معاناة الطفولة في العراق، تختلف عن معاناة في البلدان الاخرى، خاصة الوضع الاجتماعي والتربوي والدراسي، حيث ان التعليم في بلادنا، بات سببا طاردا وليس بيتا جامعا لهم، من حيث ارتباك المناهج الدراسية، وما تضمنته من اشكاليات جعلتها في غاية الخلاف مع مستويات الدراسة التي تعارفت عليها المدارس العراقية منذ عام 1921، او نظراؤها في التعليم بدول الجوار والبلدان الاخرى. وقد اكدت المصادر التاريخية ان اول مدرسة تم افتتاحها في بغداد، كانت مدرسة مختلطة عام 1910، وكان يهود العراق يشرفون عليها.

ما نريد ان نقوله ان التعليم سجل تراجعا كبيرا، عن فترة الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. وبدلا من ان يتطور ويأخذ مساحة اكبر باستقطاب اطفال العراق، شهد تراجعا خطيراً وابتعد عن المستوى الذي سجله قبل ذلك.

في هذا الجانب يذكر احد المدرسين، بان المدارس في العراق كانت تحظى بالرعاية من الحكومات التي تعاقبت منذ عام 1921، حتى سبعينات القرن العشرين. فيما سجلت الفترة الممتدة من عام 1980حتى يومنا الحاضر نقاط تراجع كثيرة، كان من جملة اسبابها الاهمال الكببر لتطوير قابليات المعلمين وعدم الاهتمام بمستواهم التربوي والتدريسي الفني والمهني، اضافة الى التخلف في توفير وسائل مختبرية وعلمية، وقلة عدد المدارس قياسا الى الطلبة الدارسين في صفوفها.

فيما يشير احد المختصين الاجتماعيين الى انتشار ظاهرة تسول الاطفال في الشوارع، واشتغالهم في اعمال غسل السيارات في الساحات والتقاطعات او في بيع "العلاكة" في الاسواق، او غيرها من الاعمال التي تحط من قدر الطفل وتعرضه للابتذال والمهانة، وارجع اسباب انتشار الظاهرة للاسباب الاقتصادية فضلا عن تراجع مستوى التعليم بالبلد،وترك الاطفال لمدارسهم. 

مضيفا، الجهل هي سياسة بدأت تأخذ طريقها للتطبيق في مدارسنا بشكل واضح، ما جعل البعض في سبيل مصالحه الذاتية يسعى الى تهديم المدارس وخلق تزاحم ودوام مزدوج وثلاثي، مما تسبب بهذا الجيش الكبير من الاطفال الذين لا يعرفون القراءة والكتابة.

وفي جولة ميدانية شملت بعض التقاطعات في الشوارع الرئيسة في مدينة الحلة، نلاحظ العديد من الاطفال قد امتهنوا بيع "الكلينكس والعلاكة" او بيع الحلويات ولعب الاطفال وغيرها، من الاعمال التي تعتبر مصدر رزق لعائلاتهم التي تعيش على الفتات في بلد يطفو على بحيرة من الذهب الاسود، ودفع اولئك الاطفال الى التخلي عن مقاعدهم الدراسية لكي يخففوا من معاناة عوائلهم.

مثلا الطفل احمد عبد زيد، ابن العاشرة، يعمل في دفع عربة حمل في الاسواق، ويتعرض للمزاحمة من الكبار لكنه يتواصل مع عمله رغم المنغصات، فالوضع الاقتصادي لعائلته لم يسعفه في مواصلة دراسته.

الطفل باسم عبد الحسين، يحمل كارتونا كبيرا من علب الكلينيكس، ويدور في الاسواق ليكسب رزقه، وهو ابن الثانية عشر من عمره الغض، ويبدو مرهقا جدا وغير راض عن عمله لانه يحب الدراسة ويرغب في التواصل مع المدرسة لكن اهله أرغموه على ترك المدرسة والعمل في الاسواق.

 طفل آخر رفض الكشف عن اسمه يقف في احد التقاطعات يبيع قطع القماش للسيارات ويساعده آخر بنفس العمر تقريبا، يمسح مقدمة السيارة وهو اشبه بالشحاذين، حيث ترك مدرسته لاعالة عائلته.

طفل اخر عمره احد عشر عاما ترك المدرسة واتجه الى العمل في محال تصليح السيارات ليساهم في إعالة عائلته بعد عوق والده في حادث سير ، الطفل (علاوي) لم يتجاوز من العمر (13) سنة ذكر بأنه يعمل في بيع الاكياس البلاستيكية منذ ثلاث سنوات، حيث اقدم على هذا العمل قريبا من والده الذي يمتلك محلا للخضار, ووالده قال : لابد أن يتعلم صنعة بعد تركه الدراسة وهذا سبب لجلبه معي, ولكي اجعل منه رجلا يعتمد على نفسه.

من جانبه يقول المدرس (ص.ا): في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، كانت الدراسة تخضع لضوابط وقوانين، والمهم جدا هو موقف المعلم، الذي كان مثالا للوعي الانساني والمهني والتربوي، وهو ما جعل المدرسة تتقدم اجتماعيا وتربويا وانسانيا وعلميا.

ويتابع كما كان الطالب ينقل سلوكه المدرسي المنضبط الى عائلته، فيترك انطباعيا جيدا في العائلة، والمجتمع. ولأن المعلم كان ملتزما علميا وتربويا، فقد كانت رسالته بمنتهى الدقة والموضوعية والمهنية.

ختاما اقترح على الجهات المعنية بالامر، اعادة النظر في المناهج الدراسية، وحل اشكالية الدوام المزدوج والثلاثي، بناء عدد من المدارس تغطي التوسع السكاني الحاصل بالمناطق، واعادة تأهيل المعلمين وتدربيهم من خلال الدورات العلمية والنفسية التربوية، واشراك مجالس الآباء والمعلمين في العملية التربوية، كما لابد من تشكيل مجلس اعلى للتربية الاساسية، ووضع مناهج دراسية وفقا لآراء ومعطيات المجلس الذي ستكون بحوثه التي يقدمها لتحسين مستوى الاداء التربوي والتعليمي في بلادنا بالشكل الذي يعيد الى المدرسة الوطنية دورها البارز في اعداد جيل واع ومدرك لمسؤولياته الاجتماعية والوطنية.