ساحة الحبوبي تغص يوميا بأعداد كبيرة من المحتجين، احتل عدد من المتطوعين أماكن قريبة من الساحة لاستغلالها في إعداد الطعام للمتظاهرين يوميا، في حين يساهم آخرون في إعداد الشاي وتوزيع الماء.
وبالقرب من الساحة، قام أحمد علي - وهو حلاق - بجلب كرسي الحلاقة ونصبه لغرض خدمة الراغبين في الحلاقة.
وتنتشر في أركان الساحة، خيم تضم مكتبات مخصصة للمطالعة. وبين زحام المواكب التي نصبت خيمها قرب الساحة، تقوم الحاجة طوعة - وهي امرأة مسنة - بتقديم الخبز للمتظاهرين على مدار اليوم.
ولا يختلف الأمر كثيرا في العمارة. إذ يتسارع اصحاب المهن في الحضور إلى ساحة الاعتصام لتقديم خدماتهم مجانا إلى المتظاهرين، في حين يتبرع عدد من المواطنين وأصحاب المحال التجارية، يوميا بصناديق الفاكهة والأطعمة المختلفة.