ابن المقفع، أبو عمرو بن العلاء، أبو نؤاس، الأصمعي، بشار بن برد، الجاحظ، جرير، خالد بن صفوان، ذو الرمة، سيبويه، الفراهيدي، الفرزدق، الكندي.. هؤلاء هم بعض من كان يحضر سوق المربد (بكسر الميم وفتح الباء) التي أنشئت في العصر الأموي واتخذت مكانها على رقعة مدينة الزبير أيامذي، وجاءت تسميتها لأن الإبل كانت تُحبس فيها.
لقد كانت سوق المربد عكاظاً جديداً اذ إتخذها الشعراء والنحاة محجة ومأمّا، وفيها كانت تقام المفاخرات الشعرية وتتلاقح ثقافات الحواضر والبوادي حتى غدت رئة وسيعة للبصرة تمدّها بالتجارة والثقافة، وحضناً متسعاً لشتى الأعراق من عرب وفرس وصينيين وهنود ومسلمين وأقباط، وبإعجاب ذكرها ياقوت الحموي (المتوفى سنة 626 هـ) في معجم بلدانه، ذكرها فاندثرت السوق بعدئذ ودُفنت.
وفي العام ١٩٧١ أحيّت وزارة الثقافة السوق الرميم عندما أقامت مهرجان المربد الشعري الأول ذا الدويّ الهائل والمسموع حتى يومنا هذا، ومهما كان غرض النظام البعثي الفتيّ من إقامة المهرجان لكنه لم يستطع تدجينه ولا ترويضه الّا أواسط الثمانينات ولغاية السقوط، وحتى في ذاك المفصل الزمني المترع بالقمع والدم والبارود والجوع القاتم كانت قصائد مشهودة تُلقى، وفي كلّ سنة، فترفع أسعار بورصة كتبة التقارير، وتُقلق ليل الفاشست لتحيلَ أحلامهم كوابيس خنّاسة، وفي تلكم الأعوام القاتلة القاحلة كانت ليالي المهرجان هي الأبهى اذ يبدأ الجميع - والموالون قبل الناقمين - طقسهم الروحيّ الحميم بسبّ العنب الأسود.
وبعد ٢٠٠٣ يعود المهرجان الى أهله سالماً غير مسلح بعد سنوات من الارتهان المرّ المذلّ، يعود ويخلع بدلتَه السفاري الزيتوني ليرتدي الآس والماء والحناء والنقاء، ليرتدي البصرة المقموعة التوّاقة، وليكون مربداً جديدا، جديداً بثوبه وراسخاً بتسلسله المجيد (٣٢) ففي هذا اليوم يحمل إسم (الحجاج) الذي أتعبَ كثيرا المؤولين والمترجمين والحاكمين والرئيس والملك وزبيبة، بل دوّخهم، ويكفي مثلا، محض مثل، ما أنشأ:
(
قبل أن نبتني وطناً
لنعيش عليه
أ لابُدَّ من وطنٍ أوّليّ
نموت له؟)
ويشاء بخت العراق أن يموت الأخ الأكبر، وأن يخّرس الفاشيون الصغار، وأن ينقلب - كالعادة- المسّاحون المهرة على أعقابهم، وأن يحيا كاظم الحجاج، وبشرف.

عرض مقالات: