ليس من الغرابة ان يتحول الفقر والذي يعني (حالة العوز المادي حيث يعيش الانسان دون حد الكفاف المتمثل في سوء التغذية والمجاعة حتى الموت وانخفاض في المستوى الصحي والتعليمي وفقدان الضمان لمواجهة المرض والبطالة والكوارث والازمات) والذي بسببه انتفض العراقيون ورفعوا شعار (نريد وطنا) اختزالا لكل المآسي التي عانوها خلال ستة عشر انطلاقا من القول المأثور للامام علي (ع): ان الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة.
ولكن الفقر في العراق لم يكن قدرا محتوما كما يحاول البعض تحويله الى فكرة مقبولة وانما كان احد مخارج سياسات سلطوية حاكمة على امتداد ستة عشر عاما تعاملت على ان الاقتصاد صناعة لإنتاج الفقر يقابله ثراء لحفنة من السياسيين المتنفذين تحولت مع الوقت الى طغمة اوليغاركية سيطرت على مصادر الثروة والدخل عبر مشاريع وهمية من خلال تسعة الاف مشروع كانت تكاليفها باهظة تقدر ب100 مليار دولار لم ينجز منها سوى 3 الاف مشروع حسب الاحصاءات الحكومية والابقاء على ستة الاف مشروع كان انجاز افضلها لا يزيد عن 30 في المائة وهي مشاريع لم تنعكس اثارها على حياة المواطنين الا بمزيد من العوز والفاقة .وقد حاولت الحكومة عبر وسائل اعلامها ان تصور ان مشكلة الفقر تتركز بالأساس في اشكالية السكن والتي لم تكن سوى واحدة من دعاية بائسة ثم لاذت باستراتيجية التخفيف من الفقر التي طبلوا لها وزمروا حيث ان الـ 150 الف دينار كراتب للمشمولين ببرنامج الرعاية لا يكفي لمراجعة طبيب في عيادة خاصة لمرة واحدة بسبب فقر المستشفيات الحكومية وسوء خدماتها .
ان البيانات الحكومية تشير الى ان نسبة المواطنين الواقعين تحت خط الفقر تتراوح بين 30—40 في المائة من مجموع السكان حسب احصاءات وزارة التخطيط وان الخطتين الخمسيتين اللتين وضعتهما وزارة التخطيط للفترة بين 2010—2014 والتي استهدفت تخفيض نسبة الفقر من 23 في المائة الى 16 في المائة قد انتجت العكس فزادت النسبة الى 35 في المائة وبالتالي فليس من المتوقع ان تكون مخرجات الخطة الثانية للفترة من 2018 – 2022 افضل من سابقتها لان هذه الخطط لا تدخل ضمن الموازنات السنوية ولم تخصص لها ميزانية خاصة وبالتالي فإنها عبارة عن ارقام دونت على الورق او اجهزة الحاسوب.
ويمكن القول بثقة ان اسباب تعاظم نسب الفقر يكمن في جوهر السياسة الاقتصادية وادارتها والتي ما زالت متشبثة بالريع النفطي مع ما في هذا القطاع من فساد وهدر للمال العام خارج قطاع الانتاج الحقيقي بل يذهب جله الى الانفاق التشغيلي مما يؤدي بالضرورة الى انتشار البطالة وفقر السلة الغذائية التي تحتاجها الاسرة العراقية مع تردي مخرجات البطاقة التموينية وشبكة الحماية الاجتماعية.
ان الدولة في هذه اللحظات مطالبة بشدة في قلب كل معادلاتها باتباع منظومات اصلاحية حقيقية وفق خارطة سياسية اقتصادية خالية من الفاسدين وتبديل الادارات الانتاجية بإدارات نزيهة وكفوءة بعيدا عن الأفكار الاقتصادية البائسة التي لم تكن سوى خدعة كبيرة، مقترحين الاتي:
• اعادة النظر بقوانين الحماية الاجتماعية من خلال تفعيل التنسيق بين السلطة التشريعية المكلفة بمتابعة البرنامج الحكومي والتخطيط الاستراتيجي مع وزارة التخطيط لمتابعة الخطط والبرامج الاستراتيجية بما فيها خطة التخفيف من الفقر للفترة بين 2018—2022 ودعمها ماليا وتشريع القوانين الملزمة فضلا عن اعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالحماية الاجتماعية والتنسيق مع وزارة العمل في هذا الخصوص.
• التنمية الاقتصادية وايلاء الاهتمام الخاص بالقطاعين الصناعي والزراعي بجانبيه الحكومي والخاص من اجل تهيئة فرص التشغيل للعاطلين وتفعيل المشاريع الصناعية والزراعية والخدماتية المتوقفة والشروع بإنشاء صناديق سيادية للاستثمار في هذين القطاعين.
• العمل على تخفيض نسبة التضخم النقدي الذي يستحوذ على معظم مدخولات الاسر العراقية ومدخراتها وهذا يتطلب اعادة النظر في السياسة النقدية في مجالي التضخم وسعر الصرف ودور الجهاز المصرفي في عملية التنمية الاقتصادية.

عرض مقالات: