راس الشليلة عنوان معروف لمسرحية كوميدية نقدية قدمها يوسف العاني تأليفا وإخراجا وتمثيلا، عام 1952، حين كان طالبا في معهد الفنون الجميلة في بغداد وقامت السلطات على اثرها بفصله من المعهد كما فصل كل من سامي عبد الحميد وابراهيم جلال، آنذاك، نظرا لتعرض المسرحية بشكل نقدي لاذع للوضع السياسي والاجتماعي.
وما اشبه اليوم بالبارحة! حتى غدا الفصل من الوظيفة، في هذه الايام، احد اساليب الترهيب لمن يتجاوز الخطوط الحمر، وهي كثر، فطال الفصل بعض الزملاء الاعلاميين المتميزين، الذين يمتلكون الشجاعة في تسمية الاشياء كما هي دون لف او دوران او تزويق، ليقولوا للمسيء أسأت! ناهيك عن تهمة المشاركات في التظاهرات الاحتجاجية وعواقبها السلطوية المتمثلة في الاستخدام المفرط للعنف، وبالاعتقالات واخذ التعهدات عنوة بعدم المساهمة بتلك الاحتجاجات التي غطت ثلثي الوطن.
و"الشليلة" هي مجموعة من خيوط طويلة تلف على شكل كرة، واذا ما ضاع راس الخيط في تلك الكرة، ضاعت كل امكانات الخياط، مهما كانت مهارته، في اتمام خياطة بدلة العروس او العريس! فكيف الحل اذا كان المحتفى به هو الوطن من جنوبه الى شماله؟!
كيف لنا ان نجعل من الوطن ساحة للتآخي والمحبة والعيش المشترك على ارضية " المواطنة الصالحة" وتوزيع الثروات بشكل عادل؟ لا بد لنا ان نعثر على " راس الشليلة " لتحقيق هذه الاماني. وراس الشليلة هو الفساد بعينه، الذي جاء متضامنا مع " المحاصصة " المقيتة، حتى وصل الفساد الى الهواء الذي نتنفس! وهنا لا نتحدث تورية بل واقع حال الوطن! فالمولدات الكهربائية تفرغ جيوبنا، وتنفث سمومها في اجوائنا، والسيارات تستخدم بنزينا خليطا بمادة الرصاص، كما اكد العديد من المختصين، لتترك دخانا يقتلنا بشكل بطيء.
ناهيك عن التخريب الذي حل باقتصادنا نتيجة ذلك الفساد، ولم تجرؤ الحكومة حتى يومنا هذا على الاطاحة بالرؤوس الكبيرة وبحيتان ذلك الفساد. تهديد ووعيد دون جدوى حقيقية.
لو تطبق الحكومة مبدأ "من اين لك هذا؟" لاكتشفنا بسهولة الثراء الذي نزل على "البعض" بين ليلة وضحاها.
تتناقل مواقع التواصل الاجتماعي تقارير، ليست مفبركة، عن امتلاك البعض عقارات وارصدة حسابية فلكية في المصارف الاجنبية. وفي الانتخابات لاحظنا أن هذا البعض يمتلك اكثر من قناة فضائية، والاعلاميون يتحدثون اليوم عن شراء النائبة الفلانية قناة تلفزيونية بملايين الدولارات! وهناك العديد من الامثلة عن الثراء الفاحش لا تستوعبه هذه الكلمة القصيرة.
الفساد هو راس الشليلة ومحاربة الفساد واحالة الفاسدين الى القضاء هو المفتاح الذهبي الذي يمكن ان يجعل من العراق واحة خضراء يعيش فيه الجميع بتآخٍ وحرية وكرامة في ظل دولة مدنية عصرية.