يعاني العراق اليوم من حجم كبير من الديون الداخلية والخارجية ومن مخاطر تزايدها بسبب التكاليف الباهضة التي يتكبدها الاقتصاد من جرائها،  خاصة في ظل استمرار مشاكله البنيوية وتدهور قاعدته التحتية والاهمال الذي اصابه طيلة الفترة الماضية من قبل الحكومات التي تخبطت في سياساتها الاقتصادية.

بيد ان الازمة السياسية الناشئة عن مخارج العملية الانتخابية وصراع القوى من اجل ترتيب اوضاعها للمحافظة على نفوذها قد يعطل الاهتمام الكافي  بملف الديون التي تعتبر واحدة من التكاليف الباهضة  التي تثقل كاهل  الاقتصاد العراقي وتعيق عملية التنمية الاقتصادية،  ان لم تتشكل حكومة وطنية تتخطى مطامح تلك القوى وتضع هذا الملف ضمن اولوياتها. فالتقديرات الاقتصادية تشير الى ان حجم الديون الداخلية والخارجية وصلت  الى 130 مليار دولار، وان حجم الديون الخارجية قد زاد عن 80 مليار دولار، فيما تبلغ الديون الداخلية 45 تريليون دينار عراقي، وهذه الديون تشكل 70 في المائة من حجم الناتج المحلي الاجمالي في عام 2016 بينما كان في عام 2015 في حدود ٥٠ في المائة، وهذا يعني ان وتائر الديون في تزايد مضطرد، مما يهدد بمخاطر تفوق هذه الديون على مجمل الناتج المحلي الاجمالي، وعندئذ يدخل الاقتصاد في ازمة عميقة تتعذر معالجتها في الامد القصير والمتوسط، وبالتالي  تعجز الدولة  عن تسديد هذه القروض، وسيكون عرضة للوقوع  في فخاخ الدين الخارجي في حال الاستمرار  في سياسة الاقتراض مع تزايد في حجم الفساد المالي الذي تسبب في واحدة من خطاياه ضياع 17 مليار دولار من الديون حسب (ستيوارت بوين) المفتش العام السابق المتخصص في اعادة اعمار العراق .

وحسب تقدير معظم المتابعين في الشان الاقتصادي فان تزايد هذه الديون، على الرغم من الموجات المالية الهائلة التي دخلت الخزينة والتي وصلت الى تريليون دولار نتيجة الارتفاع الهائل في اسعار النفط بعد عام 2003، يعود الى الاقتصار على الموارد النفطية  باسعارها المتذبذبة وتدهور شديد في القطاعات الاقتصادية المنتجة بما فيها القطاع الخاص، بالاضافة الى سوء الادارة المالية التي لم تستطع ضبط ايقاع الإنفاق  العام الذي  ابتلعته المشاريع الوهمية، وتفاقم في قطاع الاستهلاك ومتطلبات  الحرب  وما رافقها من صفقات فساد ظل مسكوتا عنها لحد اليوم.  كل ذلك  خلق ظاهرة العجوزات المتتالية في موازنات 2014---2017 مما قاد المؤسسات الدولية الى تقديم النصائح الى الحكومة  العراقية لتغطية هذه العجوزات وتشجيعها على الاقتراض مع تسهيلات ائتمانية ملموسة ليؤمن وضع  العراق تحت مظلة مالية دولية متعددة الاطراف تحت عنوان ترتيبات الاستعداد الائتماني المعروفة ب(sba  ( التي تفرض التزامات دقيقة وشروطا، ولكنها مهما كانت منسجمة مع متطلبات الاصلاح الاقتصادي الا انها في الجوهر لم يكن ميدانها التنمية الاقتصادية.

 ان عبء معالجة هذه الديون ستتحمله الحكومة القادمة التي عليها وضع استراتيجية ملموسة لتسديد هذه الديون والتوقف عن المزيد من الاقتراض من خلال حزمة من المواقف والأجراءات ومن بينها :

  1. انهاء ملف الديون الخليجية البالغ 41 مليار دولار التي قدمت الى النظام السابق كمساعدات في فترة الحرب وتثبيت سلطة النظام ثم تحولت الى قروض وهي في حقيقتها ديون بغيضة فهذا الملف قد يفتح في اي وقت للضغط على الحكومة تبعا لتوازنات المنطقة .
  2. اعادة النظر في قانون الادارة المالية والدين العام ليكون منسجما مع الاوضاع المالية في العراق بالتنسيق الكامل مع البنك المركزي بما يصب في عملية التنمية الاقتصادية وايجاد مصادر تمويل جديدة عن طريق تنويع للقطاعات الاقتصادية المولدة للدخل  وتفعيل دور الجهاز المصرفي في هذه العملية .
  3. تفعيل التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد الاداري والابتعاد عن سياسة المناورة والمجاملات السياسية للتستر على كبار الفاسدين وصولا الى اعادة الاموال المهربة والاستفادة من دور الشركات العالمية المكلفة بتدقيق القروض الداخلية والخارجية وتقديم بيانات حقيقية تفيد في الاستعانة بالمجتمع الدولي .
  4. توجيه القروض التي جرى الاتفاق عليها الى الاستثمار في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
عرض مقالات: