ظهرت "التكتك" في الشارع العراقي قبل عام تقريبا، وبالأخص في المناطق الشعبية بضواحي العاصمة بغداد، مثل الثورة(الصدر) والشعب وحي اور والعبيدي والكمالية والشعلة والزعفرانية. هذه المدن التي تكتظ بالسكان وبالعشوائيات والتجاوزات وبالمزابل وبتردي الخدمات وبنقص واضح في الكهرباء والماء وبقلة البنايات المدرسية. والأهم من هذا وذاك هو اكتظاظ هذه المدن بالعدد الهائل من الشباب العاطل. غالبيتهم لم يستطيعوا إكمال دراستهم الاعدادية أو المتوسطة، لكن من حالفه الحظ وأكمل دراسته الجامعية لم يكن احسن حالا من الآخرين في عدم الحصول على فرصة عمل في الجهاز الحكومي، إلا من استطاع الحصول على " واسطة" تأخذ بيده نحو التوظيف، أو تمكن من توفير مبلغ كبير لشراء الوظيفة!
وبما أن عجلة الحياة لا تتوقف، فإن بعض هؤلاء العاطلين حاول ان يجد عملا متواضعا ليؤمن لقمة عيش كريمة. فترى خريج الجامعة قد علق شهادته على صدره وارتدى ملابس التخرج ليبيع الشاي في تقاطعات الشوارع، بينما زميله الآخر راح يعمل "حمالا" في أسواق الشورجة!
مجموعة من الشباب العاطل والذين لا يمتلكون رأسمالا مهما وجدوا في الدراجات النارية التي صممت على شكل سيارة صغيرة (تكتك) وسيلة للعيش داخل مناطقهم الشعبية. وهم يتعاملون مع زبائنهم باريحية وبمودة كبيرتين، ويتركز عملهم قرب الأسواق الشعبية، ولم يتذمر منهم سوى اصحاب سيارات الاجرة، لانهم يقبلون اي اجرة يدفعها الزبون لايصاله للمكان الذي يرغب!
وما إن انطلقت الاحتجاجات، حتى رأيناهم وبعدد كبير وسط التظاهرات معلنين اضرابا غير معلن، وتوجهوا الى ساحات الاحتجاج وبالاخص ساحة التحرير، ليعملوا بحماس منقطع النظير على تزويد المتظاهرين بالماء والمؤن، والأهم من ذلك نقل المصابين من المتظاهرين إلى المستشفيات والمراكز الطبية. ونظرا لصغر حجم مركّباتهم، فانهم يصلون إلى أبعد نقطة احتكاك بين المتظاهرين والقوى الامنية.
لقد استطاع سواق التكتك إنقاذ المئات من موت محقق، خاصة أولئك الذين أصيبوا على جسر الجمهورية في الباب الشرقي، حيث ينطلقون بسرعة البرق لإخراج المصاب من زحمة التظاهرة. وفي خضم هذه الحالة الإنسانية، نسى أو تناسى سواق التكتك رزقهم اليومي! غير آبهين بلقمة عيش عوائلهم! وكتب اغلبهم على خلفية مركباتهم " خاص بنقل مصابي التظاهرات".
انهم يعلمون، بحس فطري، أن هذه التظاهرات تدافع عن مصالحهم وعن مستقبلهم في حياة حرة آمنة كريمة، لأنهم فعلا اصحاب المصلحة الحقيقية في الإصلاح والتغيير. لقد ترفّعوا عن الأنانية التي تحلى بها، للاسف، معظم المسؤولين من قوى الأحزاب الحاكمة والمتنفذة!
انهم، بحق، في الصف الأول من ابطال ساحة التحرير!