طريق الشعب
أقام متظاهرون في ساحة التحرير ثلاثة معارض تضم ما تبقى من ملابس وخوذ ومعدات متواضعة للحماية وأعلام وطنية، تعود للشهداء الذين سقطوا خلال الاحتجاجات المتواصلة منذ مطلع تشرين الأول الماضي.
وبدت مقتنيات الشهداء مخضبة بدمائهم الزكية، التي أراقها الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع.
المعارض تبدو أقرب إلى كونها معارض للألم والاحتجاج، منها إلى أي شيء آخر. حتى إن أحدها ضم صورة لشاب انغرست قنبلة دخانية في عينه اليسرى! فيما عرضت صورة لشاب آخر، بعمر الورد، استشهد في اليوم الأول لانطلاق موجة التظاهرات، في إشارة إلى أن السلطات الحكومية عقدت العزم منذ البداية على قمع التظاهرات واستخدام العنف الوحشي ضدها.
وثمة أيضا خوذات الحماية، ونظارات، وأحذية ممزقة، وأعلام تغطيها الدماء، ومسبحات وملابس متواضعة كان يقتنيها ويرتديها الضحايا، فضلا عن شظايا من عربات الـ "تك تك" التي تفجرت في ساحة التحرير.
المعارض التي افتتحت منذ نحو أسبوع على الرصيف المقابل لنصب الحرية في ساحة التحرير، متواضعة جدا وتشبه تواضع شباب الانتفاضة، إلا انها غنية من حيث الدلالة، وجديرة بفقر الشباب الذين سقطوا على دروب البحث عن وطنهم.
ومن وراء التواضع الواضح الذي تظهر فيه صورة المعارض، وقفت جهود غير قليلة بذلها ناشطون وسخروها للحصول على كل قطعة بسيطة أو تفاصيل صغيرة، تعود لأصدقاء ورفاق درب استشهدوا، من شأنها توثيق ما حدث.
يقول الناشط محمد سلمان في حديث صحفي أن "الشباب اضطروا في أحيان كثيرة للذهاب الى من رافق الضحايا إلى منازلهم، كي يحصلوا بواسطته على بعض التفاصيل المتعلقة بهم، مثل القميص المضرج بالدم أو المسبحة الصغيرة، وحتى النعل أو الحذاء الممزق".
وعن أهمية ودلالة المعرض يذكر الناشط ان "ظروفنا غير مستقرة والمعارض تقام على الأرصفة ويمكن أن تهجم علينا القوات الحكومية في أي لحظة، لكن ذلك غير مهم بالنسبة لنا، ما يهمنا هو توثيق هذه اللحظة العظيمة في تاريخ البلاد، وما نجم عنها من تضحيات كبيرة، وما قابلها من عنف رهيب".
وعن الخطوات المستقبلية بالنسبة لمعارض الضحايا وإمكانية نقلها إلى مكان آخر، بيّن سلمان أن "الشباب يقومون بالإجراءات اللازمة لنقل جميع المعارض ومقتنياتها وتفاصليها الى الطابق الثاني من المطعم التركي (جبل أحد) بعد استكمال متطلبات ذلك، كما نفكر في الحصول على مقتنيات لشهداء من بقية المحافظات لنعرضها في المعارض".
ويزور المعارض يوميا آلاف المتظاهرين والمارين بساحة التحرير، وكثير منهم يطيل، بحزن بالغ، التدقيق في التفاصيل المعروضة. وهي تفاصيل تذكر الجميع بفداحة ما جرى في انتفاضة الشباب العراقيين المتواصلة منذ شهرين، وتذكّر أيضا الناس بحقيقة نظامهم "الديمقراطي" الشكلي الذي أقدم على التنكيل بمواطنيه لمجرد تفكيرهم في الخروج في تظاهرات والمطالبة بالإصلاح وبالحقوق التي كفلها دستور بلادهم الدائم.