يمتلك القطاع الخاص في العراق نظريا الكثير من مبررات وجوده كقطاع فاعل في الحياة الاقتصادية والتعبير عن دوره في عمليات التنمية والمساهمة في سد حاجة السوق العراقي من المنتجات على تنوعها خاصة الاستهلاكية، وكذلك دوره في توسيع العملية الانتاجية ورفع وتيرتها وقدرته على استيعاب الايدي العاملة بتنوع مهاراتها، الا انه عمليا معطل عن اداء هذا الدورالمهم.
ورغم الوعود الحكومية في ايلاء الاهتمام بهذا القطاع وخاصة ما اكد عليه البرنامج الحكومي في بداية تشكيل الحكومة الراهنة الا ان المستثمرين المحليين سمعوا من المسؤولين الحكوميين كلاما ولم يلمسوا فعلا. والحقيقة ان هذا القطاع ليس وحده ما يعاني الاهمال فان القطاع الحكومي يعاني هو الاخر من اهمال اشد لتركز السياسة الاقتصادية على القطاع النفطي والاقتراض.
فالواقع يؤشر الى ان جنبة من السياسة الاقتصادية ظلت تدور حول تدفق السلع الاستهلاكية بالدرجة الرئيسية ما ادي الى انتقال رؤوس الاموال باتجاه واحد بتدفقات نقدية الى الخارج من العوائد النفطية مقابل سلع استهلاكية مستوردة رديئة الصنع عموما. وهذه السياسية المتبعة تحد من امكانية توسع الانتاج المحلي، فيما تشير المعطيات الى ان القطاع الخاص يمثل 98 في المائة من اجمالي عدد الوحدات الصناعية العاملة في العراق في مقابل 1،5 في المائة مملوكة للدولة وان 2 في المائة ذات ملكية مشتركة الا ان حجم الانتاج في القطاع الحكومي اكثر بكثير من انتاج القطاع الخاص.
ومن الجدير بالذكر ان التحديات التي كانت تواجه عملية النهوض بالقطاع الخاص سواء خلال فترة الحرب العراقية الايرانية وحقبة الحصارالذي فرضه المجتمع الدولي وحتى مرحلة ما بعد 2003 لا تزال قائمة، فالتوتر الامني لا زال شديد المخاطر على نمو القطاع الخاص على الرغم من الاعلان رسميا عن القضاء على الدواعش، الا انه يبقى عاملا سلبيا يحد من فاعلية الاستثمار المحلي والاجنبي في ان، كما ان عدم توفر مصادر التمويل الكافية لدى القطاع الخاص المقترن بتعقد عملية الاقراض والتسهيلات الائتمانية، يعد العامل الابرز في عدم تمكين القطاع الخاص من النهوض بدوره. ولم يكن الحديث عن المبادرة الصناعية سوى زوبعة في فنجان خاصة مبادرة البنك المركزي بتقديم 6 تريليون دينار كقروض لتحفيز النشاط الاقتصادي في المشاريع الصغيرة والمتوسطة والذي لم ير النور نتيجة لعجز الحكومة عن ايجاد الية متوازنة لتوزيع هذه القروض بسبب تناقض المواقف من هذه المبادرة والضغط باتجاه قيام البنوك الاهلية بتوزيع هذا المبلغ، والهدف واضح الالتفاف على هذا القرض وابتزاز المستثمرين. الا ان العامل الاهم في اهمال القطاع الخاص هو سوء ادارة الملف الاقتصادي وغياب الارادة الحكومية لمعاجة هذه التحديات. وبالاضافة الى ما تقدم فان مزاحمة المنتج الاجنبي الذي اغرق السوق وضعف الاجراءات الحمائية للدولة قاد الى زيادة تكاليف المنتج المحلي وتعريض الانتاج المحلي الخاص والحكومي الى التراجع بدرجة كبيرة .
ان تمكين القطاع الخاص من النهوض بدوره في عملية التنمية الاقتصادية يتطلب من الحكومة رعاية حقيقية لهذا القطاع من خلال منظومة من الاجراءات نذكر منها ما يلي:
1. قيام الادارة الاقتصادية الحكومية باعداد الدراسات العلمية الواقعية للمشاكل التي تعيق عمل القطاع الخاص والعوامل التي تحفز هذا القطاع واجراء حوارات منسقة مع ممثلي القطاع الخاص: اتحاد الصناعات العراقي واتحاد رجال الاعمال وغيرهما ، وصولا الى الحلول الفاعلة لتنشيطه.
2. حل مشكلة التمويل وهذا يتم عبر حث الجهاز المصرفي الحكومي والخاص على تقديم التسهيلات الائتمانية لاصحاب المشاريع، شركات وافرادا، بفوائد تفضيلية ولفترات طويلة نسبيا تفتح امام المستثمرين افاقا رحبة لاستقرار المشايع ودوران عجلة الانتاج وتفعيل انشاء صندوق الاستثمار ليكون مصدرا فاعلا للتمويل الى جانب الوعاء المصرفي.
3. حماية المنتج الوطني العام والخاص من مزاحمة المنتج الاجنبي المستورد وتفعيل الاجراءات الحكومية في هذا الجانب مع تفعيل التشريعات المانعة للاحتكار وتقديم السماحات الكمركية على البضائع التي تدخل في عملية الانتاج ، صناعة او زراعة.
وقفة اقتصادية.. القطاع الخاص بين مطرقة الشحة المالية وسندان التمكين
- التفاصيل
- ابراهيم المشهداني
- آعمدة طریق الشعب
- 1997