طريق الشعب
في محاولة لفهم ديناميكيات الاحتجاجات العراقية بشكل أفضل وكيفية التعامل مع مظالم المتظاهرين، كلفت صحيفة” واشنطن بوست “الأمريكية، مجموعة” المستقلة“ البحثية، بإجراء استطلاع اشتمل على حوالي 1250 مقابلة مع محتجين في بغداد وجميع المدن الرئيسة في جنوبي العراق من 24 تشرين الثاني إلى 1 كانون الأول الجاري.
ووجدت الصحيفة، أن أبرز نتائج الاستطلاع هي الأهمية الكبرى لشعور المتظاهرين بأهميتهم، ففي استطلاع على مستوى البلاد تم إجراؤه في وقت سابق من هذا العام، قال 75في المائة من المشاركين إنهم شعروا بأن حياتهم لم يعد لها معنى، بينما قال 80 في المائة إنهم شعروا بالاكتئاب مرة واحدة على الأقل خلال الأشهر الـ 6 السابقة.
إلا أن المشاركة في هذه التظاهرات غيرت هذه المشاعر، حيث قال حوالي 94 في المائة من المحتجين إن هذه التظاهرات جعلتهم يشعرون بأنهم مهمون، وقالت نفس النسبة تقريبًا إن المشاركة في هذه الاحتجاجات جعلتهم يشعرون أن لهم رأيا في تحديد مستقبل العراق، وذكر 97 في المائة أن المشاركة في الاحتجاجات جعلتهم أكثر فخرا بكونهم عراقيين.
أجيال جديدة
وأشار الاستطلاع إلى أن الأجيال الأكبر سنًا من العراقيين انتظرت أن تمنحهم الحكومة حقوقهم؛ بينما يطالب الشباب المتظاهرون بحقوقهم بنشاط، إذ قال حوالي 90في المائة من الناس أن هذه الاحتجاجات جعلتهم يشعرون أنهم يتحدون النظام الحالي، وهذا التحدي يمكن تلخيصه في الشعار الرئيس لهذه الاحتجاجات: أتيت لأخذ حقوقي.
وذكر قرابة ثلثي المحتجين أنهم شاركوا في الاحتجاجات بناءً على دعوة تلقوها إما على الإنترنت أو من شبكة اجتماعية، بينما خرج 12 في المائة فقط الى الشارع بناءً على مكالمات من أفراد العائلة، الأمر الذي يشير إلى تغيير جذري عن الماضي الذي كانت الحكومة تسيطر فيه على تدفق المعلومات للمواطنين العراقيين.
ماذا يريد المتظاهرون؟
يطالب المتظاهرون بتغييرات عميقة في النظام السياسي بشكل عام، وليس فقط في الحكومة الحالية. وقبل استقالة رئيس الوزراء” عادل عبد المهدي“، قال 86 في المائة من المحتجين إنهم لن يتوقفوا، حتى لو تمت الإطاحة بالحكومة الحالية، وبالفعل لم يتوقف المحتجون، ومن المستبعد أن يتأثروا بأي تغيير حكومي قائم على الائتلافات السياسية القديمة.
كما يشكل نقص الثقة العميق باللاعبين السياسيين الحاليين مشكلة كبرى لأي حل طويل الأجل، فباستثناء المرجع الديني ”علي السيستاني“، والذي يتمتع بثقة 60 في المائة من المتظاهرين، يثق 5في المائة فقط من المتظاهرين بالسياسيين الحكوميين الآخرين، بما في ذلك في الفرع التشريعي والتنفيذي والقضائي.
ويرحب أكثر من 90 في المائة من المتظاهرين بإجراء انتخابات مبكرة، ولكن بسبب عدم ثقتهم بمؤسسات الدولة، توافق نسبة منخفضة على أنه ينبغي أن تتم هذه الانتخابات في ظل اللجنة الانتخابية الحالية أو حتى تحت إشراف القضاة العراقيين.
كما يتمتع اللاعبون الدوليون الخارجيون بمستوى منخفض من الثقة أيضًا، إذ يثق 1في المائة فقط من العراقيين بإيران، بينما تتمتع الولايات المتحدة بثقة 7 في المائة، والاتحاد الأوروبي بنسبة 25 في المائة والأمم المتحدة بنسبة 30 في المائة.
التطلع الى المستقبل
أظهر المتظاهرون العراقيون الشباب قدرة رائعة على مقاومة الانجراف إلى العنف، رغم أنهم عانوا من خسائر فادحة وهناك جهود متواصلة من جانب الميليشيات المسلحة وقوات الأمن لدفعهم نحو السلوك العنيف. إذ ظل المتظاهرون يركزون ويصرون على تحقيق هدفهم المتمثل في تغيير النظام السياسي إلى نظام قائم على الجدارة بدلا من الانتماءات السياسية والطائفية.
وفي حين أنه من الصعب رؤية المسار الذي ستسلكه الاحتجاجات الجارية في المستقبل، يجدر بالذكر أن 70 في المائة من المتظاهرين وافقوا على إجراء انتخابات مبكرة موثوقة تحت إشراف الأمم المتحدة.