الدروس التي قدمها لنا الشاعر إبراهيم الخياط عديدة، فعن اي درس يمكن الحديث؟ درس التضحية ونكران الذات؟ والعمل بصمت بعيدا عن الادعاء والاضواء؟ برغم لمعان الاسم، وجمال المنجز وقوته، ما يجعل الانسان يفخر بما انجز، سيما وان الانجاز في اغلبه يخدم الشأن العام.
ام درس الاسهام الفعال في حركة الاحتجاج، ليس بمعنى الحضور في اغلب الاحيان تحت نصب الحرية في ساحة التحرير، الذي عشقه بسبب ما يمثل من مسيرة تاريخية تجسد التغيير في العراق، وانما بمعنى الابداع في كتابة اهازيج الاحتجاج. وليس آخر تلك الاهازيج اهزوجة ( باطل) التي لا تفارقني ذكراها.
ففي صبيحة يوم 25 شباط 2011، ذلك اليوم الاستثنائي، يوم التحدي العنيد والاوسع لطغمة الفساد، وإذ كانت الحكومة مستنفرة ضد التظاهرة، فقطعت الشوارع واقدمت على منع التجوال دون اعلان مسبق.. في ذلك اليوم الذي تميز بمن حضروا الى ساحة التحرير وهتفوا بوجه الباطل بقوة وعنفوان وشجاعة، كان ابو حيدر من ضمن من وصلوا الى الساحة مبكرا. وتحت نصب الحرية سلمني ورقة تحمل كلمات اهزوجة (باطل).
كانت الاجواء متوترة، ولم يكن واضحا لنا كيف ستسير الامور، وكنا متوجسين من حدوث اختراقات. اعطاني (باطل) .. فقمت بتسليمها الى مؤيد الطيب، الذي قام بترديدها .
في ما بعد فسح لنا المجال كي نتحدث في الاتحاد في اكثر من ندوة حول الاحتجاجات الشعبية.
وفي "طريق الشعب" راح يكتب عمودا لا الطف منه..
ولا بد الاشارة اليه كناشط في المجال المهني. ولقد تكرر انتخابه الى القيادة في الاتحاد، وفي كل مرة كان يكسب اعلى الاصوات!

***********
سعة الحضور من الوسط الثقافي والشعبي في تشييع الشاعر ابراهيم الخياط، والاعداد الكبيرة التي حضرت مجالس العزاء والجلوس فيها ساعات طويلة، وكثرة المثقفين الذين يشعرك كل منهم انه هو صاحب المصاب. والى جانب هذا كثرة برقيات التعزية، وما حملت من مشاعر صادقة .. هذا كله قدم درسا بليغا خلاصته ان من يعمل بين الناس، ويتبنى بصدق حاجاتهم، ويهتم بهم ويصغى لهم، لا يمكن الا ان يكسب حبتهم وثقتهم. ولعل هذا بالذات هو السر الكامن وراء حصول ابو حيدر على اعلى الاصوات في المؤتمرات الانتخابية لاتحاد الادباء، والتي عكست حضوره الدائم ومثابرته.
لقد نجح ابراهيم الخياط في بناء تجربة مهمة في العمل المهني الديمقراطي، تجربة تستحق الاهتمام والتأمل.
ليس العمل الحزبي بمعناه الضيق هو الذي يعطي القوة والحضور، وانما هو التسمك بالبرنامج والنظام الداخلي وآليات العمل وسياقاته في المنظمة المهنية او النقابية او القطاعية، وهو احترام الاخرين وتقدير ثقتهم. وفي النهاية ينعكس ذلك على شخصية المعني، ومن ثم على الجهة التي ينتمي اليها سياسيا.
وانت تجلس في مجلس عزاء ابي حيدر، لا تجد نفسك قادرا على تحديد الجهة التي تقيم الجلسة، هل هم اهل الفقيد، ام رفاق دربه، ام زملاؤه؟ ثم تجد هؤلاء جميعا معنيين، مثلما تجد نفسك، انت المعزي، معنيا مثلهم.
ولقد وجدت حتى المختلفين معه في التوجهات حزانى لفقدانه. ربما لانهم يدركون انه لم يكن يشخصن الاختلاف، انما يتبع منهجه هو في حل الخلاف، ويدير الامور ادارة واعية مدركة.

عرض مقالات: