شابَ التاريخ السياسي الحديث للعراق الكثير من التشويه، ساهمت فيه الحكومات العراقية المتعاقبة على دفة الحكم طيلة قرن كامل، باستثناء اربع سنوات من حكمٍ  قدم منجزات للشعب لم تقدمها كل تلك الحكومات التي سبقت، والتي تلت تلك السنوات الاربع الخالدة في ضمائر الشرفاء من ابناء هذا الشعب.

وطال التشويه كل مفاصل تاريخنا حتى غدا الضحية جلادا والجلاد ضحية! والا كيف تستطيع ان تفسر ان مختلف قوات القمع الصدامية للنظام المقبور تستلم اليوم مرتباتها كاملة، وكأنها كانت تتعامل مع المواطنين بقفازات من حرير!

البعض من هذه القوات القمعية استقر في الدول المجاورة ويصل راتبه او تقاعده الشهري كاملا مكملا الى محل سكناه الجديد، دون نقصان! بينما كنا نحن الذين ارتضينا المنفى وطنا، هربا من بطش النظام، لا نستطيع ان نمر في الشارع المجاور لأية سفارة! ليس هذا فحسب بل ان تلك القوات القمعية التي ذكرتها كانت تتعقب عوائلنا بشكل يومي، وفي احيان كثيرة حجزت بعض افرادها في سجونها السرية والعلنية، من اجل ان نرضخ لابتزازها ونعود للوطن لنقدم ايات الولاء للقائد الضرورة ولحزبه الفاشي! ناهيك عن ملاحقتنا خارج الوطن والاعتداء على بعضنا قتلا او خطفا او ضربا، كما حدث للعديد من المنفيين في دول مختلفة.

كنا ننتظر طيلة سبعة عشر عاما، مسؤولا يحدثنا عما جرى من احداث مفصلية مر بها الوطن، دون ان " يحرق" مرحلة او يتناساها عمدا او سهوا !

ويعرف المسؤول بانه اذا نظر للتاريخ بعيون الشرائح والطبقات المعدمة، صاحبة المصلحة الحقيقية بالتغيير، فانه سيخلق له اعداء جددا من مناصري النظام السابق الذين يلتقون مع الفاسدين والمتلاعبين بالمال العام على "دكة" المصالح المشتركة!

صرح رئيس الوزراء الكاظمي علنا، في اول لقاء يعقده مع الصحفيين، بان مأساة العراقيين وخراب العراق بدأ عندما نجح الانقلابيون في 8 شباط ١٩٦٣ بالانقضاض على الجمهورية الشعبية الفتية! وهذا التصريح يعني ضمنا ان ضحايا ذلك الانقلاب هم شهداء الوطن (ويفترض ان يحاسب ويحاكم من ارتكب تلك الفظاعات، لان الجريمة لا تسقط بالتقادم!). كما سبق ان اعلنت حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم عام ١٩٥٩ بان مؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف " فهد " ورفاقه، الذين اعدموا من قبل الحكومة الملكية في عام ١٩٤٩، هم شهداء الوطن والشعب.

بداية حسنة ان يضع المسؤول الاول في الدولة النقاط على الحروف فيما يخص تاريخنا المعاصر. ولكن الحاضر يضغط على الجميع بمختلف الاشكال: صحة واقتصادا وامنا!

واذا دققنا باسباب الخراب هذه سنجد آفة " الفساد" هي السبب الرئيسي في انهيار اركان اساسية لاية دولة تحترم نفسها.. وعليه نقول ان كشف الواقع لا يكفي بل علينا تغيير هذا الواقع، وهذا ما يتطلب كشف ملفات الفساد المالي والاداري الكبرى، وتقديم الفاسدين لمحاكمات شفافة علنية وعادلة. وهي الطريقة الوحيدة التي نستطيع فيها ان نطمئن لاي مشروع وطني، من اجل وضع بلادنا على السكة الصحيحة!

عرض مقالات: