يقال ان المعقول مقبول، وفي هذا السياق بات الامر مختلفا في مفارقات اقتصادية، لتصبح شاهدا ونذيرا، وهو اننا نستورد ليس لاعتبارات اقتصادية، بل لاعتبارات تؤذي المنتج الوطني بل تدمره. وهنا اللامعقول وفق المنطق اجمالا. فعندما نستورد طابوقا ولدينا تسعون معملا متوقفا من مائة، وتوقفت هذه المعامل بعد 2003 في ديالى وحدها    ليتسرح آلاف العاملين ونستورد البديل من خارج الحدود. هذا ما افادت به النائب غيداء كمبش من ديالى يوم 15/1/ 2020 للصحافة.   

العلاقة مع معامل الطابوق من جانب الحكومة متوترة فقد تم رفع سعر النفط الاسود ليرفع كلفة الطابوقة بذريعة التلوث ليحل المستورد بديلا كنتيجة. وهنا ربما تساهم الكهرباء في بخلها للحيلولة دون تطوير انتاج الطابوق ونحن نحتاج لثلاثة ملايين وحدة سكنية ولم تحسم المسأله بكل الاحول اذ يفترض ان تشمله الاتفاقية مع الصين. وهكذا سيتدفق المستورد في الافق المنظور.     

النتائج السيئة هي اجتماعية من البطالة التي حصلت لتعمق الحالة وتدفع العاطلين في بيئة اجتماعية خصبة للتوتر باشكاله الطبقية والطائفية والعنصرية اذ ديالى نموذج مصغر للعراق وهذا ما حصل ولا يزال من توتر أمنى مكلف انسانيا وماليا، كانت مشكلة تدمير صناعة الطابوق من اسبابه غير المباشرة على الاقل. 

ولنا ان نتصور ونحن في ظل نهضة في المنتج الوطني بوجهه الاستهلاكي، فنرى الطابوق كمادة اساسية في معالجة ازمة السكن ذات التبعات الاجتماعية والاقتصادية والصحية لتتفاعل سياسيا. فنحن امام خيار واحد بفتح المعامل متجاوزين موضوعة التلوث ونحن نشهد ثاني عملاق اقتصادي يستخدم الفحم الحجري في صناعته وأحد جيراننا معروف بتلوثه الصناعي ويصدر لنا طابوقه.

وفي هذا السياق لابد من إنعاش صناعة الطابوق بأحدث الأجهزة الصديقة للبيئة اذ يتم الان التعاطي من خلال الاتفاق مع الصين بما يتعلق بالبنية التحتية والتشييد أحد أعمدتها.

اما المفارقة الثانية فهي صدور قرار من البرلمان عام 2015 بتحريم انتاج الكحول، ولكن اقليم كردستان لم يطبق هذا القرار لان برلمانهم لم يسمح بذلك. 

فالكحول كان ينتج في البلد لعهد قريب وهو ايضا يدخل في الصناعة الدوائية والطب اجمالا كمادة معقمة وهي منتجة في معامل الكحول. اما كردستان المستثناة من تحريم انتاج الكحول فهي ربما مسموح لها لاعتبارات السياحة كمورد اساس لهم او توفر عناصر الانتاج الاربعة العريقة هناك. ولكن التحريم لباقي البلد مخترق من خلال توفر المنتج الكحولي بكل أصنافه ولكنه مستورد بذلك تسقط حجة التحريم.  

في كل الاحوال لا نجد مسوغا سواء للطابوق واستيراده اية حجة مقبولة يمكن تسويقها او الدفاع عنها وهكذا بالنسبة لمادة الكحول التي هي ايضا لها عمالتها وفنيوها في البلد.

اذن اين مربط الفرس؟  الاستيراد العشوائي بأذرعه السياسية وراء استيراد الطابوق والكحول حيث فقدت المسوغات الاقتصادية والشرعية جميع اعمدتها ومعقوليتها. فالتغول الانفتاحي الليبرالي المفرط وبعد ان فقد التكاملية مع الاقتصاد الحقيقي كقطاع ثالث سماه الاقتصاديون خدميا بات عندنا سيدا لزراعتنا وصناعتنا. وهذا الانفصام خلق بيئة سياسية واقتصادية طفيلية تعتاش على أنقاض صناعتنا وزراعتنا اذ وصلت في ظل هيمنة السيد الجديد الى ان اقتصادنا الحقيقي بزراعته وصناعته لا تتجاوز نسبته 7 في المائة من الناتج الوطني. اذن هناك العامل السياسي الساند الذي وصل نقطة الاستعصاء المنعكس الآن في الحراك الجماهيري. واخيرا لا يصلح العطار ما أفسده الاستيراد العشوائي وسادته.

عرض مقالات: