كانت فرنسا وما زالت قبلة للفنانين من مختلف ارجاء العالم، لكونها تعد مركزا عالميا لمختلف الفنون، وبالنظر لعدد المهرجانات الثقافية - الفنية التي عرف بها هذا البلد، سواء كانت محلية أو دولية، والذي تجاوز عدد ايام السنة بكثير. أما بالنسبة للمسرح، فحدث ولا حرج، حيث لا تخلو مدينة أو قرية فرنسية من قاعة مسرحية. وفي باريس وضواحيها يقدم كل مساء أكثر من مائة عرض مسرحي!
ويعد مهرجان افنيون المسرحي أهم تظاهرة مسرحية حية في العالم، نظرا لعدد الأعمال الإبداعية والعروض الفنية التي تقدم فيه، وهو الذي تأسس عام 1947 على يد الفنان الفرنسي جان فيلار (1912 - 2012)، والذي تطور ليصبح طموح كل فنان مسرحي ان يساهم فيه. وتبدأ فعاليات المهرجان في الاسبوع الاول من شهر تموز كل عام، ووصل عدد العروض هذا العام إلى أكثر من 1500 عرض مسرحي ساهم فيها أكثر من ألف فنان!
وكان للعراق وجوده في المهرجان هذه السنة من خلال المسرحي العراقي المغترب سمير رياض، الذي يضع اولى خطواته على طريق الاحتراف. ولد سمير في الموصل وأكمل فيها دراسته الجامعية، وقبيل احتلال داعش للمدينة انتقل إلى بغداد، وسرعان ما تركها متوجها إلى فرنسا لإشباع طموحاته في المجال المسرحي. وهو الآن في المرحلة الأخيرة من دراسة الدكتوراه، ويحاول أن يطبق دراسته الأكاديمية من خلال النصوص التي ينقلها إلى الخشبة.
مسرحية " المطر الاسود" التي قام سمير رياض بإخراجها، ( عرضت في مهرجان افنيون من ١٨- ٢٣ تموز، ولاقت استحسان الحضور والنقاد وكتبت عنها الصحافة الفرنسية المتخصصة)، هي من تأليف الكاتب المعروف طلال حسن وقد اقتبسها عن قصة قصيرة للكاتب رياض ممدوح. وتركز المسرحية على نبذ العنف بكل أشكاله. فالرجل الذي فقد أهله بسبب الارهاب يرفض فكرة الانتقام من مرتكبي الجريمة، ويبذل البطل، مجهودا كبيرا، رغم وجوده سجينا في غرفة بيته المهدم، لكي تنتصر " الحياة" بداخله.
وجاءت مسرحية سمير رياض منسجمة مع الشعار الذي طرحه مدير المهرجان لهذا العام "اوليفييه بي" حيث قال ان المطلوب من المهرجان هذا العام أن يكون لسان حال المنفيين والمعارضين. وهو ما تحقق فعلا حيث تنوعت العروض لمعارضين أو منفيين من افريقيا وروسيا والبرازيل ورومانيا والصين وبريطانيا وغيرها من الدول.
ومع هذا العدد الكبير من الفنانين عبر مدير المهرجان عن انزعاجه وأسفه لان "أكثر من ثلثي الفنانين المدعوين لم يتمكنوا من الحضور إلى المهرجان"!