لم يسجل العراق طيلة تاريخه السياسي انتفاضة شبابية مثل انتفاضة الأول من تشرين الاول/ أكتوبر هذه السنة التي انفجرت بشكلها العفوي ضد نظام المحاصصة الطائفية والاثنية، نظام الأزمات والفساد المالي والإداري، الذي نخر الدولة وأهدر مواردها وعطّل طاقاتها الخلاقة، جاعلا منها كمّا متراكما من البلاهة والتردي! هذه الانتفاضة رفضت بشكل قاطع أن يتحول المواطن إلى دمية تحركها الأحزاب الفاسدة والمتنفذة كجزء من قطيع وكما تشاء!
لهذا تصاعد سقف مطالب الشباب، من قضايا تردي الخدمات العامة وانعدام فرص العمل والانتشار غير المسبوق للسلاح خارج الدولة والسماح للأجنبي بانتقاص سيادة البلد وقراره المستقل وتحقيق المصالح الخاصة على حساب المصالح الوطنية للعراق. ولهذا لا نستغرب أن يطالب هؤلاء الشباب بإقالة السلطات الثلاث وتشكيل حكومة وطنية تتحلى بالكفاءة والنزاهة، من خارج منظومة الأحزاب المتنفذة، وذات صلاحيات واسعة، قادرة على اتخاذ خطوات إصلاحية جذرية وتعديلات جادة للقوانين الخاصة بالأحزاب والانتخابات وتغيير مفوضيتها واعتماد دستور يضمن للعراقي كرامته على قاعدة المواطنة والعدالة الاجتماعية.
لقد أعاد هؤلاء الفتية الاعتبار إلى الشباب وإلى المواطن العراقي على حد سواء من خلال رسم ملامح الخلق الرفيع في كل تحركاتهم، فهم يقدموا على أعمال تخريبية كما يدعي بعض المغرضين من أفواج الجيوش الإلكترونية سيئة الصيت، وبالرغم من وجود محلات عامرة ببضائع غالية بين ساحة النصر وساحة الخلاني، لم تسجل حالة واحدة لكسر أو سرقة اي محل، بل على العكس، قام الشباب بحماية المحلات التي تعرضت للحرق في ساحة الخلاني!
ومن الخصال الحميدة للمتظاهرين أنهم لم تسجل ضدهم حالة " تحرش " واحدة داخل ساحات الاحتجاج بالرغم من وجود نساء وشابات بعدد كبير!
ولم تسجل حالة سرقة فردية واحدة في تظاهرات ساحة التحرير بالرغم من أن منطقة الباب الشرقي معروفة للجميع بوجود" نشالة" مختصين بالسرقة!
هذه الانتفاضة، التي تستحق أن نسميها" ثورة " لأنها تطالب بتغييرات إصلاحية جذرية في النظام القائم، استطاعت أن تقيم ربيعها العراقي المبارك في عز خريف الحكومة العاجزة عن إجراء أي اصلاح! وتنزع عنها اوراقها، ورقة ورقة ، لتكشف تحت شمس العراق عوراتها المزمنة!
تستحق هذه الثورة التي قدمت مئات الشهداء وآلاف الجرحى أن نحتفي بها سنويا ونجعل من اول تشرين الاول/ أكتوبر عيدا وطنيا عراقيا!