يتمادى المتنفذون كثيرا ويبدو انهم لم يتعظوا حتى الآن بالحصيلة المريعة  للسنوات التي أداروا فيها الحكم، سواء في بغداد أم  في المحافظات، وفي الشقين التنفيذي والتشريعي كليهما.

ومن المؤكد ان اخفاق مجالس المحافظات والحكومات المحلية لا يرجع الى وجود واحد او اثنين من العناصر المدنية والشيوعية والديمقراطية او من المستقلين، كما يدعي المتنفذون  الكبار، بل  يعود الى تلك العناصر المتنفذة التي عرفتها الناس وجربتها في كل محافظة، كما في المؤسسات المركزية للدولة.

ان الفشل هو مائة في المائة صناعة المتنفذين، لا ينافسهم فيه احد. لذلك استحقوا لقب الفاشلين بجدارة، ولَم تطلق غالبية الناس هذا اللقب على غيرهم. ببساطة لانهم لم يتركوا شيئا الا واحتكروه محاصصةً، رغم ما اطلقوا عليها من مسميات لتخفيف وقعها على مسامع المواطنين.

فالحس الشعبي العام ربط المحاصصة بعفوية، وبغض النظر عن شكلها، بالفشل وسوء الإدارة  ونهب  المال العام والتهرب من المساءلة القانونية ، وربط بها التخلف الذي يعانيه البلد على شتى الصعد، والتدهور في المستوى المعيشي والخدمات العامة، وارتفاع نسب البطالة والفقر، وتزايد حالات الانتحار، وتفشي الجريمة المنظمة والمخدرات. فالمحاصصة  ، التي نقول دائما وعن حق انها اس البلايا،  هي من مهدت الطريق للإرهاب ومنظماته المجرمة ولاستفحال مخاطره، وانتشار السلاح خارج أطر الدولة   .

وقد فعلت المحاصصة هذا كله وغيره لأنها أضعفت الدولة، وقزّمت هيبتها، ونخرت مؤسساتها الأمنية والعسكرية والمدنية، مستغلة بناءها الخاطئ وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وافتقارها الى المنهج السليم الراشد في إدارة الدولة .

وأمامنا الحصيلة كارثية بمعنى الكلمة. فدول العالم وشعوبه، وبضمنها من هي قريبة منا ولا تمتلك قدرات بلدنا وإمكاناته وثرواته، نراها تتقدم وتستقر، فيما نحن الى الوراء در! وأحدث دليل على ذلك نتائج الامتحانات الاخيرة، وما عكست من مستويات تعليمية متردية، فيما اعلن رئيس الوزراء عن إعداد كبيرة من الفاسدين، وما خفي كان اعظم - خاصة من كبار الفاسدين .

فمن الذي اوصلنا الى هذا الحال الذي لا يحسدنا عليه احد، الا اذا كان ربما من اهل  الصومال او أفغانستان او ..؟  الجواب واضح وصريح: المسؤول هم  المتنفذون في المركز والمحافظات.  وحتى نتجنب الإطلاق نقول جلهم .

نعم، فهؤلاء هم من جعل الناس تطالب حتى بإلغاء مجالس المحافظات.

وهؤلاء المتنفذون الفاشلون الذين يكرسون ظاهرة الفشل، ويأتون على ما تبقى من أموال الناس ليضاعفوا المليارات التي استحوذوا عليها بالسحت الحرام، راحوا انطلاقا من الحرص الشديد على مصالحهم الأنانية الضيقة، يسدون منافذ التغيير الذي بحت اصوات الجماهير وهي تطالب به. وأمامنا ما فعلوه قبل ايام في التعديل المجحف لقانون انتخابات مجالس المحافظات، الذي توافقت غالبيتهم على تمريره في البرلمان، رغم ما بينهم من خلافات وتقاطعات، ومع اختلاف درجات الحماس والتبريرات.

ان من قد يظن ان هذا التعديل سيعزز الديمقراطية، ويقود الى الاستقرار في المحافظات والمدن، ويفعّل دور مجالس المحافظات، لعلى خطأ كبير. فالقانون المعدل سيعيد الوجوه ذاتها المجرّبة في الفشل والفساد، ومن تزج بهم الكتل المتنفذة من جديد لإدامة مصالحها ونفوذها .

ان المتنفذين بتعديلهم هذا قد عاقبوا المطالبين الحقيقيين بالإصلاح، كما عاقبوا الجماهير التي ما انفكت تقول كفى، وتطالب بأشياء اخرى مختلفة.

لقد نجحوا في تمرير فعلتهم البائسة، وقد آن الأوان ان تقول الناس كلمتها الفصل فيهم، وتعاقبهم، وان لا تعض على الأصبع البنفسجي مرة ثانية تعبيرا عن الندم. فالفرصة ما زالت سانحة أمامها، ولَم يعد يكفي الرفض السلبي وتكرار الشكوى.

انه وقت الفعل الإيجابي، وإطلاق الرفض في وجوههم، بمختلف الاشكال السلمية والديمقراطية: لا للوجوه الفاشلة والفاسدة، المجربة مرة ومرات، وكفى سكوتا على ما ترتكب من موبقات.

انها هي السبب في ما نحن فيه، فلتعاقب إذن ولا يسمح بتدويرها من جديد.

عرض مقالات: