لاول مرة، وجها لوجه مع سكرتير الحزب الرفيق الراحل عزيز محمد، رأيته بالرغم من بلوغه الستين، يتمتع بصحة جيدة وملامح وجهه خالية من القلق ونظرته حادة ويفرض هيبته من الوهلة الاولى.

في ظروف ما قبل الكفاح المسلح كان الامر مختلفا، امّا اليوم فإنك تعيش معهم وبينهم وبأستطاعتك ان ترى أيا من قادة الحزب وتتحدث اليه وربما تأكل معه في صحن واحد، هذا ما تتطلبه الحياة في الجبل التي فرضت نشوء ثقافة جديدة في العلاقات بين الرفاق.

كان ذلك في عام 1984 في منطقة ((ص)) التي انعقد فيها اجتماع اللجنة المركزية، وكان الراحل ((ابو سعود)) والراحل عضو ((ل. م.)) الرفيق ((ابو عواطف)) يشاركان مجموعة الحماية لعبة ((المحيبس)) في اوقات الاستراحة، وكما هو معروف فأنّ اللعبة تتطلب من رئيس الفريق استخدام اسلوب الحرب النفسية او النظر بتحدٍ في عيون الخصم وربما تتطلب المخاطبة المباشرة بنبرة خشنة وعالية، وكانت تلك محنة بالنسبة الى الفريق الذي يلعب ضد فريق ((سكرتير الحزب))، فلا احد يجرؤ ان ينتحل تلك الصفات والملامح ليظهرها امام الرفيق ((ابو سعود))!.

امّا هذه الصورة، التي لا اتذكر من الذي التقطها والتي يظهر فيها الرفيقان الراحلان، كانت اثناء استراحة المفرزة القادمة من ((لولان)) باتجاه ((بارزان))، أمّا مكانها، فهو السفح الذي يقع بعد عبور السلسلة الاولى من قرية ((ادلبي)) والتي عادة ما نمر من اسفلها حيث الطريق يتفرع الى اتجاهين احداهما يذهب بأتجاه نهر ((الشين)) والاخر الى جبل ((شيرين)).

في تلك الفترة، كانت المفارز التي تتحرك بين سوران والقواطع الاخرى، تأخذ استراحة قصيرة قرب ((عين الماء)) التي تقع في اسفل قرية ((ادلبي)) وهي راكدة وشحيحة وتكثر فيها الديدان المختلفة والمختلطة مع الاعشاب ولذلك نطلق عليها نحن الانصار العرب اسم ((ام السلابيح))!.

امام ((ام السلابيح)) يمتد وادٍ صخري وقليل النباتات ومكشوف وينتهي تحت سلسلة من الجبال يتمترس فوق قممها الجحوش، وهو هدف سهل لطائرات الهليكوبتر العراقية او التركية كما انّ ((عين الماء)) ذاتها تتعرض بأستمرار الى القصف المدفعي العراقي، لهذا السبب تكون الاستراحة فيها قصيرة وخاطفة على الرغم من اهميتها لما يأتي بعدها من مشقة في صعود القمم.

هذه المنطقة المحصورة بين قرية ((ادلبي)) ومقراتنا في ((بارزان وريزان)) والتي تستغرق ما يقرب من الثماني ساعات سيرا على الاقدام تعد مكانا آمنا لمختلف الحيوانات البرية وخاصة الغزلان والخنازير والارانب والدعلج، كما انها خالية من البشر بسبب قلة ينابيع الماء فيها بأستثناء ((الروبار)) الذي يمر من طرفها القريب من مواقع السلطة.

ويمكن اعتبار المكان الذي يربط ((ام السلابيح)) ومنطقة ((عادل بكَ)) وهي لا تتجاوز الثلاث ساعات من المشي (منطقة محرمة)!، فهي الاخطر بين القواطع الثلاثة ((سوران وبهدينان وشيرين))، وعلى الرغم من انها مهجورة وموحشة، لكنها مفترق طرق تلتقي فيها مفارز ((البيشمركَة والجندرمة التركية وعملاء النظام العراقي والسماسرة من كل نوع))، وهذا موضوع اخر لا يمكنني الاسترسال فيه لكي لا ابتعد عن وادي ((خوا كورك)) موضوع الكتابة.  

يتبع

عرض مقالات: