يشكل النظام الضريبي إذا ما أحسنت إدارته وطورت تشريعاته مصدرا رئيسا لتمويل الموازنات السنوية، والعراق تحت أية ظروف لا يمكن ان يخرج عن هذه القاعدة خاصة وانه يعتمد اساسا على الريع النفطي المعرض الى الكثير من الهزات وفي مقدمتها الانخفاض الكبير في الاسعار او تذبذبها. وتجربة العراق في المجال الضريبي تعطي درسا لا يمكن الاستغناء عنه، فقد كانت مساهمتها قبل عام 2003 بحدود (30) في المائة في هذه الموازنات لكنها انخفضت بشكل مريع بعد هذا التاريخ فلم تزد عن (1) في المائة لكن الوعاء الضريبي اختلف بين هذين العهدين فعلى حين ازدادت الضريبة بنسبة 60 في المائة قبل عام 2003 كضرائب غير مباشرة تفرض على السلع والخدمات، فقد كانت الزيادة 60 في المائة بعد عام 2003 تفرض كضرائب مباشرة على الدخل وهو ما يتطلب معالجة هذه الاشكالية.
ومن الجدير بالذكر ان تدهور الضريبة كمصدر للتمويل بعد عام 2003 يرجع الى جملة من الاسباب ومنها على سبيل المثال الاعتماد على الموارد النفطية بشكل أساسي في تمويل الموازنات السنوية التي لم تقل لهذه اللحظة عن 90 في المائة بالإضافة الى كثرة الاعفاءات والحوافز الضريبية التي تطبق بشكل عشوائي وباهتمام ضعيف زد على ذلك ضعف او غياب البيانات والمعلومات الضرورية لحصر المكلفين مما ادى ليس فقط الى ضعف الادارة وانما لانتشار الفساد المالي والاداري في كافة حلقات الجهاز الضريبي فضلا عن ضعف الرقابة التي تدخل ضمن مهام ديوان الرقابة المالية والرقابة الداخلية التدقيقية حيث ان انعدام التدقيق الدوري في الجهاز وفر البيئة المناسبة للتهرب الضريبي . ولابد من القول إن المسألة الجوهرية في أزمة استحصال الضريبة في العراق تعود في الاصل الى انعدام الثقة بين المواطن المكلف والجهاز الضريبي نتيجة للفساد المستشري المقترن بالاختلال في اساليب الادارة لاسيما الاداء المحاسبي الضريبي وضعف السيطرة على الاوعية الضريبية والتركيز على المضمون منها (رواتب موظفي الدولة ).فيما يتجسد التهرب في قطاع التجارة والعقارات فعلى سبيل المثال كان المفروض فرض ضريبة على تعاملات نافذة البنك المركزي مقدارها 10 تريليون دينار لكن ما يستحصل من هذه الضريبة تريليونا دينار فقط وهذا المثال ينطبق على المنافذ الحدودية التي يفترض ان يكون مقدار الضريبة حسب تصريح رئيس هيئة المنافذ الحدودية10 مليارات دولار لكن لم يستحصل منها سوى ملياري دولار سنويا .
لقد أصبح من المؤكد أن ضبط ايقاع الموارد الضريبية سيوفر للدولة مصدرا ماليا يكاد يضاهي الموارد النفطية ويعزز من تمويل الموازنات السنوية وتخليصها من إشكالية العجز التي تظهر في كل عام ما يتوجب على الدولة اتخاذ التدابير الضرورية المتعلقة بالتحصيل الضريبي لكي يتحول الى أداة لتحقيق العدالة في توزيع الدخل بين المواطنين. وفي هذا المجال نقترح الاتي:
• ضرورة قيام الادارة الضريبية بجملة من التدابير المرنة آخذة بالاعتبار مستويات الدخل عبر وسائل اعلامية مرئية ومسموعة ومقروءة من اجل نشر الثقافة الضريبية وتحقيق الشعور العالي بالمواطنية والالتزام بدفع الضريبة في اوقاتها والاستفادة من الخصومات والفوائد التي يجنيها المكلف.
• قيام الدولة بفرض الضرائب التصاعدية وتحديد الشرائح الاجتماعية التي تنطبق عليها هذه المعايير وفي الوقت نفسه إعفاء ذوي الدخول الواطئة مع إعفاء السلع المستوردة التي يحتاجها البلد في تطوير الصناعة والقطاعات الانتاجية المهمة وتطبيق التشريعات التي تلزم بكشف الذمم المالية لكبار موظفي الدولة واعضاء مجلس النواب.
• تطوير اساليب استحصال الضريبة من خلال تحديد الوعاء الضريبي وادخال الاساليب والوسائل الحديثة وخاصة التكنولوجيا المتطورة لضبط البيانات الخاصة بالمكلفين وخاصة الطبقة الأوليغارشية والاثرياء والتشدد في النظام المحاسبي بما يسد الثغرات التي تساعد على اتساع نطاق التهريب.
وقفة اقتصادية.. أصلحوا النظام الضريبي دون تردد
- التفاصيل
- ابراهيم المشهداني
- آعمدة طریق الشعب
- 2862