من بين المطالب الأساسية لانتفاضة شعبنا البطولية، القيام بإصلاح المنظومة الانتخابية بدءاً بالمفوضية العليا للانتخابات، وتخليصها من المحاصصة الطائفية والحزبية، نظرا لإدراك المنتفضين أنها المفتاح لعملية التغيير المنشودة، والتي بدونها تظل الطرق المفضية الى هذا التغيير غير سالكة، نسبة الى الدور الخطير الذي تلعبه المفوضية في الانتخابات البرلمانية والمحلية.
لقد استطاعت المفوضية منذ الانتخابات الاولى عام 2005 ولحد الانتخابات الاخيرة عام 2018، ان تساهم بفاعلية في تزوير هذه الانتخابات والتخلي عن ابسط واجباتها، سواء ما تعلق منها بمنع استخدام المال السياسي وشراء ذمم الكثير من الناخبين، او التهديدات المباشرة وغير المباشرة، ومشاركة احزاب لها مليشيات وأذرع عسكرية، رغم كون ذلك ممنوعا دستورياً وفي قانون الاحزاب ايضاً، بالاضافة الى استغلال مؤسسات الدولة وما تملكه من امكانيات كبيرة، وتوظيفها لصالح الاحزاب والكتل المتنفذة، وفوق كل هذه الخطايا لم تتردد في التلاعب بنتائج الانتخابات أو التواطؤ مع القائمين بها.
والسبب الأرأس في هذا الواقع المأساوي، هو المحاصصة وتوزيع مجلس المفوضية على الاحزاب الرئيسية من المكونات الثلاثة، ثم توزيع الكوادر الوسطية وموظفي الفروع في المحافظات. ولهذا السبب ايضاً تستقتل الاحزاب والقوى المتنفذة من اجل ان تكون المفوضية الحالية نسخة طبق الاصل من المفوضيات السابقة، واعتبارها جزءاً من استراتيجيتها في التشبث بالسلطة واعادة اقتسام مكاسبها ومزاياها، دون الالتفات ولو تكتيكياً لمعاناة الشعب العراقي ومطالبه المشروعة، التي جسدتها شعارات المنتفضين والتضحيات الغالية من شهداء وجرحى ومعوقين ومختطفين ومعتقلين.
إن موافقة هذه القوى على تمرير حكومة الكاظمي كانت اضطرارية وعلى مضض، وكان ممثلو احدى الفصائل المسلحة قد شبهوا حالها بحال من يتجرع سماً. خاصة وانها جاءت بعد فشل سيناريوهات إبقاء عادل عبد المهدي الى نهاية الدورة الانتخابية، وحلول الكارثتين الجديدتين بانهيار اسعار النفط ووباء كورونا، فضلاً عن التغريدة المتعلقة بالمرونة البطولية للإمام الحسن (ع) في تنازله لمعاوية، رغم أحقيته في الخلافة.
لكن اضطرارهم لتمرير الحكومة الجديدة، لم يمنعهم من اعادة الكرّة، والتهيؤ مبكراً للانتخابات القادمة، رغم تشكيك الكثيرين بامكانية اجرائها خلال سنة او أكثر، ليس بسبب العراقيل السياسية التي يضعها البعض في طريقها فحسب، وانما بسبب قانون الانتخابات المنقوص ايضاً، والذي فُصل على مقاس الطبقة السياسية الحاكمة.
ولهذا مارسوا ضغوطاً هائلة لتشكيل مفوضية الانتخابات الجديدة عبر المحاصصة المقيتة، واعادوا اقتسامها فيما بينهم وكأن شيئاً لم يكن، واتفقوا مجدداً مع ذات الشركة الكورية الوهمية التي يفترض ان تكون مهمتها الاساسية تسريع الاعلان عن نتائج الانتخابات، علماً ان تسريعها لإعلان نتائج انتخابات 2018 استغرق (90) يوماً فقط!
ولكي لا تذهب تضحيات ونضالات وبطولات المنتفضين سدى، لا بد من عودة الانتفاضة بزخم اكبر، مع الحفاظ على سلميتها وتطهيرها من الطارئين والمندسين، وتلافي نواقصها وثغرات عملها المعروفة. وهذا ليس من اجل تغيير هذه المفوضية اللامستقلة فحسب، وانما لاستكمال مشروعها الوطني في تغيير النظام السياسي نهجاً وممارسة.
وان على الحكومة والسيد الكاظمي بالذات، العمل على اصلاح مفوضية الانتخابات الجديدة وتغيير تركيبتها غير الكفوءة، وانقاذها من المحاصصة والتزوير الحاصل فيها.