تمكن مزارع فرنسي من جمع ٧٤ ألف توقيع على عريضة، تطالب بالعدالة لديكه الذي قتل على يد جاره. حدث هذا حسب الخبر الذي نشرته قبل ايام جريدة “الشرق الأوسط” في قرية (فينزيو) جنوب فرنسا، البالغ عدد سكانها ٤٥٠ نسمة. وقد أقر القاتل بفعلته، ولكن لم تنفع دفوعاته أمام القاضي بكونه سأم من صياح الديك. وقد سبق للمحكمة ان أصدرت حكما لصالح الديك في صياحه، بعد تنازع قضائي بين صاحب الديك وجاره.
هذا الخبر الطريف قد يبدو للوهلة الأولى (سالفة بطرانين) بلا شغل ولا هموم، والحديث عنه هو اشبه بنكتة في بلد كالعراق، حيث عمليات تغييب الناس وتصفيتهم مستمرة حتى صرنا ننسى أعداد الشهداء، ولا نتوقف عندما تتناقض. فالانتفاضة تقول ان العدد يبلغ٧٠٠ شهيد، بينما تصر الحكومة على انه ٥٠٠ فقط. والفرق كبير بين الرقمين، علما أنها ليست أرقاما مجردة، فوراءها عوائل فجعت بأبنائها، ومصائر دامية لحشود شبان كانت لهم طموحاتهم وأمانيهم وأحلامهم في العيش الكريم في وطن يحترم آدميتهم.
لم يتوقف حصاد الموت الغادر في العراق. فالحكومة عاجزة عن حماية مواطنيها، وهذا واجب أساسي لها، وفاقدة الإرادة في محاكمة القتلة، وكل ما “انجزته” هو جرد أسماء الشهداء في سجلاتها الرسمية.
وإذ نشعر باليأس ازاء عجز الحكومة عن فرض الأمن وحماية الناشطين والمحتجين، فلا يبقَى أمامنا إلا ان نأخذ حماية أرواح شبابنا على عاتقنا. ولا نقصد بذلك حمل السلاح او تكوين مليشيات تواجه مليشيات القتل. قطعا لا نعني ذلك، فإيماننا بحصر السلاح بيد الدولة مبدأ لا تراجع عنه. لكن يمكننا تنظيم حملة لمحاصرة القتلة، وجعلهم يواجهون القانون جزاء أفعالهم الشنيعة، حملة تبدأ بتشجيع أهالي الشهداء على إقامة دعاوى قضائية!
لنتصور 700 عائلة شهيد ترفع دعاوى قضائية، وآلاف الجرحى يرفعون مثلها، وما يمكن ان يتبع ذلك من نشوء حركة مدنية قانونية تشغل القضاء والحكومة والرأي العام! وواضح امر هوية الخصم هنا، فالقضايا لن تسجل ضد مجهول، بل ضد كل من رئيسي الوزراء السابق والحالي إضافة الى وظيفتيهما، وضد كبار المسؤولين الامنيين إضافة الى وظائفهم. فهؤلاء وفقاً للدستور والقوانين النافذة هم المسؤولون عن حماية الناس وارواحهم.
يقينا ان هذه الفكرة ممكنة التحقيق، وستتحول الى فعل كبير التأثير اذا اسهمت فيها نقابة المحاميين وترافع اعضاؤها مجانا بالنيابة عن الضحايا، في إطار حملة وطنية منظمة وهادفة. حملة يمكن ان يبادر الى إطلاقها قادة الرأي العام وكبار الشخصيات الثقافية والاجتماعية، ويسهم في تنظيمها قادة الأطر المدنية والنقابية والمهنية وغيرها.
ان المجتمع المدني بمعناه الواسع ودوره الكبير في الحراك الاجتماعي، هو المؤهل للنهوض بمهمة حماية المجتمع وإستقراره، عندما يصيب الوهن الدولة وتضعف إرادة حكومتها.
لقد آن أوان مغادرة اللامبالاة والسلبية والاتكالية وتثبيط الهمم. آن أوان العزم والإرادة والاقدام. فأرواح شبابنا ومستقبلهم يستحقان منا بذل الجهد المنظم لضمان سلامتهم وارساء أمنهم تحت مظلة القانون.