منذ أكثر من ثمانين عاماً، ومئات ألوف الفرنسيين، وأيضاً رفاقهم من جميع قارات العالم يساهمون في مهرجان (اللومانتيه) السنوي، إذ إعتادت الجريدة المركزية للحزب الشيوعي الفرنسي (اللومانتيه - ألإنسانية) أن تُنظم مهرجاناً سنوياً لا يُضاهى في إتساعه ومحتوى ما يُقدم خلال أيامه الثلاثة (الجمعة والسبت والأحد منتصف ايلول/ سبتمبر) من سياسية وفكرية وثقافية وفنية وغيرها، ولأني من مُدمني حضور هذا المهرجان، ومنذ اكثر من عقدين من السنين، فسعادتي بحضوره تتنامى وتزدهر، خصوصاً حين التقي رفيقات ورفاق تربطني وإياهم أحلى وأطيب الذكريات، كما أتعرف كل عام بالجميلات والجميلين الجُدد (وانا شاعرٌ مُغرمٌ بالجمال !).
قبل بدء المهرجان بيوم، أي يوم الخميس، ومع الإنتهاء من إكمال اللمسات الاخيرة لتفاصيل الخيمة، إعتادت خيمة (طريق الشعب) أن تُنظم لقاءاً سياسياً بين رفاق اللجنة المركزية القادمين من الداخل، وجمهور الحاضرين، ولأن رفيقين شابين من اللجنة المركزية كانا قد قدِما من العراق، فقد أُتيحت لهما أن يُقدما عرضاً ذكياً للواقع السياسي الحالي في العراق، وأن يجيبا عن أسئلة الحاضرين، (ولأني لست من المُحابين ولا المُجاملين أُعلن إعجابي بالرفيقين الشابين، وأيضاً بالرفيق الشاب علي صاحب، الذي قدم العام الماضي، إذ أن الشباب الثلاثة أشعروني بالإطمئنان على مستقبل الحزب)
بعد هذا اللقاء كان العشاء الجماعي اللذيذ، والذي مسح من ذاكرتنا بؤس عشاء السنة الماضية !
اليوم الأول للمهرجان
لأن معظمنا، ومنذ عدة أسابيع، كان قد حجز في فندقين متجاورين، فقد بادرت منظمة الحزب في فرنسا لإستئجار باص صغير لنقلنا يومياً من والى مكان المهرجان، وقد أوكلت مهمة سياقة الباص هذه السنة والسنة الماضية، لرفيق فدائي يقطرُ نبلاً وتضحية ونكران ذات، هو الرفيق (ابو أكرم) من هولندا، إذ يُبكر الرفيق قبل طلوع الشمس، لنقل وجبات المساهمين في عمل الخيمة، ولعدة مرات، ويُعيدنا مع ساعات الصباح الاولى لفنادقنا، ولا أعرف متى وكيف ينام الرفيق ابو اكرم طوال أيام المهرجان!؟ والغريب أنه بين زمن نقل الوجبتين، يقف ساعات أمام منقلة شي الكباب في الخيمة، يُعدُ السندويشات للمشترين، ويتعطر بدخان الزيوت المحترقة أمامه!!
إولى النشاطات السياسية كانت محاضرة للرفيق (عادل عبد الزهرة شبيب) عن (الإقتصاد الريعي في العراق) وكان لي شرف تقديم الرفيق، الذي قدم عرضاً ناضجاً لموضوعه، مُثيراً العديد من الاسئلة والإستفسارات من قبل الحاضرين.
الموسيقى والأغاني العراقية المنوعة، كانت واحدة من المهام الكثيرة للرفيق محمد الكيم، ومع هذه الموسيقى التي يختارها ، كانت ساحة الخيمة تزدحم بالدابكين، وبهازات وهازي الاكتاف والراقصين .
سبع لوحات رائعة، تُزين أحد جوانب الخيمة، من إبداع الفنان الغائب للسنة الثانية عن خيمته، الرفيق (صلاح جياد). تقابل اللوحات على الجهة الثانية لافتة كبيرة تُمجد الفقيد إبراهيم الخياط، الذي كان من المفترض أن يكون أحد ضيوف الخيمة الأساسيين هذه السنة، في حين زينت مقدمة الخيمة صورة للخياط، واُخرى للفقيد إسماعيل السامرائي الذي توفي مؤخراً.
النشاط الثاني لهذا اليوم كان قراءة وإستذكار لما قيل وكُتب عن الفقيد إبراهيم الخياط، وقد ساهم في التقديم الرفيق رشاد الشلاه وأنا، حيث قدمنا تعازي الإعلام المركزي لحزبنا واللجنة المركزية وسكرتير حزبنا ورئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ووزارة الثقافة العراقية وإتحاد الأدباء ، وكان مضمون جميع التعازي يُشيد بالفقيد ويعتبر غيابه الفاجع خسارة للثقافة والوطن.
بعد الظهر حضرت الموسيقى الحية، حيث قدم الفنانان علي مشاري وعلي عيسى، على العود والطبلة والرق، أجمل الأغاني التراثية العراقية، التي دفعت الكثيرين لنزول الساحة والمشاركة في الرقص.
بعدها كانت فقرة عرض الأزياء ، إذ عاد المصمم الدكتور (زياد العذاري) مجدداً ليقدم مجموعة من الفتيات والنساء الرائعات، في تشكيلة مدهشة، لتصميمات ذكية ومُبهرة، من تصاميمه المبتكرة.
وأخيراً فسح المجال لفرقة بابل، القادمة من الدانمارك، بقيادة العازف المتقن (سعد الأعظمي) وعضوية مجموعة من جميلات الدانمارك، لتقدم اعذب الأغاني الترائية العراقية، الى جانب مجموعة من الأغاني السياسية، المحفزة للتفاؤل والثقة بالمستقبل.
اليوم الثاني للمهرجان
طوال اليومين السابقين، كان البث المباشر الذي تطوع لإنجازه الرفيقان (سمير طبلة ومحمد الكحط) متواصلاً ، ويحظى بمتابعة عشرات ألوف المتابعين.
خلف الخيمة، كانت خلية نحل من الرفيقات والرفاق المتطوعين للعمل المجاني تواصل نشاطها المتنوع، رؤوس الخس والبصل والخيار، وأكوام الطماطة، تنحر وتهيأ لصنع سندوتشات الفلافل والكباب والدجاج، يُشارك في النحر، مجموعة من جزاري الحزب الرقيقين، ابو صارم وزكي وسالمة (سلوى) وسلامة الشبيبي واحلام وكريم وأم كاوة وجنان وغيرهم، اما الحمص المنقوع منذ امس، فقد غادر إنتفاخه المؤقت مع خلطة لا ادرك محتواها! ليتحول على يد ماجد فيادي وناظم واخرين إلى مادة أولية لفلافل قادمة. اما الدجاج فقد غادر ملامحه المعروفة وتحول لخبطة عجيبة من الثوم والبهارات، على يد الرفيقة ام فرح ومن يساعدها.
ابو سلام التميمي يواصل كعادته كل عام، مئة عمل في أن واحد، فمرة تجده ينقل الزلاطات المنجزة من خلف الخيمة لأمكنة البيع، ومرات تجده هازاً أكتافه وساحباً إحدى الأجنبيات لساحة الرقص دائراً معها كراقص محترف.
سوسن امام قواري الشاي المركونة إلى جانب فحم ملتهب، تُعبئ الإستكانات للراغبين، وتستعين بالرفيق وليد حميد، ليحل محلها عندما تحصرها هزة رقص مفاجئة!
فوزية العلوجي تجلس كملكة هذه المرة خلف كشك الكتب والمجلات توزع الابتسامات على المحيطين !
الرفيق عدنان وهو عنصر اساسي في الخيمة مثل كل الأعوام السابقة يتنقل من عمل لآخر ، كما تواصل زوجته واخواتها ام اسيل وأم هشام المساعدة في مختلف الاعمال.
الرفيق ابو اسامة هولندا وشقيقته القادمة من السويد قاما بتشييش كمية كباب، أعتقد تكفي لإنجاز مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية! وظلا يعملان لوحدهما لآخر ساعات يوم الأحد!
الرفيق رشيد غويلب قدم الأديب عبد الكريم الدهلكي في مداخلة هامة عن الأديب الراحل والكاتب المسرحي المعروف (محي الدين زنكنة)
الرفيقة بشرى أمسكت بتلابيب قاصة الخيمة، وأعتقد إن ما جمعته من مال سيرفع مالية الحزب هذه المرة.
ابو سراب (ثامر محمد حسن) الذي أنسى ذكره كل عام، مع أنه يعمل عدال عشرة، لذلك قررت هذه المرة ان أقول عنه ، إنه واحد من اركان خيمتنا الأساسيين وله كل الود والاعتزاز.
الرفيقات والرفاق ابو فرح وسعد وسوسن وريم وعلي شوكت ومحمد وعادل وأم صامد ومهند وحسن الحسني وأسامة الصفار وأم اسيل وأم هشام وعلاء الصفار وليلى الصغيرة وامها وصديقتها ليا الفرنسية ووفاء وكريم وايضاً كريم اخر، وظافرة وأم كاوة وفاطمة وجنان وربما غيرهم، هؤلاء جميعاً ساهموا في مختلف اعمال الخيمة وبدرجات مختلفة ، وكانوا فاعلين وأساسيين .
صلاح جياد الفنان العراقي الكبير، والذي يرقد للسنة الثانية مريضاً في بيته، خصص له أصدقاؤه ندوة خاصة، ساهم فيها الفنانون جبار ياسين وغسان فيضي وفيصل لعيبي، حيث أشار المساهمون الثلاثة لخصائص صلاح الفنية والإنسانية ، ولمكانته وتأريخه المميز فنياً وإنسانياً .
عصر يوم السبت كانت المسيرة النسوية، التي تنظمها رابطة المرأة العراقية سنوياً،حيث تنطلق الرفيقات والصديقات مع المساهمين من الرجال،وهم يحملون الاعلام والشعارات السياسية، وبلغات مختلفة، مع اناشيد صادحة، لافتات الانتباه لقضية المرأة العراقية وواقعها الحالي.
فرقة فلسطينية للرقص الشعبي إعتادت ان تقدم في خيمتنا كل عام دبكاتها الفلكلورية الرائعة، وتُستقبل من قبلنا ومن قبل الحاضرين بالترحيب والمساندة والدعم، وهذا العام كانت للفرقة مساهمتها الهامة أيضاً.
شابة عراقية لم اعرفها من قبل، ويؤسفني اني لم أنتبه لإسمها ، لكني كنت حريصاً على سماع قصائدها الجميلة، والتي رشت مجموعة منها على افئدة الحاضرين .
وأخيراً جاء دور فرقة بابل القادمة من الدانمارك، بحسناواتها الجميلات شكلاً وأداءاً، لتُطرب المنصتين بأعذب الأغاني التراثية، فمن يا صياد السمج إلى يم عيون حراكه، مروراً بنبعة الريحان وتجونه لو نجيكم ، والركعة زغيرة والشك جبير وغيرها من الأغاني الخالدة في ذاكرة العراقيين.
الأحد اخر ايام المهرجان
اخر ايام المهرجان إقتصر على الموسيقى المسجلة، وعلى نشاطات البيع، وتنظيم خطة تعزيل الخيمة.
ومن الجدير بالذكر ان الرفيق سلم علي عضو اللجنة المركزية، عقد عدة لقاءات سياسية هامة مع ممثلي بعض الأحزاب الشيوعية:
كما ساهم الرفيق طلعت عضو اللجنة المركزية في ندوة مشتركة حول اوضاع الشرق الأوسط ، الى جانب ممثلين عن بلدان ايران وأفغانستان وفلسطين، وهكذا إنتهى مهرجان اللومانتيه هذا العام وعاد كل منا للأمكنة التي جئنا منها.