بدأت مزايدات طغمة الحكم على موعد إجراء الانتخابات، باصطناع خلافات شكلية بخبث ودهاء، لحرف انتباه الرأي العام عن المستحقات الأساسية للإنتخابات، واولها تهيئة أجواء طبيعة وبيئة صالحة لإجرائها.
ويتضح جليا ان المتنفذين ما زالوا بعيدين عن الفهم الصحيح لجوهر مطلب الانتفاضة باجراء الانتخابات المبكرة، رغم إنه مطلب واضح لا لبس فيه تغذيه الحاجة الى تغيير موازين القوى لصالح البلد وأهله، على حساب طغمة الحكم المتنفذة التي إستأثرت بالسلطة، وعبثت بكل المقدرات. ولهذا لم يكن في بال المنتفضين تمييز هذا المتنفذ عن ذاك، وتفضيل هذه الكتلة على تلك، بل حمّلوا جميع القوى التي تبنت الطائفية منهجا في الحكم، مسؤولية الفساد والخراب والتخلف الذي عم وطغى.
ومن هنا جاء أصرار المنتفضين على ربط إسقاط حكومة عبد المهدي بتشكيل حكومة مؤقتة تنفذ مهمات استثنائية، بينها مهمة إجراء الإنتخابات المبكرة لتأمين تمثيل حقيقي للشعب وتجسيد حر ونزيه لإرادته. ولم تكن هذه الرؤية إرتجالية ناتجة عن إنفعال شعبي، بل جاءت تعبيرا عن وعي بضرورة إزاحة طغمة الفساد عن المشهد السياسي، عبر تغيير ميزان القوى لصالح حاضرٍ غير هذا المليء بالبوس والحرمان والفقر وهدر الكرامة.
وقد تبنى ملايين المواطنين مطلب التغيير في لحظة ثورية عظيمة، ونتيجة إدراك مذهل لأهميته ومتطلباته والصعوبات التي تكتنف طريقه. لذا لم يكن إصرارهم عليه عبثا، وقد قدموا من اجله وما زالوا يقدمون التضحيات الجسام، وهم يتحملون عبء المعاناة وحملات التشويه والضغط وشراء الذمم.
وجاء مطلب الانتخابات المبكرة، بعد كفاح شعبي طويل، إستعملت فيه كل وسائل الضغط والمدافعة والتواصل، واشتدت على صفحاته معارك فكرية وسياسية كانت عناوينها المواطنة بدلا عن الطائفية، والنزاهة مقابل الفساد، وتنويع الاقتصاد بدلا عن إعتماد الريع، والعدالة الاجتماعية سبيلا لردم الفجوة الطبقية الواسعة، الى جانب الحق بالعيش الآمن في وطن يوفر الخدمات.
هذه المطالب التي تضمنتها أوراق المنتفضين وبياناتهم جاءت ضمن سياقات متصلة، تأتي في مقدمتها محاكمة رؤوس الفساد الكبيرة سارقة المال العام والمتلاعبة بالميزانيات والمخفية حساباتها الختامية والمدبرة للعقود الوهمية، كذلك تقديم أصحاب القرار السياسي القاضي بقتل المنتفضين الى القضاء، وعدم قصر المحاكمات على المنتسبين المنفذين، اضافة الى استبعاد المسؤولين عن ذلك من الترشيح وتولي المناصب التشريعية والتنفيذية.
ان اجراء المحاكمات المشار اليها وحصر السلاح بيد الدولة، هما من أسس التهيئة السليمة للانتخابات الحرة والنزيهة، الى جانب إستكمال قانون الإنتخابات وإتمام عضوية المحكمة الاتحادية، وكل ما يتعلق بتطبيق قانون الأحزاب، مع ضمان رقابة أممية فعالة، فضلا عن أمور أخرى تقع في اطار منظومة المطالب التي لا تقبل التجزئة والعشوائية ولا المساومة والتسويف.
فاذا لم تقم الحكومة بذلك فلا جدوى من الانتخابات أصلا، ما دام هدف الانتفاضة هو إزاحة طغمة الفساد وطغمة الحكم الفاشلة، وليس إعادة إنتاجهم على رأس السلطة، وتدويرهم فيها.