أيّ صباحٍ هذا الذي يشرق بلا ابتسامة فرحٍ ، ولا نظرة أملٍ ، ولا حلمٍ مستقبلي؟!

أيّ صباحٍ هذا الذي يتوضأ بالدم والدخان وصرخات الشباب الغاضب ؟!

الشباب الذي فتح عينيه على حاضرٍ خَرِبٍ ، ومستقبلٍ مجهول ، وهو ينظر حواليه فلا يجد سوى البؤس والغموض  الذي يكتنف حياته منذ الصرخة الأولى !

انه يبصر أحلامه  وهي تنفرط كخرز المسبحة من بين يديه بفعل الفساد المستشري في كل مفاصل البلاد !

الفساد الذي أحرق الأخضر واليابس وحوّل حياتهم الى جحيم !

لأنهم عندما فتحوا عيونهم كانوا يحلمون بمستقبل رسموه في كل خطوة ، لكنهم اصطدموا بصخرة كأداء تبددت عليها هذه الاحلام،  فأخذوا يضربون أخماساً بأسداس،  ويلعنون الساعة التي جاءوا بها إلى هذه الحياة !

ولدوا في ظل حصارٍ ظالم،  وكانت حياتهم عبارة عن كدمات وعقبات ، يرون آباءهم وهم يلهثون ليؤمّنوا لهم لقمة العيش،  واخوتهم الكبار الذين أكلت الحروب اعمارهم بلا وظيفة، وبلا مأوى، بين العشوائيات والايجارات التي اجهضت كل ماحلموا به !

أعود بذاكرتي قليلا لأسترجع أحلامي حينما كنت صبياً ، وكيف كنت أمنّي النفس بمستقبل كبير وانا اعبر عتبة باب المدرسة في سنواتي الغضّة ،لأقارنها بما اكتنف حياة أبنائنا من بؤس ويأس،  وهم يرون أحلامهم تتحطم حلما حلما ، وما أن يرفعوا أكفّهم مطالبين بأبسط حقوقهم حتى يتلقفهم الرصاص، الرصاص الذي صار ثقافة للموت والعنف والخراب ، وحوّل كل لحظة فرح الى سواد قاتم!

الرصاص الذي  صرع أحلام الفتية وهم يجهرون بكل ما يطمحون اليه من عيشٍ كريم وحياة تحقق لهم أبسط مستلزمات العيش في وطنٍ جلّ ما قدموا اليه أرواحهم!

حين ادلهمت الخطوب ودنّس الوحش أرض الوطن تناخوا للدفاع عنه بكل ما أوتوا من قوة ، تاركين احلامهم على السواتر قطراتٍ من دمٍ طهور !

وما أن طردوا الوحش وطهّروا الارض حتى عادوا يفكرون بمستقبلهم الذي صار حلما بعيد المنال !

يقول الكاتب الكبير محمد خضير في احدى تغريداته على الفيسبوك :  ( يعاني المواطن العراقي - الشاب خصوصا - من انسداد الأفق الإنساني والروحي والجمالي أمام اختياراته الحقيقية،  إنه يشعر في أعماقه شعورا ناقصا بالتفرد والتميز والخروج للعالم بكامل استعداده وقوته وتوقه الخيالي والعملي، ويكمل : (إنه يؤدي حركة جسد فنانٍ يغزل في الهواء حوله غضباً ) !

نعم هذا الإحساس باضطهاد الوعي،  حيث خرج الشباب منتفضين على واقع ألجم كل خياراتهم،  وجعلهم يدورون في حلقة مفرغة أمام مستقبل شائك ومجهول. لهذا خرجوا غاضبين غير مبالين بما سيحصل لهم ،سوى انهم يريدون تحقيق بعض أحلامهم  ، وهي ليست احلاما،  بل من ابسط حقوق المواطنة !

اذا انعدمت الحقوق ييأس المواطن ويضيع  ، وبالتالي يضيع الوطن ، حيث أن الوطن بالنسبة لكل إنسان هو الحضن الدافيء الذي يمنحه كل ما يحلم به!

شبابنا  الذين واجهوا غدر الرصاص بصدورهم العارية الاّ من محبتهم للأرض ومطالبتهم بتحقيق أبسط ما يتمنونه،  سطّرا أروع ملحمةٍ إنسانية في تجسيد معنى الغضب !

الغضب من فساد وصل حدّ العظم،  وبات قاتلاً مأجورا يحمي كراسي ستنخرها الأرضة ذات يوم!

الغضب العاصف الذي لم يستطع المسؤولون فكّ مغاليقه فتركوا للغادرين أن  يعيثوا فسادا آخر بقتلهم شبابنا وهم يرفعون أكفهم مطالبين بتحقيقها!

انهم لم يدركوا أن الرصاص هذا يستهدف قتل الصباح العراقي المقبل ، الصباح المفعم بالمحبة والفرح وتحويله الى نهارٍ دامٍ !

لقد قتلوا المستقبل حين أضحى الصباح حالكاً ذا لون قانٍ ورائحة خانقة!