تنفرد الكنيسة الكاثوليكية بتقليد خاص في إنتخاب البابا الجديد عند خلو الكرسي الرسولي لأي سبب كان، حيث يُدعى الكرادلة الذين لا تتجاوز أعمارهم الثمانين عاما، من كل مكان في العالم، للحضور الى الفاتيكان والاجتماع في كنيسة سيستينا، التي هي أكبر كنيسة بالقصر البابوي هناك، في فترة لا تتجاوز خمسة عشر يوما وقد تمتد الى عشرين يوما لا أكثر، عقب خلو الكرسي الرسولي سواء بسبب وفاة البابا أو إستقالته.
ويتصاعد من مداخن الكنيسة طيلة أيام إجتماع الكرادلة دخان أسود، يشير الى عدم إتفاق المجتمعين على أحد منهم، مثيراً قلقاً مضنيا لدى الأتباع. لكن الدخان الأسود ما يلبث أن يستبدل بالدخان الابيض حال نجاح الكرادلة في الإتفاق على تنصيب بابا جديدا، فيتبدد قلق مريدي الكنيسة الكاثوليكية في العالم، ويحل الفرح والطمأنينة في قلوبهم على إن الصراع بين الكرادلة المجتمعين قد حسم بإتمام عملية انتخاب البابا الجديد.
دلالة تقاليد والوان الدخان في دولة الفاتيكان عند انتخاب الحبر الأعظم، ترد في الخواطر في هذه الأيام المباركة، أيام عيد الميلاد المجيد لدى اتباع الكنيسة الكاثوليكية، لاسيما لدى العراقيين وهم يعيشون في مسار محنهم المتناسلة، محنة الصراع لانتخاب رئيس وزراء جديد، مما يثير إستغراباً شديداً لديهم، فكيف تكون مدة الخمسة عشر يوما أو عشرين يوما كافية لحسم الصراع على أرفع كرسي رسولي في العالم، ولا تكون كافية لانتخاب او الاتفاق على رئيس وزراء جديد في هذا البلد المنكوب بحكامه، وكيف يسمح هؤلاء لإنفسهم تجاوز الدستور والقوانين والمنطق فيعمدون الى تمديد الفترة والتلاعب بالكلمات وتسويف المواعيد وذلك من أجل إطالة أمد مكوثهم في مواقع القرار والسلطة و الإجرام والإثراء الحرام.
وكما كان التلاعب فاضحاً في المدد، كان الدخان وغرضه لدى حكامنا مختلفاً هو الأخر، حيث بات لونه الأبيض، بفضل حكمة رئيس الوزراء المستقيل عنوة وبفضل الطرف الثالث، دالة على القتل والتسميم في ساحات الاعتصامات، ومؤشرا لجرائم الطعن والإختطاف والإغتيال على ايدي الغربان السود وتحت ظلمة سواد دخانهم.
واليوم فيما ينتظر الجميع دخان السيد برهم صالح، الذي يأن وهو بين طرق ثوار الانتفاضة وسندان الكتل المتشبثة بالسلطة حتى آخر قطرة دم من شاب وشابة عراقية، فالمؤمل أن لا يكون دخانا من طراز آخر مختلف عن لوني دخان الكنيسة الكاثوليكية، دخانا لونه رمادي غامق، ومنبعث من بين أصناف الفاسدين المجتمعين في غرفهم الكالحة، أولئك الذين انفردوا بفسادهم وجشعهم، والثمرة الساقطة لن تكون مختلفة عن شجرتها الأم، كما أن عملية اختيار رئيس الوزراء الجديد المنبعث من الدخان الرمادي الغامق، لن ترضي المنتفضين الشباب ولن تنطلي عليهم الألاعيب، فهؤلاء" الزعاطيط" الذين يفترشون التراب والاسمنت ويلتحفون السماء ابتغاء استعادة وطنهم، سيظلون يؤرقون سراق قوتهم المنعمين في قصورهم وحصونهم، أرقاً مفزعاً ومنهياً للمأساة!