ايام معدودات من التظاهرات الشعبية في عدد من المحافظات الاردنية، احتجاجا على مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد، ادت الى اسقاط حكومة رئيس الوزراء هاني الملقي. الآلاف وعشرات الآلاف من المواطنين الاردنيين هبوا رافضين السياسات الاقتصادية الحكومية، وفرضوا اصدار مرسوم ملكي بتشكيل حكومة جديدة برئاسة عمر الرزاز.
والسؤال: هل ادى سقوط حكومة الملقي الى ازالة الاسباب التي أدت الى اندلاع الاحتجاجات؟
الناشطون المحليون والمراقبون المختصون في الشأن السياسي الاردني، يستبعدون ان يكون رئيس الحكومة المكلف يحمل في حقيبته برنامج حل للمشاكل المعيشية المتفاقمة في البلاد، الناجمة – بين اسباب اخرى – عن زيادة حجم الضرائب التي يراد فرضها على كاهل الطبقات الفقيرة والفئات محدودة الدخل. فالقضية لا يحلها تغيير حكومي وتبديل وجوه، لانها تتعلق ببنية النظام الاقتصادي الاردني، المرتبط وثيقا بسياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووصفاتهما، وما ينجم عنها من تداعيات كارثية على الطبقات والفئات متوسطة الدخل والفقيرة.
لهذا يُتوقع ان يتواصل الحراك الاحتجاجي، وإن بشكل ومظهر مغايرين، ما دامت المشاكل المعيشية المتفاقمة تفتقد الحل الناجع، نظرا للازمة المالية التي تضرب الاقتصاد الاردني في الصميم.
هناك من يتحدث عن عودة ما بات يسمى بالربيع العربي. صحيح ان التغيير الذي احدثه الربيع العربي لم يمس جوهر الانظمة الحاكمة وطبيعتها، لكنه احدث في كل الاحوال تغييرات في شكلها. هذا اذا عرفنا ان إسقاط الحكومات سواء في مصر او في تونس، باعتبارهما ابرز نموذجين شهدا احتجاجات (الربيع العربي)، لم يحقق الهدفين الأساسيين للمحتجين، وهما تحسين الوضع المعيشي وتأمين المشاركة السياسية.
وعند طرح السؤال عما حققت الانظمة الحاكمة من مطالب الشعوب، وكيف واجهت تطلعها الى مشاركة سياسية فعالة، وهل تحوّل نهجها في اتجاه تحسين حياة المواطنين وظروف معيشتهم؟ يأتي الجواب واضحا لا لبس فيه، بعدم تنفيذ الانظمة شيئا من الوعود التي اطلقتها، والتي هدفت في الواقع الى نزع فتيل غضب الملايين. ذلك انها جميعا ادارت ظهورها لمطالب الشعب.
فاذا كانت الاعراض الجانبية لوصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، قد فاقمت الوضع المعيشي بزيادتها الضرائب ورفعها الدعم الحكومي للمواد الأساسية، وعدم معالجتها معضلة البطالة، فان الوجع الناجم عن سياسات هاتين المؤسستين الامبرياليتين قادم لا محالة. اما الدعم الذي تقدمانه للحكومات فما هو الا "اسبرين" يخفف الألم برهة، لكنه لا يمس المرض الذي ينهش الاقتصاد، وينعكس وبالا على معيشة الناس.
ان متابعة سريعة لحركات الشعوب في الاردن ومثيلاته من الدول، تدل على ان الرفض والغضب والسخط وصل مداه، وانه بالغ بالتاكيد درجة الغليان عاجلا او اجلا.
وستكون للشعوب انتفاضات، اظنها اعمق واكبر مما اجترحت في السنوات الفائتة.