يمكن اعتبار اشكالية السكن في العراق احدى اكبر الازمات ان لم تكن اكبرها جميعا منذ عقود مما خلق فجوة كبيرة بين العراقيين انفسهم بسبب الفارق الطبقي من جهة وبينهم وبين الحكومة من جهة اخرى والتي لم تعط لهذا القطاع ما ينبغي من الاهتمام على الرغم من ان توفير السكن اللائق يعد من اهم واجبات الدولة تجاه مواطنيها بغية تنظيم حياتهم المعيشية .
ومن الواضح ان هذه الاشكالية اخذت تتفاقم بسبب الزيادة المضطردة للسكان وفي الوقت نفسه زيادة عدد الاسر التي لا يتحقق استقرارها الا بضمان توفير سكن لائق يشعرها بالاستقرار والطمأنينة اذ تؤكد الاحصاءات ان عدد سكان العراق اخذ يربو على 39 مليون نسمة وبالتالي فان البلاد بحاجة 3.5 مليون وحدة سكنية حسب تقديرات وزارة الاعمار والاسكان التي تعتمد اساسا على احصاءات الجهاز المركزي للإحصاء عام 2015 في الاقل مع استمرار الزيادة في هذا العدد إذا بقي معدل النمو السكاني السنوي في العراق 3 في المائة.
ان ازمة السكن هذه لم تأت من فراغ وانما لتضافر مجموعة من الاسباب لعل في مقدمتها اهمال الحكومات المتعاقبة رسم استراتيجية واقعية لمعالجة هذه الازمة بما يسد حاجة المواطنين وفوق ذلك اخفاق الدولة وفشلها في تنشيط عملية الاستثمار بسبب الفساد في مجمل مفاصلها المترافق مع روتين حكومي يشجع على الابتزاز بالإضافة الى انخفاض مستوى دخول الافراد المقترن بارتفاع تكاليف البناء بسبب التوزيع الظالم للثروة حيث يستحوذ 20 في المائة من العراقيين على 40 في المائة من اجمالي الثروة فضلا عن قصور الجهاز المصرفي في تقديم التسهيلات الائتمانية لهذا الغرض .
ومن الجدير بالذكر ان سياسة الاسكان الوطنية التي اقرتها الحكومة في عام 2010 لم ينفذ منها سوى 5 في المائة حتى عام 2018 وهذا دليل على سوء ادارة الملف من قبل الوزارات المعنية ومن مخرجات هذا الفشل ظهور 3687 من العشوائيات في العراق التي تحتوي على 522 ألف وحدة سكنية ضمن مواصفات رديئة لا تتناسب مع الحاجة الانسانية وهي متواجدة في بغداد والبصرة والنجف والانبار وصلاح الدين باستثناء الاقليم .وتلك العشوائيات تؤوي أكثر من ثلاثة ملايين نسمة يشكلون 16 في المائة من مجموع سكان العراق وان 88 في المائة منها تعود الى الدولة و12 في المائة يعد تجاوزا على الملكيات الخاصة .
لقد اقدمت الحكومة العراقية على الشروع في إنجاز بعض المشاريع السكنية الاستثمارية لكنها لم تحل الا جزء يسير من الازمة مثل مشروع بسماية الذي يعد الاكبر في العراق لكن أسعار الوحدات السكنية مرتفعة وبما لا يتناسب مع مستوى دخول العوائل الفقيرة ومحدودة الدخل بالإضافة الى عدم اكمال خدماته وخاصة الطريق السريع الرابط بين بسماية ومركز مدينة بغداد وعدم انجاز خط سكة الحديد الذي سبق وأعلن عنه.
ان اية استراتيجية تعتزم الدولة اتخاذها في ظل حكومة منتخبة لحل ازمة السكن لابد أساسا من التمييز بين الحاجة الى السكن والطلب عليه وهما مفهومان مختلفان من أجل ضمان العدالة في التوزيع بين المواطنين. وعلى هذا الاساس تضع الدولة آلياتها وتحدد خياراتها في النظر الى الازمة ومعالجتها مقترحين كالآتي:
1. التنسيق بين الوزارات ذات العلاقة بتنفيذ الاستراتيجية التي ألمحنا اليها في أعلاه وتشكيل لجنة عليا لمتابعة تنفيذ الاستراتيجية وتقديم تقاريرها ضمن فترات زمنية معينة تتضمن نسب الانجاز وفقا للعقود المتفق عليها ووضع التخصيصات المالية اللازمة في الموازنات السنوية.
2. تنشيط دور صندوق الاسكان العراقي لتسهيل عملية اقراض موظفي الدولة والمتقاعدين لبناء المساكن على اراض يجري توزيعها وفق مساحات معقولة او القيام بمشروع اسكاني عن طريق البناء العمودي وتوزيع السكن الجاهز بأسعار مناسبة.
3. تقديم التسهيلات المطلوبة للشركات العقارية الاستثمارية الخاصة الداخلية او الخارجية بعد منحها الاراضي المملوكة للدولة لإقامة المجمعات السكنية وفق المواصفات التي تلبي حاجة المواطن وتتناسب مع مستوى مداخيل المواطنين.

عرض مقالات: