من اعاجيب السياسة في العراق، ان شهداء الانتفاضة الباسلة في الاول من اكتوبر زاد على الثلاثمائة شهيد، واكثر من 15 الف جريح وآلاف آخرين من المعتقلين والمطاردين، بعد ان اظهرت قوات القمع والمليشيات شجاعتها على المتظاهرين السلميين، باستخدامها الرصاص الحي والمطاطي والقنابل المسيلة للدموع، التي تخترق جماجم الشباب العراقيين، ومع ذلك ترفض الحكومة ورئيسها الاستقالة، كمدخل مناسب وضروري لحلحلة الازمة المستعصية، التي تعصف في البلاد، منذ استلم تجار السياسة ورجال الصدفة السلطة، بعد انهيار الصنم على ايدي الامريكان، في حين ان دول العالم التي تحترم نفسها وتمثل شعبها حقاً، تقدم حكوماتها استقالتها جماعياً وفردياً، ان سببت ضرراً او تجاوزا على حقوق مواطن واحد لا اكثر!
الكل يعرف ان السيد رئيس الوزراء، جاء كمرشح تسوية بين الفتح وسائرون، دون ان ننسى دور العامل الخارجي في اختياره، وعلى خلفية الوهم بحياديته، والمقالات التي سطرها عن الديمقراطية وحقوق الانسان، وانتقاده لأداء الادارات الحكومية السابقة. بيد ان حساب البيدر اختلف كثيراً عن حساب الحقل، بل هو بعيد عنه بعد السماء عن الارض.
كان المؤمل والمرتجى، ان يحصل ولو تغيير جزئي في عملية بناء الدولة، والابتعاد ببضع خطوات لا غير عن أسس الكارثة: المحاصصة والطائفية السياسية، لاسيما وان التفويض الذي حصل عليه لم يسبق ان حصل عليه احد غيره، منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1921، لكن الحصيلة النهائية بعد ما يزيد على السنة لم تكن سوى قبض ريح.
في رده (رئيس الوزراء) على خطبة المرجعية، وعلى مطالبتها بحفظ ارواح العراقيين وحماية المتظاهرين السلميين ووضع خريطة طريق تحدد فيها مدة زمنية لأنجاز الاصلاحات الموعودة يقول: "لقد شهد شعبنا حركات كثيرة، قادها ثوار عظماء، مدنيين وعسكريين، لكن المرة الاولى التي يقود فيها شباب بعمر الزهور حركة تهز البلاد من اقصاها الى اقصاها، وتهز كامل سلوكياتنا، واعماق ممارساتنا، لتقودنا الى مراجعة شاملة للأوضاع العامة في بلدنا وفي مساراته الآنية والمستقبلية. وان مثل هذه الحركات هي ما يصحح المسارات ان حصل حيدٌ او انحراف، ونتفق تماماً ان هناك خللاً كبيراً يستدعي اصلاحاً كبيراً".
فهل ترجمتم المراجعة الشاملة واصلاح الخلل الكبير بقتل 300 شاب بعمر الزهور كما تقول و 15 الف جريح عدا آلاف المعتقلين وعمليات الخطف والاغتيال؟
ولماذا هذا التنمر والشجاعة الزائفة في ارتكاب مجزرة دموية بحق شباب لم يطالبوا بغير حقوقهم المشروعة في مكافحة الفساد والتخلي عن المحاصصة والمحسوبية واحتكار السلطة وغياب الخدمات وفرص العمل .. الخ؟
هذه المجزرة التي سماها "الحلبوسي" وغيره بأنها وصمة عار في جبين الحكومة والعملية السياسية.
ما هذا الاصرار على ركوب بغلة العناد التي لا يشك عراقي في أن علفها مستورد من دول الجوار؟ وأين ذهبت تلك الاقوال والتنظيرات بأن الاستقالة في جيبي؟ ان بقاء الحال على ما هو عليه من سوء ودمار، سيكون من المحال، وأول الغيث في عملية الاصلاح والتغيير، استقالة هذه الحكومة الفاشلة، وتشكيل حكومة وطنية كفوءة، تخدم شعبها ولا تقتله او تجوعه، فذلك وحده ما يرضي المتظاهرين وعامة الشعب العراقي.

عرض مقالات: