انتقلت الاذاعة او بالاحرى توقفت، وتوقف دوي ذلك الصوت الهادر: ((هنا، صوت الشعب العراقي .. صوت الانصار البواسل))، عندما ينطقها النصير جاسم المذيع، تشعر بحماسة النهوض وكأنّ بغداد على اعتاب كومونة من نوع جديد!. ليست هذه المرة الاولى التي تتوقف فيها الاذاعة، فقد توقفت مرات قبل ذلك بسبب الظروف العسكرية والرصاص الذي طالها ولكن هذه المرة اعلنت الوداع الاخير لجبال كردستان.

كانت اذاعة ((صوت الشعب العراقي)) هي الوسيلة الاعلامية الاكثر اهمية في الحركة الانصارية، تنقل اخبار الانصار وهم يصنعون المعجزات في مواجهة اعتى نظام مجرم عرفه التاريخ العراقي، لكنّ المهمة اشرفت على النهاية واصبح الوصول الى بغداد اصعب من الوصول الى المريخ!.

العديد من الرفاق عملوا بمثابرة عالية من اجل ان يكون للانصار بثهم الاذاعي اليومي، وبأستثناء الفترة القصيرة في وادي بشتاشان، فأستطيع ان اتذكر بعض الذين عملوا في ((لولان او خوا كورك)) سواء الذين عملوا بالاعلام بشكل مباشر او الذين يقومون باعمال عسكرية وادارية اخرى. منهم ((المذيع جاسم طلال، ابو نيسان، مراد قاسم، علي بداي، بيان، ابو قيس، استيرا، حسن بلبل، سمر، ابو انيس، نوروز، سامان، ابو زهير، ابو الزوز، ابو محمد يماني، ابو علوان، ابو سهيل، علاء المخابر، ابو سرمد، وغيرهم الكثير من الذين غابوا عن ذاكرتي)).

انتقل فصيل الاعلام ومعه مكتب السرية وبقي في المنطقة عدد قليل من الانصار الذين لا يتجاوزون 10 يحرسون مقر ((دجلة)) الذي تفصله عن مقر القيادة في ((بير بنان)) 4 او 5 ساعات تقريبا، ولم يكن لديهم ما يقومون به من الناحية العسكرية باستثناء الحراسات والعمل الاداري اليومي الروتيني، اما جهاز اللاسلكي الذي يعتمدون عليه في تلقي المعلومات فقد تحول الى جثة هامدة لا ((حس ولا خبر)).

هذه الظروف جعلت الرفاق يشعرون بالعزلة والضجر ولولا الموهبة التي يتمتع بها بعض الانصار وخاصة النصير ابو حسين وطرائفه وتعليقاته الساخرة لكانت وحشة المكان لا تطاق.

ارتفعت وتيرة القصف المدفعي واصبح اكثر غزارة من ذي قبل، كل يوم تتساقط القذائف باحداثيات تكاد تكون دقيقة، بعض القرويين يمرون على الطريق في اعلى المقر محملين باشيائهم وبغالهم ويقولون ان الجيش يقترب وسوف يقتحم الوادي ونحن هاربون الى الحدود. كنا في حيرة من امرنا فنحن معزولين تماما عن المكتب العسكري ولا نعلم كيف تكون خطوتنا اللاحقة هل نواجه الجيش بهذا العدد القليل ام ننسحب وما هو موقف الحزب هل مع بقاءنا او مع انسحابنا!؟، لكننا بعد نقاش طويل قررنا ان ننسحب الى القمة التي تقع خلفنا بشكل مؤقت على ان نبقى نراقب المقر من بعيد، فحملنا اسلحتنا الخفيفة وعتادنا وبعض الاسلحة الثقيلة وكذلك القليل من الامتعة، بعد ان اتلفنا كل شيء غير ضروري.

في تلك الليلة من ذلك الصيف نمنا فوق الجبل وبالهواء الطلق وفي الصباح ذهب احد الانصار ليستطلع الوادي، ولما عاد الينا قال ان الجيش اقتحم المقر وسبقنا في الوصول الى نهاية الوادي حيث مقر بير بنان عند ذاك قررنا الانسحاب والالتحاق برفاقنا على الحدود الايرانية، حيث بدأت اشرس المعارك!.

يتبع

عرض مقالات: