أتمعن بوجهه النائم، أتخيله كيف نهض صباحا، ارتدى ملابسه مستعجلا، بنطلون جينز مشقق اشتراه من عربة تبيع الملابس المستعملة، وفوقه لبس تيشرت كُتب عليه #نريد_وطن، مشط شعره نحو الاعلى كأنه تاج على رأسه، لم يغسل وجهه، لان الماء لم يصلهم منذ أيام، وقف قليلا أمام مرآته المكسورة، فقد تأخر عن موعده..
تلقف من يد امه، بقايا قطعة خبز متبقية منذ اول امس، وسمعها تقول:
- يمّه إكلك لكمه واشرب چای قبل ما تطلع..
لكنه لم يرد عليها قضم قطعة الخبز اليابسة وبللها بريقه، خرج راكضا، تحت حرارة شمس اشرقت ساخنة، فجف ريقه وشعر بصعوبة في ابتلاع خبزته اليابسة، كاد يختنق فضرب بظاهر قبضته على صدره الممتلئ بالغازات المسيلة للدموع، واستنشق نفسا عميقا، ثم واصل الركض ليلتحق بصحبه.
كان يركض بأقصى سرعته، كغزال شارد من صياده، ليكون في المقدمة..
يركض مع الجمع.. وحمامة تيشرته البيضاء تطير عاليا لتعود وتستقر على صدره، يرفع يده عاليا، ويهتف:
- لبيك يا عراق..
- هيهات منا الذلة
- ثوار أحرار .. حنكمل المشوار
- بالروح بالدم نفديك يا عراق
- الحسين مو دكً ولطم، الحسين ثورة ع الظلم
وانا انظر hgn وجهه النائم، اتخيل همسه الذي يبوح به لبنت الجيران التي رفعت شعرها كذيل حصان، يتأرجح أمامه وهو يسير يوميا خلفها في الطريق الى مدرستها، ليحميها من عيون ورغبات الغرباء.
لم يعد يذهب للمدرسة، تركها منذ سنتين ليعيل والدته واخوته بعد مقتل ابيه بالحرب الطائفية. والده اسمه علي، مر يوما على سيطرة وهمية، وقتل بسبب اسمه ليس أكثر، كما قُتل من حمل اسم عمر او حسين او سفيان او عثمان او عباس، الاسماء بهذا الوطن المنهك تهمة يعاقب عليها بالقتل..
أتخيل كلمات غزله، قبل أن ينتفض مع أبناء جيله، ركن الان كلمات الحب جانبا، ورفع بدلها الشعارات التي تطالب بالوطن وإسقاط النظام والعمل واللقمة والضوء، نسى كلمة (احبچ) التي لم يقلها لحبيبته الصغيرة، حبيبته التي تقف الان عند زاوية الشارع تنتظر عودته وتنتظر كلمة (احبچ..اموت علیچ)..منذ ايام تحمل كتب مدرستها، تنتظره عند الزاوية وعيونها تتنقل من اليمين الى اليسار، لكن ظله الطويل لم يظهر بعد..
هو الان في مقدمة جمعه، يتصبب عرقا، يهتف وينشد ويبكي ويشتم، فمه ووجعه يستوعب كل التناقضات، وتختلط مشاعر الحب مع الكره يبكي عندما يحب وطنه ويشتم مع هتاف الفساد والجوع والظلمة..
يتصاعد غضبه يبكي ويضحك، يتجه نحو فوهة سلاح موجهة الى قلبه الغاضب، تنطلق الرصاصة تخترق قلب الحمامة التي على صدره ثم تخترق قلبه، ونصف جملة شعار: لبيك يا عراق مازلت محشورة في فمه مع بقايا قطعة خبز يابس..
يعدل القناص جلسته بعد ان صافحه زميله مباركا دقة اصابته، ولا يدري ان طلقة اخرى اصابت قلب ابنه الذي شارك متظاهرا مع اصدقائه..
عند زاوية الشارع صبية بذيل حصان وامه تنتظران عودة ظله الطويل..