بيّنت الموجة الرابعة من الاحتجاجات الشعبية الواسعة، التي انطلقت في أوائل تموز الفائت، وجاءت امتدادا للموجة الاولى المطالبة بالكهرباء صيف عام ٢٠١٠، والثانية المطالبة بالخدمات ربيع عام ٢٠١١، والثالثة التي اندلعت في صيف ٢٠١٥ واستمرت حتى ربيع هذا العام ٢٠١٨ وطالبت بإصلاح النظام السياسي الى جانب الخدمات .. بيّنت بشمولها جميع محافظات الوسط والجنوب، ان المواطنين لا يتخلون عن المطالبة بحقوقهم المشروعة، وبتوفير الخدمات الضرورية، سيما تلك التي تمس الحياة اليومية والعيش الكريم.
جرعات التخدير التي تزرقها الحكومات المحلية الفاشلة، وغير القادرة على القيام بواجباتها التي اساسها تأمين الخدمات، لم تنفع في شيء. فيما ثبت عجز الحكومة الاتحادية ايضا عن الاستجابة للمطالب التي لا يختلف اثنان على شرعيتها. ولم تنفع حتى أساليب القمع التي جوبه بها المتظاهرون، لثنيهم من مواصلة الاحتجاجات السلمية. وذلك رغم سقوط أربعة عشر شهيدا وعشرات الجرحى، ورغم حملة الاعتقالات الواسعة التي نفذتها الاجهزة الأمنية، واجبارها المعتقلين على توقيع تعهدات غير قانونية تنص على عدم العودة الى التظاهر، في مخالفة دستورية فاضحة تذكر بما كانت تمارسه الأجهزة القمعية للنظام الدكتاتوري السابق، الى جانب وضع قوائم باسماء مطلوبين لترهيب المواطنين وردعهم عن مواصلة احتجاجاتهم السلمية.
هذا وغيره اثبت، بما لا يقبل الشك، فشل النظام السياسي فشلا تاما كاملا. وقد نجحت الاحتجاجات الشعبية في تعرية أساس بنيته القائمة على المحاصصة الطائفية، والتي لا تثمر سوى الفساد وكوارثه، التي هي المنتج الأساسي للنظام الفاشل. وكشفت الاحتجاجات ايضا ان الحكومة الحالية، مثل غيرها من الحكومات التي تشكلت وفق المحاصصة، عاجزة كذلك عن توفير فرص العمل للشباب، وتأمين شروط العيش الآمن لهم، الى جانب عجزها عن توفير الخدمات الاساسية، من كهرباء وماء صالح للشرب. اما لجوؤها الى أساليب الترغيب والترهيب، فلم يؤد الا الى تأجيج السخط والرفض المتصاعدين.
ولم تستطع سلطات النظام ومؤسساته ان تدرك ان الشعب لم يعد قادرا على تحمل المزيد من أعباء فشل النظام، وانه يرفض العيش اكثر في ظل العوز والفاقة والبؤس. نعم، ولم يدرك المتنفذون ان الشعب لا يسكت عن المطالبة بحقوقه، وان الخطاب الطائفي لم يعد ينطلي عليه، حتى أصبحت عبارة (رفع المظلومية) بالنسبة اليه الظلم بعينه. فباسم هذه وعبر صفقات الفساد تمت سرقة أموال الشعب ونهبها من قبل طغمة الفساد، التي صارت تمتلك البنوك والكنوز والفضائيات والارصدة.
وليس من دون مغزى ان التظاهرات انطلقت واستمرت في المناطق التي تقطنها غالبية من ابناء الطائفة الشيعية، ففي هذا ما يفضح دعاوى من ادعوا الحكم باسم الطائفة. وقد غدا جليا ان الطائفية التي رفعوا رايتها مجرد ستار لإخفاء نهب المال العام، وان العدل لا يمكن ان يتحقق في ظلها.
لكن هذا الدرس البليغ، وقبله سعة المقاطعة للانتخابات، وتراجع أصوات تحالفات رموز السلطة .. هذا كله وغيره لا يكفي كما يبدو لأن يتعظوا، ولأن يدركوا خطر الانفجار الشعبي العارم الذي ينتظرهم، ان هم اصروا على مواصلة الحكم وفق نظام المحاصصة والفساد.
النظام الذي لم يعد الشعب يطيق العيش في ظله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
كان يفترض ان يرى هذا العمود النور على الصفحة الثانية من عدد يوم الخميس الماضي.
ولخطأ غير مقصود لم ينشر، ما اقتضى التنويه والاعتذار للرفيق جاسم الحلفي والقراء الكرام.

عرض مقالات: