دائماً وبعد كلّ نقاشٍ أو حديثٍ أسمعهُ أو أشاركُ فيه، أتساءل مع نفسي: المثقفون، هل يحبّون بعضهم ؟! وأظلّ أقلّب أطراف الحديث يمينا وشمالاً، علّني أجد ثغرةً صغيرةً تُقنعُني بأننا نُحِبُّ بعضَنا، لكني لم أجدها أبداً!
كلامنا، أفعالنا، غيرتنا من بعض، حسد بعضنا لبعض، خلافاتنا على لا شيء، طعن بعضنا البعض في الخاصرة والظهر، وغير ذلك، توحي للآخر كأننا في حلبة مصارعة لن تنتهي أبداً !! وكلُّ هذه الأفعال والأقوال لا تمت للثقافة وصناعتها بصلةٍ، بل هي ترسبات مجتمعية وبيئية متوارثة ومكتسبة لا تؤدي لغير الفرقة والتباعد والخصام دون أدنى مبرر!!
سقتُ مقدمتي هذه وأنا أقرأ وأسمع وأعيش بعض الخلافات المفتعلة بين الأدباء والفنانين والمثقفين بصورة عامة، حيث نجد كل ما ذكرته من خلافٍ طافياً على السطح أحيانا، وأخرى بين السطور وفي تصرفات البعض، ما يمنحك تصوراً عن عمق التباعد والخلافات الموجودة داخل نفوسنا.
لم نقبل بشاعرٍ ما، ولم نقتنع بقاصٍ ما، ولم نستسغ روائياً ما ، ولم نعترف بناقدٍ ما ، ولم ... ولم ... ومثل هذا نجده عند الفنانين والإعلاميين والبقية من المثقفين. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن : لِمَ كل هذا ؟ وما الفائدة منه ؟!
حقيقة أندهش ويصيبني الأسف من كل ما أسمعه وأقرأه وأراه من كلام وتصرفات هنا وهناك على هذا وضد ذاك وتسقيط هؤلاء وتشنيع على أولئك، لأراجع نفسي قائلا: هل حقاً نحن أدباء، نمتلك الروح الخلاّقة التي تسمو أخلاقاً ورفعة ومحبة وإنسانية وجمالا ؟!
الثقافة والخلق الإبداعي تربية وتعاليم إنسانية تسمو فوق كل الصفات غير المرغوبة، وتمنح الآخر عنوانا وثقافة للرفعة والسمو والوئام والتواصل والصفح عن الأخطاء والتسامح، وبناء النفس بناءً زكياً وإشاعة المحبة ونثر الفرح والسعادة هنا وهناك !
لهذا علينا أن نُدرك ما نفعله ونُصحح مساراتنا لنجعل منها علامة مميزة يقتدي بها الآخرون، لا أن نجعل من أنفسنا شواهد خراب وتباعد وفرقة بين الناس، ما يعطيهم الحق في ذمنا والتذمر منا والابتعاد عنا مهما كلف الأمر.
المثقف صانع ماهر للحياة والجمال، لهذا علينا أن نرسم الجمال بكل أشكاله ونجعل من الحياة بستان محبة وسلام ونقوم بتشجيع الآخرين ليحذوا حذونا، كي نكون قدوة للناس والمجتمع في البناء، لا معول هدم وتفتيت.
ما يحصل الآن من خلافات على لا شيء، علينا أن نرميها بعيدا، ونفتح قلوبنا قبل الدفاتر وأيادينا قبل كل شيء لنحتضن بعضنا بروح سامية ترنو للخير والمحبة والوئام..
الخلاف والتباعد والبغضاء والتنابز معاول هدم، علينا أن نرميها جانبا ونحمل أقلاما ترسم الجمال بكل أشكاله الرائعة، ونؤكد للناس إنّ الثقافة والأدب والمعرفة والفن من أسمى جماليات الكون ، وذلك لا يكون إلاّ بمحبتنا لبعض محبة حقيقية صادقة لا تشوبها شائبة!